الثلاثاء، 18 فبراير 2014

مقارنة بين الحضارة الاسلامية والحضارة الغربية



أولًا: الحضارة الإسلامية قامت على الإسلام:
1- يقول هربرت فيشر[1] في كتابه: تاريخ أوروبا:
«لقد وصلنا الآن إلى نقطة يصبح عندها تاريخ أوروبا معقدًا بسبب انتصارات الدين الإسلامي. ففي خلال القرون الستة الأولى من التقويم المسيحي ما كان يمكن لأي سياسي متميز في أوروبا بأن يجد فرصة يتذكر بلاد العرب».
ولكن ما إن انقضت مائة عام حتى استطاع هؤلاء المتوحشون المغمورون أن يصبحوا قوة عالمية عظمى.. وما بين أحد طرفي أوروبا حتى طرفها الآخر، وجدت الدول المسيحية نفسها تواجه التحدي من حضارة شرقية جديدة تأسست على دين شرقي جديد[2]. وخلال السنوات الأولى من التوسع العربي، ما كان الفاتحون في حاجة إلى بذل مجهود كبير لكسب مهتدين إلى الإسلام. فعلى العكس من ذلك كان نجاحهم في الحكم متوقفًا إلى حد كبير على سياستهم الحكيمة في التسامح التي مارسوها تجاه اليهود والمسيحيين...
وهكذا انتشرت الحضارة الإسلامية، وكانت مراكزها السياسية: في دمشق تحت حكم الأمويين، وفي بغداد تحت حكم العباسيين، وفي مصر تحت حكم الفاطميين.. ولقد ساهم فيها السوريون والفرس والترك والبربر والأسبان ليقدموا جميعًا[3] العصر الرائع للآداب والفنون الإسلامية، والتي مكنت شعوب الإسلام من السيادة الفكرية للعالم طيلة أربعة قرون، بينما كان العقل الأوروبي غارقًا في قيعان الجهل والكسل[4].
2- ويقول برنارد لويس[5] عن: الإسلام منذ الأمس حتى اليوم:
إن المسيحية في إخلاصها إلى «إنسان - إله» إنما تلهم مثلًا عليا دنيوية، بينما الإسلام في إخلاصه للقرآن إنما هو حضارة، إذ لا يمكن فصل محتواه الديني عن تنظيم حياة البشر، ذلك التنظيم الذي كان يوضع موضع التنفيذ فورًا بمجرد التنزيل.

واليهودية مثلها مثل المسيحية، كانت كل منها برحلة سابقة في نفس سلسلة الوحي الإلهي، وكانتا في أول أمرهما ديانتين صحيحتين، ولكن بالنسبة للمسلمين فإن بعثة محمد قد نسختهما. فما كان فيهما من حق فقد احتوته رسالة النبي، وما كان فيهما من غير الحق، إنما جاء نتيجة لما لحق بهما من تحريف وعلى المستوى الديني، يعتبر الإسلام هو النهاية. ولكن ومن الوجهة التاريخية، يمكن النظر إليه باعتباره بداية.

فقد كان تأسيسًا لدين جديد، وإمبراطورية جديدة، وحضارة جديدة[6]،... ويزعم أحيانًا أن الدين الإسلامي قد فرض بالقوة، إن هذا القول غير صحيح «لقد قامت حضارة أصيلة مستوحاة من العقيدة الإسلامية، ومتمتعة بحماية الدولة الإسلامية، ومدعمة بثراء اللغة العربية. حضارة تنمو وتتسع وتعيش طويلًا، وقد صنعها الرجال والنساء من مختلف الأعراق والديانات، وقد اصطبغ كل شيء فيها بالعروبة والمبادئ والقيم الإسلامية»[7].

3- ويقول مارسيل بوزار[8] في كتابه: إنسانية الإسلام: «في كلمة موجزة، فإن الإسلام حضارة أعطت مفهومًا خاصًا للفرد، وحددت بدقة مكانه في المجتمع وقدمت عددًا من الحقائق الأولية التي تحكم العلاقات بين الشعوب. كما أن هذه الحضارة لم تقدم فقط مساهمتها التاريخية الخاصة في الثقافة العالمية، ولكنها تؤكد أيضًا، ولها مبرراتها، على تقديم حلول للمشاكل الرئيسية للأفراد والمجتمعات والمشاكل الدولية التي تثير الاضطرابات في العالم المعاصر».

إن الإسلام هو اتصال بين الله كإله وبين الإنسان كإنسان فالإسلام تسليم يقيني نشط وعن طوعية إلى المشيئة الإلهية.

ومن الناحية التاريخية، فلقد أنجب هذا الدين «أمة»، وأوجد أسلوبًا للحياة والعمل والتفكير، وفي كلمة واحدة: فقد أنجب حضارة.

ويدل التاريخ على وجود حقيقة ثابتة مثالية في الحضارة الإسلامية، التي كانت منذ بدئها ولا تزال، متوجهة توجهًا كاملًا نحو الله[9]. وهذه الظاهرة التي تغيب دائمًا عن الفكر والتحليل الغربي الحديث، تعطي للإسلام طابعه المتميز بالدوام. وربما كان ديكارت الذي تغذي فلسفته ومنهجيته التفكير اليومي لأوروبا، قد قام بإحداث شق يعتبر واحدًا من أكثر الشقوق عمقًا بين الشرق والغرب. ففي اختياره للاتجاه العقلاني فإنه حول الثقافة الأوروبية من ثقافة تعتبر «الإله مركز الكون - THEOCENTRIQUE» إلى ثقافة تعتبر «الإنسان مركز الكون - ANTHROPOCENTRIQUE» ويبقى الله هو المرجع الرئيسي في الفكر الإسلامي[10]، سواء في علوم الدين أو القانون أو السياسة. ويضطلع الدين بصورة مباشرة بتنظيم الحياة الروحية والزمنية للفرد والجماعة، رافضًا وساطة كهنوت كان سيتصرف على هواه ويحتكر الدين. والإسلام دين المطلق الإلهي والعقلاني، وعلى العقل البشري أن يتوافق والمنهاج الموحى به»[11].

«وإذا كان العالم الإسلامي قد أظهر أنه لم يكن قادرًا على الحفاظ على وحدته السياسية، فإن الإسلام - على العكس من ذلك - قد عرف كيف يرينا مقدرة رائعة على الحفاظ على ترابطه الديني الذي بقي سليمًا تقريبًا، رغم حدوث شقاقات.

وتظهر الرسالة القرآنية وتعاليم النبي أنها تقدمية بشكل جوهري. وتفسر هذه الخصائص المميزة. انتشار الإسلام السريع بصورة عجيبة خلال القرون الأولى من تاريخه[12].

ومن المفيد أن نسجل إلى أي مدى يؤثر مفهوم معين للعالم والإيمان بمصير عالمي للإنسانية، في طبع السلوك اليومي لملايين الأنفس من البشر. ولا يمكن لأي طريقة مثلى (أيديولوجية) معاصرة أن تدعي منافسة الإسلام في هذا الصدد»[13].


ثانيًا: الحضارة الإسلامية عالمية التوجه والمحتوى:
نظرًا لأن الإسلام دعوة عالمية، فقد كانت الحضارة التي أقامها عالمية التوجه والمحتوى، ففي الإسلام وحضارته نجد العلاقات واضحة ومحددة بين الله والكون والإنسان، وهي في صورتها العامة تحقق: الوحدة والتوازن (العدل) والانسجام.

1- يقول مارسيل بوازار:«عندما يكون الدين مؤسسًا على عقيدة راسخة تمامًا في توحيد الله؛ فإنه ينمي تحقيق عالم متوافق تحكمه شريعة فريدة عالمية ثابتة بلا تغيير. ولسوف يستأثر الإسلام بتفكيرنا، بصفته أولًا دينًا أو مثلًا أعلى مطلقًا، ومنهجًا للتفكير والعمل للفرد والجماعة، وهكذا شهد القرن السابع الميلادي نـزول الوحي النهائي والثابت وتأسيس المدينة الإسلامية».
الحضارة الغربية قامت على نبذ المسيحية:
تقوم الحضارة على حرية الفكر وطلب وإشاعة المعرفة وإذا كان عدد قليل من الفرنسيين قد استطاع الاغتراف من معين الثقافة والعلوم العربية في الأندلس، فلقد ظلت أغلب الشعوب الأوروبية غارقة في ظلمات الجهالة والتخلف حتى إذا جاءت الحروب الصليبية ابتداء من القرن الثاني عشر ووقع الاحتكاك بين الإسلام والمسيحية، بدأت الشعوب المسيحية الغربية تخرج من سباتها العميق بعد أن تحققت من تفوق الشعوب الإسلامية وحضارتها الزاهرة. واتجه المسيحيون الغربيون إلى أسبانيا وصقلية وغيرها من مراكز الحضارة الإسلامية ليتعلموا مختلف العلوم باللغة العربية التي كانت لغة العلم في أوروبا في ذلك الوقت، ثم ينقلونها بعد ذلك إلى اللاتينية.

وكان ذلك هو الأساس الذي قامت عليه الحضارة الغربية الحديثة.

لكن روح اليقظة هذه التي بدأت تسري في أوروبا اصطدمت مبكرًا بالكنيسة ورجالها وتعاليمها التي تتدخل في كافة مناحي الحياة الفردية والجماعية. ويكفي التذكرة هنا بتعاليم الكنيسة التي كانت تصدرها بين الحين والحين. ومنها ما عرف باسم:«المكفرات»، وهي إرشادات لرجال الدين حول الحكم في مختلف خطايا المؤمنين. وفي هذه التعاليم، تفرض الكنيسة قيودًا على ممارسة الجنس بين الزوجين.

فلقد حظرت ممارسة الجنس أثناء: حمل المرأة، والرضاعة، وأثناء الصوم الكبير، وأيام الآحاد الأربعة السابقة للميلاد، وقبل تناول العشاء الرباني...! وما كان لكنسية تفكر بهذه الطريقة، أن تقبل تحرير الفكر بعيدًا عن سلطانها، ولهذا بدأت معركتها مبكرة ضد أحرار الفكر - وفيهم كثير من رجال الدين - وعلماء العصر، ولهذا انطبعت الحضارة الغربية بالعداء بين العلم والدين، وذلك على العكس تمامًا من الحضارة الإسلامية التي قامت على الدين.

يقول الفيلسوف البريطاني برتراند رسل في مقال له بعنوان: كيف أعاقت الكنائس التقدم:
«قد تظن أيها القارئ أنني أذهب بعيدًا عن الواقع إذا قلت لك إن هذا لا يزال واقع الحال. فهناك طرق كثيرة جدًا تتبعها الكنيسة في الوقت الحاضر، لإنـزال البلايا وصنوف من العذاب التي لا داعي لها بمختلف أنواع البشر، وذلك بإصرارها على ما قد اختارت أن تسميه الأخلاقيات. وكما نعلم جميعًا، فإن الكنيسة لا تزال في أغلبها تعادي التقدم وكل ما من شأنه تخفيف معاناة العالم، فهي قد اعتادت أن تطبع مجموعة من قواعد السلوك المتزمت والتي لا علاقة لها بسعادة الإنسان، بما تسميه الأخلاقيات.

يجب علينا أن ننهض ونتدبر واقع أمر العالم. إن العالم المليء بالخير يحتاج إلى المعرفة ورقّة العواطف والشجاعة. إنه يحتاج إلى نظرة جسورة وإلى عقل حر. إنه يحتاج إلى أمل في المستقبل.

لقد عارضت الكنيسة جاليليو. وفي الأيام التي بلغت فيها أعظم سلطانها، فإنها ذهبت إلى أبعد مدى في معارضة حياة العقل والتفكير. فلقد كتب البابا جريجوري الكبير (590- 604م) إلى أحد أساقفته رسالة يقول فيها:«لقد وصلنا تقرير لا نستطيع تذكره دون حمرة الوجه خجلًا: ذلك أنك تشرح قواعد اللغة (اللاتينية) إلى بعض الأصدقاء».

لقد اضطر هذا الأسقف، تحت سلطان صاحب القداسة، أن يكف عن ذلك العمل الشرير! ولهذا لم تنهض اللاتينية من عقالها إلا في عصر النهضة.

وكما يعلم كل الناس، فإن الكنائس قد عارضت بقدر الإمكان القضاء على العبودية، كما أنه خلافًا لبعض الاستثناءات، فإنها تعارض اليوم أي حركة تجاه العدالة الاقتصادية ويجب أن نذكر أنه في جميع العصور، بدءًا من عصر قسطنطين (القرن الرابع) حتى نهاية القرن السابع عشر فإن المسيحيين قد تعرضوا لاضطهادات رهيبة على يد مسيحيين مثلهم آخرين، أكثر بكثير مما تعرضوا له على أيدي الأباطرة الرومان!

حقيقة أن المسيحي المعاصر قد أصبح أقل غلظة، لكن الفضل في ذلك لا يرجع إلى المسيحية، وإنما يرجع إلى أجيال من أحرار الفكر، الذين جعلوا المسيحيين - يخجلون - منذ عصر النهضة إلى الآن - من كثير من معتقداتهم التقليدية»[17].

رابعًا: الكنيسة تحرق العلماء وأحرار الفكر!
منذ أن صارت المسيحية الدين الرسمي للإمبراطورية على عهد قسطنطين الكبير (325م)  بدأت الكنيسة تقوى حتى جمعت في يدها السلطتين الدينية والدنيوية، فسيرت الجيوش الجرارة للحرب باسم المسيح، ومنحت بركاتها للملوك والأمراء الذين خضعوا لسلطانها، وقاتلت الذين خرجوا على إرادتها، وقتلت حرقًا وشنقًا كل من اعتبرته متمردًا على تعاليمها في الدين والدنيا. ولقد كان لدعاة الإصلاح والتقدم من رجال الدين ورجال العلم النصيب الوافر من الاضطهاد والملاحقة والإبادة.

وكان هذا السبب فيما اصطبغت به الحضارة الغربية من عداء بين العلم والدين، وهو ما جعلها تنكفئ على نفسها هربًا من الكنيسة وأربابها، فنبذت الإله الخالق واستبدلته بالإنسان المخلوق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق