الأربعاء، 19 فبراير 2014

الساحل الشمالي للمغرب بين السعيدية و رأس الماء




حالة الساحل المتوسطي الشرقي بالمغرب.


الدكتور/ الطيـب بومعـزة / أستـاذ التعليـم العالي
الباحث/هشام لسكع/ طالب دكتور
جامعة الحسن الثاني المحمدية –الدار البيضاء
مختبر الجيومتيك و الاستشعار البعدي و الكارطوغرافيا
ص.ب. 546 المحمدية 28800 المغرب
الهاتف المحمول +212648379646
ملخص :
 على غرار العديد من سواحل العالم التي تعرف تحولات في ديناميتها إما بفعل العوامل الطبيعية أو بسبب تداخل العوامل البشرية فإن الساحل الشمالي الشرقي للمغرب الممتد بين السعيدية و رأس الماء يعد مجالا معرضا لظاهرة التعرية الساحلية, مما أدى إلى تدهوره بشكل كبير في السنوات الأخيرة. هدا التدهور الذي يبدو في الأصل طبيعيا قد ازدادت حدته بسبب العوامل البشرية المؤثرة, فإنشاء السدود قد أدى إلى تغير نضام الواد مما انعكس سلبا على كمية الرواسب المنقولة إلى مصب ملوية, كما أن بناء ميناء السعيدية وإنشاء المحطة السياحية الجديدة ساهموا بشكل ملحوظ في حالة التدهور هده. ان استعمال أدوات نظم المعلومات الجغرافية يسمح لنا بتتبع مختلف مراحل تغير خط الساحل مند سنوات الخمسينات إلى وقتنا الحالي. للقيام بدلك اعتمدنا على برمجية Arc-GIS 9.1 لنظم المعلومات الجغرافية لتحليل الخرائط الطبوغرافية و الصور الجوية و صور القمر الصناعي. الدراسة المعمقة لكل هده الوثائق تبرز لنا تراجعا خطيرا لخط الساحل الممتد بين السعيدية و رأس الماء الشيء الذي يشكل تهديدا حقيقيا على مستقبل المنطقة خصوصا في ظل الإكراهات العالمية الحالية من احترار لكوكب الأرض و احتمال ارتفاع مستوى سطح البحر.
الكلمات المحورية : التعرية, تراجع خط الساحل, دينامية, ساحل, نظم المعلومات الجغرافية

مقــدمة
لقد أصبح تعمير المجالات الساحلية في السنوات الحديثة ظاهرة متجلية على المستوى العالمي، ذلك بسبب تركز الأنشطة الاقتصادية و السياحية المختلفة... بحيث أن نسبة مهمة وكبيرة من ساكنة العالم أصبحت تستقر بالقرب من السواحل الحالية. و تجدر الإشارة أنه حسب المنظمة العالمية   للتغيرات  المناخية ((IPCC فإن ثلثي ساكنة العالم تعيش بالقرب من السواحل على مسافة لا تتعدى 200 كلم. وفي نفس السياق، فإن قدرة هذه الأخيرة على النمو والتطور تصطدم بمشاكل كبيرة من قبيل مشكل التعرية والفياضات.
تشكل المناطق الساحلية مجال تداخل بين العوامل الطبيعية والبشرية على حد سواء، وهي تعتبر وسطا بيئيا هشا وغير مستقر بسبب عامل التعرية البحرية وتراجع الشواطئ وارتفاع مستوى سطح البحر وتزايد الضغط على مواردها الطبيعية. في هذا الخصوص تشير الدراسات إلى تراجع كبير لخط الساحل في أكثر من 12% من السواحل الأوروبية (Eurosion). أما بالنسبة المغرب، فإن قياس نسبة تراجع السواحل الوطنية لازال غير معروف بشكل دقيق، خصوصا في غياب أي مرصد يهتم بدراسة دينامية الأوساط الساحلية.
يعرف الساحل المتوسطي الشمال الشرقي للمغرب دينامية سريعة، تتجلى بشكل واضح في التراجع الكبير لخط الساحل، إما بسبب التدخلات البشرية على مستوى الحوض الصباب لواد ملوية الذي يعتبر المصدر الرئيسي للرواسب المشكلة للشاطئ أو على مستوى الساحل نفسه أو بسب قوة العوامل الطبيعة النشيطة. هذا التطور الجيومرفولوجي السريع له انعكاسات ايكولوجية واقتصادية مهمة. في هذا الإطار تهدف هذه المقالة إلى دراسة الدينامية المرفلوجية للساحل الرملي الممتد بين السعيدية ورأس الماء خلال الفترة الممتدة بين 1958 و 2008 انطلاقا من الصور الجوية  و صور القمر الصناعي, و دلك بدراسته دراسة دياكرونولوجية.
1-     الإطار العام
يقع ساحل السعيدية – رأس الماء في أقصى الشمال الشرقي للمغرب على مسافة 20 كلم. يحده من الجهة الشمالية البحر الأبيض المتوسط و من الجنوب سهل تريفة و من جهة الشرق واد كيس الذي يعتبر الحد الطبيعي بين المغرب و الجزائر, ومن الجهة الغربية بجبال كبدانة التي تعتبر امتدادا لسلسلة جبال الريف (الشكل 1).
الشكل 1: خريطة موقع ساحل السعيدية – رأس الماء
الشكل المرفولوجي العام لساحل السعيدية – رأس الماء جد متنوع, حيث نجد انتشار الرمال الدقيقة مكونة شواطئ جميلة جدا, أما في عالية الشاطئ و الأراضي الخلفية فتنتشر الكثبان الرملية الحديثة. جيولوجيا فإن الشريط الساحلي يتشكل من رواسب رباعية حديثة تنتمي إلى سهل تريفة و السهل الساحلي للسارغ Sareg .
أما فيما يتعلق بالعامل المناخي فإن ساحل السعيدية – رأس الماء يوجد في مأمن من الاضطرابات المناخية القادمة من الغرب و الشمال الغربي و الجنوب, و هو بدلك ينفتح على الاضطرابات القادمة من الشمال الشرقي خاصة في فصل الشتاء. إجمالا فإن مناخ ساحل السعيدية رأس الماء مناخ متوسطي جاف في فصل الصيف و رطب في فصل الشتاء. أما النظام المطري فيمتاز بعدم الانتظام من سنة لأخرى.
            2- جرد للمعطيات المستعملة
الهدف من دراسة مرفولوجية ساحل السعيدية – رأس الماء هو معرفة كيفية تطور هذا الوسط منذ نهاية الحقبة الاستعمارية و تحليل الأسباب المسئولة. للارتقاء بهذه الدراسة قمنا باستعمال التحليل الدياكرونولوجي (dia-chronologique) للصور الجوية. وفيما يلي مختلف الوثائق المعتمدة في هذه الدراسة: (الجدول1)
الجدول 1: الوثائق المستعملة
السنة
نوع الوثيقة
المزود
السلم / الدقة
1958
صور جوية
مصلحة الخرائطية و المسح العقاري. الرباط
1/50000
1963
صور جوية
مصلحة الخرائطية و المسح العقاري. الرباط
1/40000
1965
خريطة طبوغرافية للسعيدية
مصلحة الخرائطية و المسح العقاري. الرباط
1/50000
1966
خريطة طبوغرافية لتريفة
مصلحة الخرائطية و المسح العقاري. الرباط
1/50000
1980
صور جوية
المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي لبركان
1/20000
1988
صور جوية
المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي لبركان
1/40000
2008
صورة القمر الصناعي
مشروع ISIS

3     منهجية الدراسة
لدراسة مرفودينامية ساحل السعيدية –رأس الماء سنعتمد على معالجة وتحليل الصور الجوية لمراحل مختلفة مند سنة 1958 إلى وقتنا الحالي ثم صورة القمر الصناعي والخرائط الطبوغرافية للمنطقة. لتحليل مختلف هذه الوثائق سنقوم أولا برقمنتها (Numérisation) بهدف إدخالها إلى الحاسوب، ثم تحليلها بواسطة برمجيات نظم المعلومات الجغرافي ArcGIS 9.1)) والاستشعار عن بعد Erdas IMAGINE 9.1))
            3-1-  التصحيح الهندسي للوثائق واستنباط هامش الخطأ
تعتبر الصورة الجوية أداة جيدة وحديثة لدراسة تطور خط الساحل على فترات مختلفة و طويلة، خلاله يمكن للصورة الجوية أن تحتوي على مجموعة من التشوهات المرتبطة بالأساس بعملية التقاط الصورة مثل ميل زاوية عدسة التصوير.أثناء عملية التحليق، هناك مصادر أخطاء أخرى تضاف مثل الارتفاع، الحرارة والضغط الممارس على الآلة المصورة. إن تداخل كل هذه الأخطاء فيما بينها يمكن أن يؤدي إلى تشويهات كبيرة للصورة الجوية والتي قد تصل إلى عشرات الأمتار من هامش الخطأ. هده الأخطاء الناجمة تؤثر سلبا على دقة الوثائق المستعملة في التحليل ومن تما في النتائج المستخلصة. و من أجل الحصول على نتائج و تحليل علمي دقيق فإن عملية تصحيح الصور الجوية لتخفيض نسبة التشويهات ضرورية جدا.
لتصحيح مجموع الوثائق المستعملة، قمنا باستعمال برمجيات ((ArcGIS 9.1 Erdas IMAGINE 9.1))  لتحديد التشويهات المحتملة. ولإعطاء مجموع هذه الوثائق المرجعية المجالية الحقيقية قمنا باستعمال نظام الإحداثيات ألخرائطي المخروطي المطابق لنظام لومبير للمغرب للنطاق الأول Projection conique conforme de Lambert Maroc zone 1). بداية قمنا بتصحيح الخريطة الطبوغرافية 50000/1 حيث إحداثيات الطول والعرض تبدوا محددة بوضوح بعد دلك قمنا بتصحيح الصور الجوية من خلال تقنية Map to Map.
إن تقدير هامش الخط مرتبط بدقة الوثائق المعالجة خلال عملية اختيار وتحديد المعالم على الصورة الجوية المراد تصحيحها، نشير في هذا الصدد بأننا بدلنا مجهودا كبير لحصر هامش خط في حدود 3 و 0.1 أمتار.
            3-2-  دمج الصور الجوية
إن عملية دمج الصور الجوية لنفس الفترة يمكنها من الحصول على صورة واحدة لمجموع ساحل السعيدية – رأس الماء مما يسهل التعامل معها وتحليل المعطيات. بعد ذلك، تحليل ودراسة تطور خط الساحل تمت من خلال دراسة و انجاز أزيد من 90 مقطع عرضي (transects) على طول ساحل السعيدية –رأس الماء بمعدل مسافة فاصلة 250mn.
3-     التطور الجيومرفلوجي لساحل السعيدية - رأس الماء
إن تطبيق نظم المعلومات الجغرافية GIS في دراسة التطور المرفلوجي لساحل السعيدية – رأس الماء يسمح لنا بتكميم وقياس هذا التطور من 1958 إلى وقتنا الحالي كما يتضح من خلال ما يلي:
            4-1-  وضعية خط الساحل من خلال تحليل الصور الجوية لسنة 1958
يتبين لنا من خلال دراسة الصور الجوية لسنة 1958 لساحل السعيدية – رأس الماء بواسطة نظام المعلومات الجغرافية أن واد ملوية كان يتقدم داخل البحر بمئات الأمتار متخذا بدلك شكل ديلتا متوسط الحجم، كما يتضح لنا كذلك أن عرض المجرى عند المصب كان يزيد عن 700م مما يدل على قوة صبيب الوادي وبالتالي وفرة الحمولة النهرية التي تظهر على الصور الجوية لهذه الفترة على شكل بقع بيضاء كبيرة داخل البحر. على ضفتي واد ملوية يلاحظ تواجد آثار أشكال المجاري القديمة للنهر والمنعطفات المهجورة مما يوحي إلى دينامية نهرية جد حيوية. عموما فإن المجال الممتد على طول ساحل السعيدية – رأس الماء خلال هذه الفترة يمتاز بقلة التعمير وغياب كلي لكل أشكال التأثير البشري (الشكل 2).
الشكل 2: وضعية خط ساحل السعيدية – رأس الماء سنة 1958

.2.4.   التطور المرفلوجي لخط الساحل بين 1963 و 1958
إن الصور الجوية لسنة 1963 قد التقطت بعد فترة من التساقطات المطرية القوية التي نتج عنها فيضانات و إمتطاحات قوية لواد ملوية، كما يتبين لنا من خلال اتساع عرض مجرى النهر، خصوصا عند المصب، الذي بلغ 886 متر. خلال هذه الفترة يبدو أن مجرى الإمتطاح امتلئ بشكل كلي مما جعله يعمل على حفر مجرى جديد في اتجاه مستقيم نحو البحر. هذه الفيضانات الهائلة أدت إلى ترسيب كميات كبيرة من المواد المحمولة على طول الشاطئ.
عند مطابقة وضعية خط الساحل لسنة 1958 على الوضعية الحالية لسنة 1963 نجد بأن هذا الأخير قد تعرض لمجموعة من التغيرات كما هو مبين في الأشكال التالية:
الشكل 3: تطور وضعية خط ساحل رأس الماء بين 1958 و 1963
طوال هذه الفترة يبدو أن ساحل السعيدية - رأس الماء قد تعرض لتعرية وتآكل واضحين، بحيث أن تراجع خط الساحل نحو اليابسة يظهر بوضوح تام سواء على النطاق الممتد بين رأس الماء (شكل 3) أو عند المصب (شكل 4( أو منطقة السعيدية (الشكل 5). رغم قوة الفيضانات والحمولة النهرية المترسبة خلال هذه الفترة إلا أن أثر بناء كل من سدي محمد الخامس ومشرع حمادي يبدو جليا من خلال حجزها لكميات هامة من الرواسب التي كان من الفروض أن تصل إلى الشاطئ (أنظر دكتوراه الدولة للطيب بومعزة للمزيد من التعمق) الشيء الذي يظهر من خلال التراجع المستمر لخط الساحل.

الشكل 4: تطور وضعية خط ساحل مصب ملوية بين 1958 و 1963
الشكل 5: تطور وضعية خط ساحل السعيدية بين 1958 و 1963



4-3-  التطور المرفلوجي لخط الساحل بين 1963 و 1980
الصور الجوية لسنة 1980 التقطت خلال شهر يونيو 1980، حيث أن صبيب واد ملوية يبدوا ضعيفا مما كان عليه خلال فترات 1958-1963، كما أن عرض المجرى المائي أصبح أقل بكثير مما كان عليه في الفترات السابقة ولم يتعدى 144م على مستوى الضفة اليسرى لواد ملوية نلاحظ تقدما لخط الساحل الأمر الذي أدى إلى تسمين وزيادة عرض الشاطئ خصوصا عند المجال المحصور بين رأس الماء كبدانة والجرف الميت لقمقوم الباز (الشكل 6)، في حين أن المجالات التي تعرضت للانحراف تبقى محدودة في بعض المواقع المتفرقة. هذه الوضعية الايجابية هي في الأصل نتاج لإعادة توزيع الأجزاء المتآكل، خصوصا عند المصب بفعل العوامل الهيدرودينامية الساحلية.
الشكل 6: تطور وضعية ساحل رأس الماء بين 1963 و 1980
على مستوى مصب ملوية، فإن آثار المجرى القديم لا تزال واضحة، رغم أنها أصبحت مهجورة إلا أنها لا تزال تشكل منعطفات مهجورة للواد وهي الآن تعد ملجأ آمنا للأصناف الحيوانية المستوطنة في الموقع دو الأهمية البيولوجية و الإيكولوجية SIBE. على هذا النطاق، يبدوا أن خط الساحل قد عرف تراجعا وصل إلى 374م في الفترة الممتدة بين 1963و 1980 بمعدل 22 متر في السنة (الشكل 7).

الشكل 7: تطور وضعية ساحل مصب ملوية بين 1963 و 1980
أما على مستوى ساحل السعيدية فالملاحظ أن هناك تقدما طفيفا لخط الساحل (الشكل 8). هذا التقدم هو نتاج لعملية نقل الرواسب من المصب إلى الأطراف بسبب الزحزحة الجانبية للتيارات الساحلية (la dérive littorale) والتي تلعب دورا كبيرا في عملية نقل الرواسب على طول الساحل.
الشكل 8: تطور وضعية ساحل السعيدية بين 1963 و 1980
4.4. التطور المرفلوجي لخط الساحل بين 1980 و 1988
إن الصور الجوية الملتقطة في غشت 1988 تشير إلى تطور بسيط بالمقارنة مع سنة 1980، بحيث يلاحظ تراجع لخط الساحل في بعض المناطق في حين أن مناطق أخرى من الساحل قد عرفت بعض التقدم. عموما فإن وضعية خط الساحل قد عرفت الكثير من تغيرات على غرار الفترات السابقة. خلال هده المرحلة (1980-1988) فإن التعرية البحرية أصابت غالبة أجزاء الساحل كما هو مبين أسفله من خلال دراسة وتحليل الصور الجوية لـ 1988 ومقارنتها بالوضعية السابقة لسنة 1980.
فيما يخص ساحل رأس كبدانة يلاحظ التأثير الكبير لميناء رأس كبدانة بفعل تراكم الرواسب على جانب الرصيف مشكلتا بذلك تقدما ملحوظا لخط الساحل على حساب البحر (الشكل 9). ومن جهة أخرى فإن الميناء الذي أنشئ سنة 1980 سيتعرض لإشكالية الترمل بسبب زحف الرواسب داخل فتحة الميناء مما يستدعي تنقيته وإفراغه بشكل منتظم.
الشكل 9: تطور خط ساحل رأس الماء بين 1980 و 1988
إذا كان ساحل رأس الماء قد عرف نموا خلال هذه الفترة، فإن مصب ملوية سيعرف في هذه المرحلة تراجعا كبيرا (الشكل 10), بحيث قمنا بقياس ما يزيد عن 200 متر في الضفة اليسرى لواد ملوية بمعدل 25m/an و 172 متر في الضفة اليمنى أي بمعدل 21m/an. هذه الوضعية المتأزمة تشير إلى قوة العوامل الهيدرودينامية في مقابل تراجع قوة الحمولة النهرية بسبب مجموعة من العوامل التي نذكر منها بالخصوص تأثير سدي مشرع حمادي ومحمد الخامس بسبب حجزهما لكميات كبيرة من الرواسب التي كان من المقرر أن تصل إلى الشاطئ، كذلك تزايد الطلب على الماء من أجل الري والاستعمالات المنزلية والصناعية، تزايد حدة الجفاف...



الشكل 10: تطور وضعية ساحل مصب ملوية بين 1980 و 1988
أما فيما يتعلق بساحل السعيدية (الشكل 11)، فإن الوضعية لا تختلف كثيرا عن بقية مناطق الساحل، بحيث نلاحظ تراجع متواصل لخط الساحل بالرغم من أن بعض الأجزاء عرفت بعض التطورات الطفيفة إلا أنها تبقى محدودة مجاليا و لا تتعدى بضعة أمتار قليلة.
الشكل 11: تطور وضعية ساحل السعيدية بين 1980 و 1988

4.5. التطور المرفولوجي لخط الساحل بين 1988 و 2008
تشير صور القمر الصناعي لـ 2008 إلى وضعية جد مختلفة لساحل السعيدية – ٍرأس الماء مقارنة مع الوضعيات السابقة. بحيث أن هناك تغيرات مجالية كبيرة قد حدثت خلال السنوات الأخيرة بسبب التوسع العمراني ومشاريع التهيئة السياحية والتجهيزات البحرية. في المقابل عرفت المؤهلات البيئية الهشة تراجعا خطيرا خصوصا الموقع ذو الأهمية البيولوجية والايكولوجية لمصب ملوية وغابة تازكرارت.
إن دراسة وضعية ساحل السعيدية- رأس الماء من خلال صورة القمر الصناعي لـ 2008 ومقارنتها بالوضعية السابقة يبين لنا تقدم خط ساحل في بعض المناطق مثل النطاق الممتد بين رأس الماء والجرف الميت لقمقوم الباز (الشكل 12)، لكن في المقابل ستعرف الأجراف الباقية تراجعا مستمرا لخط الساحل.
الشكل 12: تطور وضعية ساحل رأس الماء بين 1988 و 2008
بخصوص مصب ملوية فقد عرف بدوره تراجعا واضحا جدا لخط الساحل باستثناء منطقة ميناء السعيدية الذي سيؤدي إنشاءه سنة 1997 إلى اضطرابات قوية لخط الساحل (الشكل 13) فعلى الجانب الغربي للميناء سيعرف خط الساحل تقدما بـ 240 متر و 130 متر على جهة الشرقية. هذه التحولات مرتبطة بالأساس ببناء الميناء وسط منطقة رملية حيوية، مما جعله يقف كحاجز أمام انتقال الرواسب باتجاه الشرق والغرب، وبالتي سيعرف بدوره ترملا خطيرا الأمر الذي يتطلب تنقيته مرات عديدة خلال السنة.
الشكل 13: تطور وضعية ساحل مصب ملوية بين 1988 و 2008
فيما يتعلق بمنطقة السعيدية فإن خط الساحل سيعرف خلال هذه الفترة تراجعا مستمرا، مما يعكس التأثير السلبي لبعض المشاريع على دينامية الساحل، خصوصا انتشار النوادي والمطاعم على حساب الكثبان الرملية التي تغذي الشاطئ، كذلك بناء ميناء السعيدية الذي سيعمل على حجز الرمال المتنقلة باتجاه السعيدية والمحطة السياحية (الشكل 14).
الشكل 14: تطور وضعية ساحل مصب ملوية بين 1988 و 2008

6. تطور المقاطع العرضية المنجزة على طول ساحل السعيدية رأس الماء
إن الاعتماد على برمجية ArcGIS لنظم المعلومات الجغرافية لإنشاء مقاطع عرضية عن طول ساحل السعيدية رأس الماء، مكنتنا من تتبع ودراسة تطور المناطق التي عرفت تراجعا منذ سنة 1958 إلى الوقت الحالي. نذكر في هذا الصدد بأن قياس هذه التغيرات الدياكرونولوجية تم بالأخذ بعين الاعتبار لهامش الخطأ  الذي تم حسابه سلفا والذي قد يصل حد أقصى إلى 20 متر أثناء مطابقة وضعيات خط الساحل  المستخلص انطلاقا من الصور الجوية القديمة على الصور الحديثة.
1.6. تطور خط الساحل من خلال المقاطع العرضية المستخلصة بين 1958 و1963
إن تحليل 90 مقطعا منجزا على طول ساحل السعيدية – رأس الماء مكننا من تتبع وتكميم تطورات خط الساحل في الفترة الممتدة بين 1958-1963 (شكل15)، بحيث نلاحظ وجود اضطرابات كبيرة لشكل خط الساحل خاصة على مستوى مصب ملوية الدي ستعرف تراجع واختفاء كلي للدلتا القديم وتشكل واحد آخر على جانبه الأيسر، كما أن هناك مجالات كبيرة قد تآكلت واختفت، ويتعلق الأمر بالشاطئين المعروفين: شاطئ السعيدية وشاطئ رأس الماء.
الشكل 15: منحنى تطور المقاطع العرضية على طول ساحل السعيدية – رأس الماء بين 1958 و 1963
2.6. تطور خط الساحل من خلال المقاطع العرضية المستخلصة بين 1963 و 1980.
في الفترة الممتدة بين 1963-1980 سيعرف خط الساحل تطورا قويا على غرار ما حدث في الفترات السابقة (الشكل 16). فعلى مستوى مصب واد ملوية بلغ هدا التراجع إلى أزيد من 500 متر, من جهة ثانية سيعرف منحنى تطور خط الساحل تقدما واضحا في كل من الموقع ذو الأهمية البيولوجية والايكولوجية لمصب ملوية و في الضفة اليسرى للواد. هذا التقدم الايجابي الحاصل وإن كان بشكل غير متوازي للساحل يمكن تفسيره بإعادة توزيع  رمال الجزء الكبير الذي تمت تعريته على مستوى المصب. غير بعيد عن ذلك سيعرف ساحل السعيدية بعض التراجع فيما سيعرف شاطئ رأس كبدانة بعض التقدم الطفيف باتجاه البحر بسبب أشغال بناء ميناء رأس كبدانة الذي سيقوم كحاجز لتجمع الرواسب خصوصا عند جهته اليمنى.
الشكل 16: منحنى تطور المقاطع العرضية على طول ساحل السعيدية – رأس الماء بين 1963 و 1980
3.6. تطور خط الساحل من خلال المقاطع العرضية المستخلصة بين 1980 و 1988.
كما كان الحال عليه في الفترات السابقة فإن خط الساحل سيعرف منذ 1958 تراجعا مستمرا في مجموع النطاق الممتد بين السعيدية ورأس الماء باستثناء بعض الجيوب الصغيرة  والمتفرقة هنا وهناك (الشكل 17:). عموما يمكن أن نميز بين مجالين مختلفين خلال هذه الفترة : مجال تدهور تراجع وهو المجال الغالب والأكثر انتشارا (من شاطئ كاركاس إلى حدود الجرف الميت لقمقوم الباز) ومجال تقدم لكنه يبقى محصورا عند الجهة اليمنى لميناء رأس كبدانة وعلى مستوى مدينة السعيدية.
الشكل 17: منحنى تطور المقاطع العرضية على طول ساحل السعيدية – رأس الماء بين 1980 و 1988
4.6. تطور خط الساحل من خلال المقاطع العرضية المستخلصة بين 1988 و 2008
إن دراسة وتحليل منحنى تطور المقاطع العرضية  للفترة الممتدة بين 1988-2008 تشير إلى تغيرات مجالية كبيرة حدثت خلال هذه الفترة (الشكل 18:). بحيث تم انجاز مجموعة من المشاريع الكبرى في السنوات الأخيرة من قبيل ميناء السعيدية على مسافة 6 كلم غرب مدينة السعيدية وميناء المحطة السياحية الجديدة على أزيد من 700 هكتار. هذه التحولات سيكون لعا تأثير واضح عل دينامية الساحل، بحيث نلاحظ تراجعا قويا لخط الساحل على مستوى الموقع ذو الأهمية البيولوجية والايكولوجية لمصب ملوية  وعلى مستوى السعيدية. بالمقابل نلاحظ ذلك تقدما كبيرا لخط الساحل على مستوى ميناء السعيدية كما تظهر صور القمر الاصطناعي، بحيث يلاحظ تجمع كبير للرواسب على الجهة اليمنى واليسرى للميناء وصل إلى أزيد 300 متر.
            الشكل 18: منحنى تطور المقاطع العرضية على طول ساحل السعيدية- رأس الماء بين 1988 و 2008.

            هذا يمكن القول على أن ساحل السعيدية – رأس الماء قد عرف تغيرات كبيرة منذ سنة 1958 إلى يومنا الحالي كما تشير إلى ذلك دراسة الصور الجوية ومن خلال المقاطع العرضية المنجزة والتي الغرض منها تقديم بياني دقيق لتطور مختلف أجزاء الساحل. نشير في هذا الصدد إلى الدور الكبير لنظم المعلومات الجغرافية في الكشف الدقيق عن مختلف التحولات المجالية التي عرفها هذا الساحل التي أبانت عن تراجع كبير لخط الساحل على طول المراحل التي قمنا بدراستها، هذا التراجع الذي يرجع جزء كبير منه إلى التحولات السوسيو اقتصادية المنطقة الشرقية منذ فجر الاستقلال من نمو سكاني واقتصادي أدى بالضرورة إلى زيادة الطلب على الماء وعلى الموارد الطبيعية والحيوية الأخرى. ولتلبية جزء كبير من هذه الحاجيات كان لابد من بناء السدود لتخزين المياه والحماية من الفيضانات، لكن بالمقابل ستعمل على حجز كميات ضخمة من المواد الرسوبية التي كان ينبغي لها أن تصل إلى البحر لتغذية الشاطئ بالرواسب، هكذا سيستمر مسلسل تراجع خط الساحل بإيقاع شبه متوازي إلى حدود فترة التسعينات حيث سترتفع وثيرة البنية الطبيعية والإيكولوجية للساحل من خلال مجموعة من التدخلات المباشرة عن طريق بناء ميناء السعيدية الذي سيقف كحاجز أما انتقال الرواسب باتجاه شاطئ السعيدية في المقابل سيتعرض لمشكل الترمل. هذه الوضعية المتدهورة للساحل ستزداد تأزما من خلال إنجاز المحطة السياحية الجديدة للسعيدية والتي أدت إلى اختفاء أزيد من 700 هكتار من المجال الساحلي والغابوي وتعوضها بالمنشآت السياحية الضخمة. إن كل هذه العوامل تفسر التراجع الكبير الذي أصاب ساحل السعيدية – رأس الماء مما يدعونا إلى المزيد من التفكير في إعادة النظر في بعض السياسات المتبعة ونهج بدل ذلك سياسة تشاركية جديدة تقوم على أساس التدبير المندمج للمناطق الساحلية لتحقيق التنمية المستدامة.

7- خاتمة:
            إن التحليل الدياكرونولوجي للصور الجوية من خلال نظم المعلومات الجغرافية يسمح لنا بدراسة التطور الجيومرفلوجي بساحل السعيدية – رأس الماء بين 1958 – 2008، كما أن مطابقة الوضعيات السابقة لخط الساحل مع أخرى حديثة يبرز لنا وجود تغيرات كارثية للساحل، خاصة على مستوى مصب واد ملوية، حيث يوجد تراجع واضح لخط الساحل، كما نلاحظ تقدما لخط الساحل في بعض المناطق خصوصا عند مينائي رأس كبدانة والسعيدية بسبب ترسب الرمال حولهما مما يخلق مشكل ترملها.
           
ومن بين العوامل المسؤولة عن هذا التدهور يمكن أن نجد قوة الظروف الطبيعية المتجلية في قوة العوامل الهيدرودينامية وارتفاع مستوى سطح البحر... بالإضافة إلى ذلك نجد تداخل العوامل المتجلية في المد العمراني على الساحل، مشاريع التهيئة السياحية، إنشاء السدود والري في عالية الأودية المكونة لحوض واد ملوية، وكذلك اقتلاع الرمال الشاطئية الذي يشكل عاملا مباشرا وخطيرا في اختفاء الشاطئ.



المراجع:
BOUMEAZA T. ; 2002 : Le cours inférieur de la Moulouya : Morphologie quaternaire, dynamique fluviatile et morphologie côtière du littoral entre Kebdana et Saidia (Maroc oriental, Maroc). Thèse de doctorat, Université de liège, 335p.
BOUMEAZA T., 2003- Impact des barrages du Maroc oriental sur la dynamique fluviale de l’oued Moulouya à l’aval et à l’approche du littoral. (Maroc).
Publications de l’Université Hassan II, Faculté des lettres, série colloques n° 15, 2003. p.9-24. 
BOUMEAZA T.,.  2007  Le littoral du Maroc nord oriental (Maroc): Environnement ET impact des barrages sur la dynamique environnementale continentale et littorale.   Colloque sur : Eau et Environnement ;  Janvier 29- 31, ENSH, Blida , Algérie.
BOUMEAZA T.,. 2007 : Dynamique metéo-marine, infrastructures portuaires et leur impact sur la sur les littoraux : cas des ports de Mohammedia sur l’Atlantique et du port de Saidia sur la Méditerranée Etude de synthèse environnementale. Revue Bouhouth.  N° 14-15 ; 20067-2008 , pp.135-150.
BOUMEAZA T. 2009:  Disaster and socio-economic effects resulting from sudden sea level rise around the Mediterranean region- Tangier as case study – Morocco. International symposium on disaster management. 3-6 oct 2009. Riyadh, Saudi Arabia.
LASGAA Hicham 2008 : Erosion côtière du littoral d’Arekeman – Saidia. Mémoire du Master en géographie. FLSH. Université Mohamed Premier, Oujda.
NAHON C., SALMON M., BOUMEAZA T., SBAI A., EL HARADJI A. et OZER A. 2008 : André Apports de la télédétection dans l'étude diachronique de l'envasement de barrages : le cas des retenues Mohamed V et Hassan II (bassin de la Moulouya, Maroc oriental)JSR-Télédétection de l’AUF, Antananarivo, Madagascar du 3 au 7 novembre 2008..
SALMON M., BOUMEAZA T., SBAI A., BEN ATTA M., et OZER A., M. 2010 : L’érosion des côtes meubles de l’extrême nord-est du Maroc. Bulletin de la Société Géographique de Liège,  n° 54, 2010, pp.  97-106



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق