الجمعة، 21 فبراير 2014

آل البيت في المغرب


آل البيت في المغرب

د . عبد الهادي التازي

كان اول قادم على المغرب، من ذرية الامام علي بن ابي طالب، هو المولى ادريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي وفاطمة الزهراء بنت الرسول عليه الصلوات، وذلك بإجماع المؤلفين الذين كتبوا عن تاريخ المغرب بعد ظهور الاسلام...

وقد كان وصول ادريس الى افريقيا عبر البحر الاحمر بعد وقعة فخ التي جرت يوم ثامن ذي الحجة 169 (10 يونية 786). ومن طنجة التي نزل بها، بادئ الامر وجه نداءه التاريخي الى المغاربة، ولم يلبث ان تلقى البيعة يوم الجمعة رابع رمضان سنة 172 (6 يبراير 789) حيث انشأ مملكةً بالمغرب مستقلةً عن الخلافة العباسية ببغداد.

ويتأكد ان حركة الامام ادريس التي امتدت الى تلمسان وتجاوزته الى مفاتحة والي مصر للانضمام الى آل البيت، يتأكد ان تلك الحركة اغضبت العباسيين ببغداد!

ولأن المسافة بعيدة كان يصعب معها ارسال الجيش لمقاومة حركة ادريس، فقد بعثوا بمن احتال عليه وقام باغتياله! وقد حسبوا ان الامر انتهى، لكن الدولة استمرت بجهود ابنه ادريس الثاني الذي انشأ له سنة 192 (808 م) عاصمة تحمل اسم فاس بعد ان وفدت عليه حشود من الأندلس وإفريقية بل ومن العراق وفارس ممن تعرضوا للاضطهاد والقمع والظلم في تلك الجهات(1) .

ومن هنا نُعتت فاس بأنها ملاذ الخائفين، فقد اصبحت فعلاً كعبة القاصدين ولا سيما من الاشراف، او السادة كما يسمونهم بالمشرق، بمن تشملهم كلمة الاشراف او الشرفاء من أُسر عديدة فيها الحسنيون وفيها الحسينيون.

وهكذا وجدنا ان هناك خمس فصائل اساسية:

الاولى: الأدارسة بمن فيهم الجوطيون بجميع فِرَقهم، ومن فيهم من غير الجوطيين وهم كثير كثير...

الثانية: المحمديون وهم العلويون الواردون من ينبع والذين يوجدون اليوم ومنذ أكثر من خمسة قرون على رأس الحكم بالمغرب..

الثالثة: الموسويون ويندرج فيهم القادريون...

الرابعة: العريضيون، ويشملون الأشراف الحسينين من صقليين وبني عمهم.

الخامسة: الكاظميون وهم الأشراف المنعوتون بالعراقيين...

ومن الملاحظ أن الأشراف بالمغرب وخاصة منهم الأدارسة الأوائل تعرضوا لمحنة كبرى أواخر الدوله الأدريسية بسبب تصميمهم على ان يحتفظوا باستقلال بلادهم ضد أطماع الأمويين بالأندلس فيهم وضد أطماع بعض الزعماء المحليين الذين كانوا يعملون لحساب جهات خارج المغرب .

ظلوا ولفترة قرن كامل يقاومون ويناضلون... وقد مرت بهم فترة من الفتراتِ الحاكمةِ كانوا يضطرون فيها للهجرة ألى الصحاري والجبال، بل يضطرون ألى تغيير انسابهم وأسماءهم حتى يفلتوا من القتل والسفك، وما بطش موسى ابن أبى العافيه بغائب عن أسماع كل المغاربه بل وعن المهتمين بتاريخ الغرب الاسلامي كله !

والجدير بالذكر في هذا المقام أن المؤرخين المغاربه اهتموا جميعهم بأمر الأنساب، ولذلك نجد العشرات من التآليف التي تنصب على معالجة هذا الموضوع، نجد أنهم جميعهم وهم يتحدثون عن تاريخ بناء فاس مثلاً لابد وأن يستحضروا مؤسس المدينة، ويذكرون نسبه وذريته، كما نجدهم أي المغاربة، وهم يتصاهرون بعضهم مع بعض، يحرصون على ذكر شجرة الشريف منهم في صلب عقد الصداق بحيث نجد أن الزوج الذي ينتسب للدوحة الشريفة يحرص على ذكر والده وجده الى أن يصل الى الامام علي وزوجته السيده فاطمة الزهراء، وهكذا كان الأمر بالنسبة للزوجة الشريفة التي تحرص على أن يذكر أسلافها واحداً واحداً الى مولانا علي ومولاتنا فاطمة...

ولم يكن غريباً علينا أن السلطان المريني أبا الحسن علي بن السلطان أبي سعيد عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، واسطة عقد الدولة المرينية وأحد سلاطينها الأجلاء ـ المتوفى بجبل هنتاته جنوب المغرب يوم 27 ربيع الأول 752 (1352) ـ أن نجد هذا السلطان يقوم بعملية جرد لجميع الشرفاء القرباء والبعداء، ويبعث بقاضي الحضرة الفاسية العالم الاكبر، السفير الاجل ابا سالم ابراهيم بن ابي زيد عبد الرحمن بن ابي يحيى التازي، يبعث به لسائر اطراف البلاد مميزاً لأعيانهم ومختبراً لأنسابهم الى ان اتم جرداً لأمير المؤمنين يستوعب سائر الانساب والاحساب...

وقد اقتدى السلطان ابو سالم بن ابي الحسن بوالده فقام بدوره بتفقد الاشراف وجمع شملهم وتعهدهم بالصلات، بل وجعل عليهم نقيباً يحمي حقوقهم ويرعى منزلهم، وكان هذا النقيب هو ابو عبد الله بن محمد بن محمد بن عمران بن عبد الواحد بن احمد بن علي بن يحيى(2) .

والحقيقة ان الملوك المغاربة اقتدوا في هذا الصنيع بما هو معروف عند العلامة الماوردي المتوفي سنة (450 هـ 1058) في تأليفه «الاحكام السلطانية والولايات الدينية»(3) الذي خصص الباب الثامن من كتابه للحديث عن انشاء النقابة على ذوي الأنساب...

لقد كان الماوردي صريحاً في نمييز أهل البيت عن غيرهم لدرجة انه افاد انه اذا تنازع احد من آل ابي طالب مع احد ينتمي الى غيرهم من العباسيين مثلاً فإنه لا تجب على احد منهما الاجابة لحكم غير حكم نقيبه، الى آخر ما جاء في الباب من فقه جدير بالعودة اليه.

والمهم بالنسبة الىّ في هذا الموضوع ان ابرز المركز الاجتماعي لأهل البيت من خلال الاحداث التي عاشها المغرب ويعيشها عبر تاريخة الطويل العريض. وأشير الى ارتباط الاسر المغربية الشريفة بأصولها التي توجد بالمشرق ، وهو الامر الذي يحتاج الى تظافر جهود النسابة في كل جهات العالم الاسلامي بل وغير العالم الاسلامي من اجل المزيد من الضبط والتحري والحزم.

وإذا ساغ لنا ان نقارن بين ما صدر في الديار المشرقية من تأليف عبر المحاولات التي ظهرت لحد الآن من اجل ضبط فضائل ابناء الرسول(4) فإننا سنباغت بوفرة المراجع المغربية التي تناولت أحياناً كل فصيلة على حدة واحياناً على ما يتفرع عن تلك الفصيلة، واحياناً اخرى على الاسرة الواحدة تسكن في حي من احياء المدينة او قرية من القرى او مدينة من المدن...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق