الأربعاء، 19 فبراير 2014

مشروع سكة حديد الدار البيضاء -- اسطنبول السريعة



سكة حديد الدار البيضاء -- اسطنبول السريعة: طريق ازدهار واستقرار
الدكتور مسعود احمد اغبارية[1]
جامعة النجاح الوطنية, نابلس, فلسطين

على اثر انتصار الثورة العربية في مصر وتونس وليبيا في التخلص من أنظمة فاسدة وتابعة في جوهرها لقوى خارجية حيث نهلت شرعيتها منها ونهبت خيرات بلادها سنوات طويلة لخدمة مصالح تلك القوى الخارجية التي قد تكون معادية في جوهرها، وترسيخ الانتصار في انتخابات ديمقراطية تبعتها افرزت نجاح تيارات تدفع نحو الترابط الإسلامي والعربي وبين الناس جميعا من اجل الخير العام، واحتمال كبير لانتصار هذه الثورة في ولايات عربية أخرى مثل سوريا واليمن والبحرين ومناطق آخرى, نشاهد أمامنا نمو نموذج تنموي فريد من                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  نوعه بإتباعه يتحقق حلم مئات ملايين البشر.   بعد هذه الانتصارات التي وصفها بعض مشاركيها بأنها انتصارات إلهية،[2]  فإن تحقيق أحلام لم يعد بعيدا وخاصة حين يتسلح الإنسان بالإيمان والإرادة والإقدام ووضوح الرؤيا وسلامة الهدف الجامع وبانتهاج أسلوب الزحف المليوني السلمي درءا للمفاسد، وإن لزم في حالات معينة كان زحف شعب مسلح متعاضد مثل ما حدث في ليبيا، لن نتردد بعد اليوم من طرح أفكار قد يراها البعض حلما وخاصة حين يكون السؤال ما العمل للحفاظ على تحقيق انتصارات حقيقية وإن كنا في بداية الطريق،وزيادة رقعة اتساعها في ولايات عربية أخرى من اجل الاستقرار والتقدم والازدهار والحصول على أهداف سامية في اقصر وقت ممكن.
لأهمية هذه الثورة, كثير يحرصون على سلامتها وعلى استمرار انتشارها عند العرب اجمع وقد نجد هنا وهناك خلافات في الاسلوب وفي أي طريق أكثر نجاعة يجب السير قدما، لأنها, ولا نبالغ في الأمر شيئا، أعادت ألأمة العربية الى حلبة التاريخ الإنساني.  وما رفض الحكومة الانتقالية المصرية برئاسة  الدكتور عصام شرف التي اتت على اثر ثورة 25 يناير 2011 قروضا من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتوجه نحو الاكتفاء الذاتي بتشجيع الاستثمارات الخاصة في مختلف مجالات الحياة بدءا بالزراعة, ومعارضة شديدة يلقاها اقتراح متجدد زمن حكومة الجنزوري لطلب قرض من صندوق النقد الدولي وقيام مجموعات بالدعوة لتبرعات شعبية مقابل المساعدات الامريكية التي هدد امريكيون بقطعها إن لم تستجب حكومة مصر وتفرج عن معتقلين امريكيين متهمين بنشاطات مناهضة لروح الثورة المصرية,  الا مؤشر واضح على هذا الحرص لوجود إدراك مفعم بالتجربة لعشرات السنوات ان مثل هذه القروض  وهذه المعونات سوف تستخدم بالأساس لتطويع الثورة العربية وإفشالها في نهاية المطاف بإعادة الفاسدين ونشاط ترسيخ الجهل والتخلف من جديد.  
ما يزيد الامل عندنا هو وجود فئات تتسع من المثقفين وأصحاب الرأي العرب ممن يدركون خطورة وأهمية الوضع، يحذرون من أي انزلاق ويشجعون التقدم نحو البناء العصامي. على سبيل المثال لا الحصر, كان موقف الأكاديمي المصري  محمد السعيد إدريس موقف أسد وهو يدافع عن هذا الرفض مؤكدا ان الاقتصاد يجب ان يتأسس على العدل والإنتاجية وعدم التبعية.[3]  وقبله طالب كل من جورج قرم  وعبد الخالق فاروق بثورة اقتصادية وإتباع نموذج تنمية جديد في العالم العربي مرتكزين على الطاقات والثروات الذاتية العربية حيث بها تبنى وتحدد قواعد التعامل الاقتصادي داخليا وخارجيا من أجل بناء صرح التقدم المادي للأمة بعيدا عن التبعية والفساد على اختلاف أنواعه, ومحذرين من استمرار اللجوء إلى ما اسماه الدكتور عبد الخالق فاروق ب "نموذج التسول" ومن الوقوع في شباك التبعية للغرب من جديد.[4] رشيد خالدي وبرهان غليون، يؤكدون ان ما حدث هو تطور هام في تاريخ الأمة العربية بل ميلاد جديد بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى. [5] عزمي بشارة حذر بدوره من التبعية لأنها وفق كلماته ستعيد نفس الأشخاص او أمثالهم، ويطرح ما اسماه "أفكارا ميثاقيه لأي ثورة عربية ديمقراطية" بمثابة مبادئ فوق دستورية, دستور في القلب, ليساعد على استمرار نجاح الثورة. وفي ندوة عقدت في بيروت في 22 حزيران 2011 تم مناقشة الموضوع وكان إجماع ان القروض المقترحة مشروطة ولها أهداف مخفية. وكانت مطالبة بإنشاء صندوق عربي بإدارة شفافة يحظى بدعم الإرادة السياسية العربية.[6] والحرص لم يقتصر على العرب فقط فقد أتى مخاتير محمد رئيس حكومة ماليزيا السابق من بعيد حيث حققت بلاده ازدهارا كبيرا منقطع النظير زمن حكمه وشكل نموذجا خاصا ليقدم النصيحة. قدم مصر لحضور مؤتمر يناقش السبل للخروج من الأزمة الاقتصادية التي كانت تعيشها مصر عقودا من الزمن ليؤكد أن الاقتراض الخارجي هو وصفة خطيرة.  
من اجل بناء نموذج تنموي حقيقي في المنطقة يمهد لثورة اقتصادية تشمل المناطق الحرة التي تتحكم بها شعوبها الأصلية ويغطي مناطق واسعة من العالم العربي ويعبر الحدود السياسية التي رسمها الاستعمار الأجنبي للتواصل والالتحام مع نماذج إنمائية إنسانية ناجحة أخرى، نطالب القيادات العربية الجديدة وقيادات سياسية في المنطقة، وعلى رأسهم قادة تركيا الجدد، التي أثبتت مسؤوليتها تجاه شعبها وحرصها  على تقدم البلاد المجاورة, فورا بالبدء بمختلف التدابير لبناء  بنية تحتية صلبة بإقامة شركة عامة مساهمة, تكون ملكنا جميعا، لمد سكة حديدية سريعة ملائمة لأسرع قاطرات العالم وبصناعة محلية, توصل أرجاء الوطن العربي من غربه الى شرقه ومن شماله الى جنوبه وتنتهي بوصل هذا العالم مع النموذج التركي الذي وفق مقاييس كثيرة يعتبر ناجحا وهو ليس غريبا عن تراثنا وحضارتنا ومعتقداتنا. يقول الدكتور والمفكر  الإسلامي طه العلواني الذي يلعب جاهدا على احياء سكة حديد تركيا الحجاز, "إن المواصلات هي من أهم الوسائل لتوثيق الصلة والروابط بين الشعوب وإنماء المشتركات فيما بينها وتدعيم أسباب التعاون والتآلف وتحقيق التعاون بمستوياته المختلفة."   
تبدأ السكة الحديدية من الدار البيضاء في الغرب لتنتهي في اسطنبول في تركيا في الشرق وتكون مراكزها الأساسية في تونس ومصر وتركيا وفي إحدى دول الخليج الأكثر مناسبة, ومراكز فرعية في جميع الولايات التي يمر بها المشروع, ليتم توصيلها لاحقا بالسودان عبر مسارين على ارض مصر احدهما يخترق الصحراء الغربية ليشكل في حقيقة الأمر  قاعدة انطلاق للتقدم الاقتصادي هناك، وباليمن عبر مناطق محاذية قدر الإمكان لمكة المكرمة والمدينة المنورة والى مناطق شرق وجنوب شرق, وشمال شرق الجزيرة العربية, والعراق وأقطار أخرى تخدم المصالح المشتركة للأمة العربية ودول الجوار.[7]
التنسيق مع النموذج التركي التنموي الحديث أصبح ضرورة ملحة لأنه يعطي الثورة العربية الزاحفة عبقا وزخما ويزيدها تمكينا ومناعة من اجل خدمة مصالح مادية مشتركة متعددة الوجوه خاصة انه مشروع نهضوي تنموي شامل يشمل مناطق شاسعة, يعمل على توحيد طاقاتها من أجل نموها وتقدمها على مختلف الأصعدة.  السكة بقاطراتها الأسرع في العالم ستعيد الحياة الى المنطقة وعبرها سيسافر الإنسان بتكاليف مقبولة ومتاحة للجميع الى أي مكان يريده شرقا كان ام غربا شمالا كان ام جنوبا بدون عقبات وربما ابعد من هذا بكثير. وتنقل البضائع والمواد الخام بين هذه المناطق بتكلفة ملائمة. وهذا حقيقة ما يساعد على تحريك عجلة الاقتصاد بسرعة ويزداد النمو ويزداد معدل دخل الإنسان. حدثنا احد الحجاج الأتراك من مدينة بورصة التركية التقيت به في الحرم الشريف بمكة المكرمة في موسم الحج 2010\2011 ان مزارعين أتراك قد بذلوا جهدا لتزويد موسم الحج في مكة والمدينة المنورة ومدن محاذية في الجزيرة العربية، من الفراخ.  لكن تم اللجوء في النهاية، إلى مزارعين من الغرب. [8]   ربما وجود سكة حديد تربط الأوصال بعضها ببعض قد تخفض من تكاليف النقل الباهظة نسبيا وتجعل الفراخ التركية أقوى منافسة من الناحية الاقتصادية, وأكثر نفعا لبناء اقتصاد مستقل في المنطقة يدعم, بوجود احترام متبادل وأتساع روح الإيثار بين مختلف الجهات، المزيد من الحرية والاستقلال الوطني عند العرب والأتراك على حد سواء.  والأمر ليس عسيرا من الناحية الفنية. تم في السنوات الاخيرة تحقيق انجازات هامة في عالم القطارات وما يدور في فلكها ولم يتردد المسؤولون من انتهاج خطوات حاسمة ضد كل يقف حجر عثرة وان كان له مساهمة في اول الطريق. اعلن في كانون الاول 2011  ان الشركة الصينية  CSR لصناعة القاطرات قد نجحت في اختبار قطار  تصل سرعته 500 كم في الساعة. وحين حاول وزير القطارات في الصين الحياد عن الطريق الذي سار عليه وحقق انجازات كبيرة, تم خلعه وتقديمه للمحاكمة.
مسائل وفرضيات للاعتبار:
إيمانا بقدراتنا وضرورة اعتمادنا على أنفسنا  بخلق اكتفاء ذاتي، وإدراكا ان كل تطور ونمو اقتصادي شامل وناجح حدث في العصر الحديث في أي بقاع من هذه المعمورة اعتمد بالأساس على تغيير الإنسان من داخله وترسيخ اعتماده على ذاته وتهيئة وتسخير طاقات متاحة ومحيطة به، علينا ان نأخذ ما يلي بعين الاعتبار:
  1. مع بداية الثورة العربية منذ بداية عام 2011 في مختلف الولايات العربية , وإن كانت آلام الميلاد عسيرة بشكل نسبي في مناطق معينة, لا بد من الانطلاق نحو التقدم المادي الملموس بخطوات حثيثة وراسخة وخلق حقائق على الأرض لتعلو الأمة بعد تطهيرها من الفاسدين وتجار الدماء والساديين الذين يسعدون على تعاسة الشعوب وفقرها.
  2. ليس هناك "ثورات عربية" كما يحاول البعض وصفها, كما ان ليس هناك "شعوبا عربية" كما يحاول البعض من بينهم ألبرت حوراني وصف الأمر. بل, في حقيقة الأمر، هناك ثورة عربية واحدة, يختلف تطورها من منطقة الى أخرى لأسباب عدة من بينها مدى تغلغل الاستعمار ومدى التصاق أعوانه المحليين به. لذلك فهذه الدول العربية ليس دولا بما تحمله الكلمة من الناحية العلمية من معنى حيث ما زالت شعوبها مغيبة في اغلبها ولا تلعب دورا محسوسا وهي عمود ارتكاز أساسي من أعمدة الدولة الحديثة, وإن كنا مستعدين ان نتقبل الأمر مرحليا لأسباب مختلفة, ولكن كولايات عربية يحكمها "ولاة" عليهم, إن أحسنوا القيام بواجباتهم، التنسيق فيما بينهم من أجل خلق ظروف لتقام في النهاية الولايات العربية والمتحدة.[9]
  3. يجب أن نعمل جاهدين على تقليل ثم، حين يحين الوقت المناسب، إلغاء أهمية الحدود السياسية القائمة بين دول المنطقة, بالتحديد بين العرب أنفسهم, وبينهم وبين شعوب أخرى لهم مع العرب قواعد مشتركة ثقافية وتاريخية، التي حددها الاستعمار الأجنبي وفق أهوائه ومصالحه في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916،  وكان الاستعمار ظالما منتهكا حقوق الامة العربية الأساسية حيث استهدف تفسخها  واستمرار تخلفها وتبعيتها له. نستطيع ان نجزم ان باستمرار هذه الحدود القائمة لن ينجح أي مشروع تنموي اقتصادي عربي ولا منطقي جدي وفق مفاهيم قادة التغيير الجدد في العالم العربي وفي المنطقة. وتحافظ هذه الدول على الحدود من اجل المحافظة على بقائها. فعلى سبيل المثال يقول الدكتور طه العلواني ان فكرة إعادة فتح سكة حديد تركيا الحجاز, التي تلاقي ترحيبا كبيرا عند رئيس وزراء تركيا, رجب طيب اردوغان, تلاقي في نفس الوقت اعتراضا من دولة او دولتين عربيتين.  ما حدث في تركيا منذ 2002 وفي مصر وتونس منذ بداية 2011 وفي ليبيا في آب 2011 هو بداية التخلص من اتفاقية سايكس بيكو التي مثلت مرحلة سوداء في تاريخ الأمة العربية والمنطقة جمعاء.[10]
الاقتراح عملي
رغم وجود تخوف ان الثورة العربية قد تقع مرة أخرى في شباك التبعية والذل, وهو امر محتمل إن لم تهب قوى التغيير الأصلية للمحافظة عليه وتوسيعه ليشمل معظم مجالات الحياة, من يتابع التوجهات العامة لثوار المنطقة الجدد ولزعماء سياسيين بارزين تنفسوا الصعداء على اثر نجاح الثورة وآراء متخصصين, يتفاءل لأننا نتحدث عن زحف ملايين تتوق الى الحرية والكرامة والرخاء والسعادة. بعد زيارة للقاهرة في النصف الثاني من حزيران 2011 شملت على محاضرة في جامعة القاهرة ولقاءات مع قادة الثورة المصرية الشباب, خرج المفكر العربي عزمي بشارة بانطباع جيد وباطمئنان.[11] في احد حلقات النقاش حين تم اقتباس مقولة الرئيس جمال عبد الناصر: "إن شعبنا قد عقد العزم ان يعيد صنع الحياة على أرضه بالحرية والحق, بالكفاية والعدل, بالمحبة والسلام," علت ابتسامات آمل كبيرة على وجوه المشاركين, ولسان حالهم يقول "نحن هؤلاء". فحين تتاح الفرصة يتم تكليف فرق خبراء ومختصين عرب وأتراك ومن سكان المنطقة الأصليين حسب الكفاءات، ولا يهم مكان وجودهم لأنه كما يقول مثلنا الشعبي، لا يحرث الأرض الا عجولها، ان يبدءوا بتطوير ومن ثم تصنيع خير ما ينتجه الإنسان من قاطرات وعربات سريعة آخذين بعين الاعتبار ان المنطقة المشار إليها هي أغنى مناطق العالم بالطاقة الشمسية, وهو أمر غير مستحيل من النواحي التقنية. ففي قطاع غزة, ورغم الحصار الشديد وشح الإمكانيات، استطاع طلاب مدرسة تدريب مهنية خلال عدة سنوات صنع سيارة سباق جاهزة للمشاركة في سباق دولي في شهر تموز 2011.[12]  التجربة الصينية راقية في هذا المجال ونستطيع الاستفادة منها للانطلاق. نعم, يستطيع الإنسان ابتكار شيء من عدم وبفترة زمنية قصيرة ان توفر الإيمان والإرادة والكفاءات والإمكانيات.
حين يتساءل البعض هل من الممكن عمل هذا وتنفيذه على ساحة الواقع وخاصة اننا نتحدث عن مشروع مكلف عابر للقارات, لا نتردد ان نقول نعم, وعلينا ان نخطو الخطوة الأولى كي لا نقصر بحق أنفسنا وبحق أجيالنا القادمة. في هذا السياق لا بد ان نتذكر ما يلي:
أولا, مشروعا مماثلا ولو اقتصر على مسافات اقل مما نقترح هنا لكنه كان ثورة كاملة في حينه، قامت بإنجازه حكومة السلطان عبد الحميد الثاني في العقد الأخير من القرن التاسع عشر, ووصلت سكة حديد مشارف المدينة المنورة في الجزيرة العربية وفي إطاره لم ينسى منفذوه ان تكون هناك محطة قطار في مخيم جنين الأسطوري في فلسطين ويعتز بوجودها الكثير من سكان المنطقة كونها احد المعالم الحضارية.  تم تعطيل المشروع لأسباب معينة من بينها قطع تواصل أبناء الأمة العربية بعضهم ببعض ومع دول الجوار من اجل خدمة أهداف استعمارية ترمي الى شرذمة الأمة والمنطقة عامة وفرض هيمنة وتبعية عليها.  وما زال التواصل يخيف أتباع الاستعمار وعبدته، حكام البلاد الفاسدين، مدركين أن بالتواصل المبني على الاحترام المتبادل والعدل والإنتاجية والرغبة في خلق اقتصاد منتج وتحدي التخلف، تتفاعل الأمم ويولد التنافس وتفجر الطاقات الإيجابية وبهذا تتعرف الأمم على ذاتها وعلى غيرها, وفي النهاية, تستعيد كرامتها، وتزدهر.
ثانيا, بسبب كونه مشروعا شعوبيا, يجب ان يكون تحت رعاية القطاع الخاص بشفافية مطلقة مع تنسيق مع مختلف الجهات الرسمية  وقد يكون لها دورا معينا وفق قواعد وتجارب الشعوب الأخرى ا لتي وصلت قمما في التطور الاقتصادي بإتباعها وفق معايير دقيقة وواضحة ومناسبة لمنطقتنا, كما يدعي الاقتصادي البارز Ha-Joon Chang  سياسة Interventionist Economic Policy، وذلك من اجل تحديد العوامل الضامنة والضابطة في نفس الوقت. بالتحديد, هذا المشروع سيعطى فرصة كبيرة لتمكين الطبقة الوسطى وأصحاب المصالح الصغيرة ومجمل القطاع الخاص ليأخذوا دورهم الطبيعي في البناء. سيقبل أعضاؤها التحدي من اجل, كما يقول المفكر العربي جورج قرم، ردم التخلف في العالم العربي الذي يقع اليوم على عاتق المثقفين وطبقة القطاع الخاص. وقد يتطور التحاور مع فئات أخرى التي قد يكون لها مساهمة مادية في نجاح المشروع حين يطلب منها الإدلاء بما تملك من أفكار وخطط ووسائل تنفيذ على ساحة الواقع.  تتولى المشروع شركة مساهمة أفرادها من شعوب المنطقة أينما كانوا حيث يشعر كل فرد انه صاحب له, يعتز به ويسهر على سلامته لانه يساعده على التطور وفي التنقل والتواصل وزيارة مناطق جميلة وممتعة وهي حاجة ضرورية لكل فرد في هذا العصر, ويساعده في نقل بضاعته المصنعة او المستوردة او المواد الخام التي هو بحاجة إليها. في هذا السياق ولكي نذلل عقبات, فإني أرشح كل من الدكتور جورج قرم والدكتور عبد الخالق فاروق والدكتور محمد السعيد إدريس, وهم حقا أعلام  في هذه الأمة، إشغال مناصب إدارية عليا في هذه الشركة المساهمة من اجل البدء العملي بهذا المشروع.
ثالثا, إقامة مثل هذا المشروع في التاريخ الحديث لعب دورا هاما في مراحل تطور وازدهار مدن قائمة, وساعد على أقامة مدن جديدة ليشكل عاملا أساسيا في زيادة معدل دخل الإنسان في المنطقة التي يمر بها عشرات المرات.
رابعا، أقامة هذا المشروع بالتحديد سيحيي تلقائيا صناعات أساسية في التطور الاقتصادي تراجعت في العقود الأخيرة مثل صناعة الحديد والصلب في مدينة حلوان المصرية وغيرها في المنطقة, وإن هي موجودة في مراحل إنتاجية راقية، كما الحال في تركيا حيث اصبحت تحتل تركيا رقم 7 في إنتاج الحديد والصلب، فسوف يزيد إنتاجها حتى تلبي حاجات انجاز مشروع من هذا النوع. وقد يبدأ المشروع بالتخلص من ملايين الأطنان من المعادن المكدسة على أشكال مختلفة وبلا استعمال في الكثير من الأماكن في العالم العربي. كذلك فإن الشركات والخبرات التي ستقوم بتنفيذ هذا المشروع ستجد فرصا كبيرة حال انجازه, مع استمرار مسيرة التحرر في العالم العربي, وهي حتمية تاريخية، للانتقال بمشاريع مماثلة في الكثير من مناطق العالم العربي الواسع الأطراف. المنطقة التي تعتبر الأغنى في العالم بثروات طبيعية كثيرة مثل الطاقة الأرضية (البترول والغاز) والطاقة الشمسية ومعادن مختلفة، بحاجة ماسة الى عشرات بل مئات الآلاف من الكيلومترات من شبكات سكك حديدية سريعة. بدونها يتعسر بناء اقتصاد حر, وربما لن يكون لهذه الأمة قائمة عزيزة وكريمة بين الأمم.
خامسا,  أكثر الدول التي تملك أوراق ملموسة وأساسية لنجاح هذا المشروع هي مصر وتركيا وتونس وليبيا وفي القريب اليمن وسوريا لأن إرادة شعوبها بدأت تلعب دورا حاسما وليس إرادة حكام فاسدين مرتبطين بشرعية مستوردة، أو شعارات خالية من أي جوهر، يرون بالشرذمة ملاذا أساسيا للبقاء في العروش.  نشاطات وطرح الثوار في مصر وتونس من اجل بناء اقتصاد مستقل لان بغيابه لن تتحقق الحرية وبالتأكيد تفشل ثورتهم السياسية, ونشاطات حكومة تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان  منذ 2002 يشكل نقطة تحول تاريخية في المنطقة. في أول خطاب حالا بعد إعلان نتائج الانتخابات في حزيران 2011 أكد أردوغان أن انتصاره هو انتصار لكل المنطقة. ولم تكن صدفة ان كانت القيادة التركية من أول القيادات في العالم تواصلا مع القيادات المصرية الجديدة بعد ثورة 25 يناير 2011 عارضة عليها استعداد تركيا تقديم أي مساعدة من اجل المحافظة على استقلال وازدهار الشعب المصري, والتأكيد على ان مصلحة تركيا العليا ان تكون مصر دولة قوية ومركزية في المنطقة. وزيارة اردوغان لمصر في 12 ايلول 2011 ومنها الى ليبيا وتونس وحرص تركيا على خلق علاقات استراتيجية مع مصر  والموافقة على اقامة مجلس اعلى للتعاون الإستراتيجي عقد اول اجتماعاته برئاسة اردوغان وعصام شرف, خلال زيارته لمصر, يشكل تحولاً استراتيجيا في المنطقة في الفترة ما بعد ثورة مصر وفي مناطق اخرى. لإبراز اهمية هذه الزيارة, صرح السفير المصري في تركيا عبد الرحمن صلاح الدين أن مصلحة تركيا هو  وجود استقرار في مصر وان اهمية التحرك بين الدولتين يكمن ان في كلاهما يسكن حوالي 165 مليون مواطن وهذا العدد يشكل اكثر من 50%من سكان المنطقة بأسرها.
سادسا, تجارب شعوب وأمم أخرى في إنجاز مثل هذه المشاريع تزيدنا أملا. من يدرس التاريخ الأمريكي يدرك سريعا ان مد سكك الحديد بين المناطق البعيدة كان سببا اساسيا في تقدم امريكا وازدهارها ووحدة أراضيها في فترة قصيرة من الزمن بعد استقلالها عام 1776 وما زال يلعب دورا هاما حتى اليوم.  بسبب مسافاتها الكبيرة وبغية تلاحم أراضيها وتطور مدنها على امتداداتها الشاسعة. الأرقام قد تكون خيالية وخاصة لهؤلاء الذي يدعون ان المسافة بين الدار البيضاء واسطنبول طويلة وهي  لا تزيد على 13 الف كم. على سبيل المثال, وصل عام 1923 طول السكك الحديدية الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية 258 ألف كيلومترا بعد ان كان طولها عام 1850 لا يتجاوز 8000 كم .  وأصبح الرجل الذي وقف وراء تطوير السكك الحديدية في امركيا،  جون ستيفنسون، في مطلع القرن التاسع عشر , احد عظماء الامة  الامريكية ويتذكره الامريكيون جيدا. ولا يختلف الوضع كثيرا في مناطق اخرى في العالم.  نجاح اوروبا في تلك الفترة  وحتى اليوم كان بفضل بناء شبكات سكك حديدية تم توحيدها لاحقا لتصبح اوروبا اليوم موحدة ولتصبح اكبر اقتصاد في العالم ويجعلها تنافس كل من الولايات المتحدة والصين والهند والبرازيل واليابان ودول أخرى. ولم يتم انجازات نجاحات كبيرة في الاقتصاد الصيني في العقود الأخيرة لولا الشروع أولا في بناء شبكات سكك حديدية هي الأسرع في العالم.
سابعا, إن حدث وواجه المشروع صعوبات طبغرافية هنا او هناك,  فاستعراض السبل المحتملة لمد سك الحديد لا تظهر صعوبات غير عادية وقد يتطلب الوضع في مناطق قصيرة شق طريق تحت مياه البحر. ابرز المناطق التي من المتوقع الغوص تحت البحر فيها, أي حفر قناة سكة حديد تحت مياه البحر، ستكون تحت قناة السويس المصرية وفي شمال البحر الأحمر بين الساحل الشرقي لشبه جزيرة سيناء والساحل الأردني  بمحاذاة مدينة العقبة وهو تقريبا  نفس الطريق التاريخي الذي سلكه المسلمون أيام الاحتلال الصليبي لفلسطين للتنقل بين مصر وغرب العالم العربي من جهة وبين الشرق عامة وبلاد الشام خاصة من الجهة الأخرى.  هذا ليس مستحيلا كما يبدو لان المساحة التي يتطلب حفرها لا تتعدى عدة كيلومترات بينما سبق وتم حفر نفق تحت مضيق المانش بين بريطانيا وفرنسا ومد سكة حديد عبره يصل طوله أكثر من 50 كم.  قد يتطلب الامر أيضا بناء جسر بين منطقة شرم الشيخ وساحل شبة الجزيرة العربية، منطقة جزيرة تيران, وهي فكرة متداولة لسنوات طويلة، حيث يقرب الاتصال مع الجزيرة مئات الكيلومترات.
في الختام, هذا المشروع يساعد على محاصرة القوى المضادة للثورة العربية في مختلف مناطق الوطن العربي التي ما زالت تحاول إعادة الدولاب الى الوراء وإن كان الأمر صعبا بعد  ثمن باهظ تم دفعه بالذل والمهانة والدماء والتخلف قرونا من الزمن.  قد يعتبر المحرك الاساسي لتقدم المنطقة من الناحية الاقتصادية بخلق ترابط ما بينها وجعل التواصل والمواصلات أمر ليس عسير.  إذا كان الرأي ان الشبكة العنكبوتية, الانترنيت، هي التي هزت عروشا وأنظمة سياسية في العالم العربي حين حدث تواصل وتفاعل بين أبناء الأمة, وهذا أمر صحيح إلى حد ما، حيث ان الظروف الموضوعية كانت وما زالت صالحة لمثل هذه التغييرات وقد يكون منذ زمن بعيد, فإن السكة الحديدية المقترحة، بقاطراتها السريعة التي ستمخر السهول الساحلية الواسعة والجميلة والصحراء المديدة وتخترق الجبال وتغوص تحت البحر حين تكون هناك ضرورة فنية, سوف تزيد المنطقة جمالا ويراها الجميع مصلحة مادية وروحية ينتفعون بها.    المشروع يخلق أرضية صالحة وغنية لتعمير المنطقة بربطها مع بعض, ليكون التعامل الاقتصادي اقل كلفة، ويخلق شرق أوسط جديد حقيقي يقرب ما بين أوصال العرب داخليا وبينهم وبين غيرهم خارجيا وستكسر حدود سياسية رسمها الاستعمار الأجنبي  وتكون بداية الخلاص لسياسات الشرذمة.  نحن العرب من بين أجدر من يحق لهم التحدث عن وجوب الإسراع في إنجاز هذا المشروع.


       [1] استاذ العلوم السياسية، جامعة النجاح الوطنية, نابلس, فلسطين , عنوانه الإلكتروني Me9@georgetown.edu
[2] الدكتور صفوت حجازي, شاهد على الثورة, قناة الجزيرة, برنامج يقدمه احمد منصور.
[3] مقابلة مع الإعلامية  ليلي الشيخلي, قناة الجزيرة في برنامج "حديث الثورة" بتاريخ 26 حزيران, 2011
[4] طرح قسم من هذه الأفكار في برنامج "حديث الثورة" على قناة "الجزيرة" بتاريخ 18 حزيران, 2011
[5] مقال برهان غليون تحت عنوان "الولادة الجديدة للعالم العربي" ومقال رشيد الخالدي بعنوان "الثورات العربية 2011:ملاحظات تاريخية اولية. كلاهما نشرا في "مجلة الدراسات الفلسطينية"  العدد 86  في ربيع 2011.
[6] تقرير على قناة الجزيرة في 23 حزيران, 2011 الساعة 16:40 من سلام خضر, مراسلة الجزيرة في بيروت.
[7] أنا على استعداد ان أكون من بين أول من يشتري أسهما محددة لكل فرد عربي  أو تركي من هذه الشركة حال طرحها في السوق المالي. لن أتردد لحظة, أبدا.
[8] لم أتحقق من هذه الرواية من مصدر محايد, لكن مكانة الرجل ورزانته والمكان الذي تم سرد الموضوع فيه, الحرم الشريف في مكة المكرمة, يزيد احتمال مصداقيتها. وجعلني، رغم محبتي للحم الفراخ المشوي, أقاطعه كليا حتى عودتي من الحج.
[9] للمزيد من التفاصيل راجع مقال للمؤلف بالرابط التالي:  http://www.arabs48.com/?mod=articles&ID=79923
[10] للمزيد من التفاصيل راجع مقال للمؤلف بالرابط التالي: http://www.arabs48.com/?mod=articles&ID=79231
[11] مقابلة مع الإعلامي البارز في قناة الجزيرة علي الظفيري في برنامج "حديث الثورة", قناة الجزيرة 23 حزيران, 2011 الساعة 22:45
[12] تقرير إخباري على قناة الجزيرة من إعداد الإعلامي تامر المسحار, 25 حزيران, 2011.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق