الخميس، 20 فبراير 2014

علم التاريخ الفنون الجميلة فن التصوير في عصر النهضة الاوربية



علم التاريخ :
         وظفر علم التاريخ بعناية فائقة من رجال النهضة في شبه الجزيرة الإيطالية . وبدأت الدراسات التاريخية تستقي مادتها العلمية من مصادر لا يرقى إليها الشك بعد أن كان المؤرخون يعتمدون على السماع أو أقوال الرواة , وتطورات مناهج البحث التاريخي وظهرت مدرسة جديدة في النقد التاريخي كان من أهم مظاهرها البحث الذي وضعه أحد الإيطاليين , وهو لورنزوفالا , عن ( هبة قسطنطين )  Donation de Constaotin وهي وثيقة قيل إنها ترجع إلى القرن الثاني أو الثالث الميلادي طالما استند إليها البابوات في العصور الوسطى في صراعهم مع الأباطرة حول حقهم في السلطة الزمنية . وقد خلص هذا الباحث إلى نتيجة هامة هي أن الوثسقة مزورة , وبذلك تهاوي جميع إدعاءات البابوات وتصير إلى هباء . وجاء في أعقاب هذا البحث حادث له دلالته , وهو ان البابا فيفولا الخامس – وكانوا يتبوأ كرسي البابوية وقتذاك – أعجب بالبحث وأبدى تقديره لمؤلفه , فعينه موظفاً في الحكومة البابوية . فكان هذا التعيين دليلاً على ان البابوية أصبحت نصيرة لحركة الدراسات الإنسانية , وقد تكونت مدرسة تاريخية في فلورنسا أخرجت عديداً من الكتب التاريخية في موضوعات شتى , وكان لهذه الأبحاث طابع مميز , هو حرية الرأي وحرية التعبير وعدم التقيد بالموضوعات الدينية والتحرر من التقاليد البالية والبعد عن الخرافات والتزام الموضوعية , مما جعل هذه البحوث باكورة طيبة للدراسات التاريخية الحديثة .
الفنون الجميلة :
         كانت الفنون الجميلة هي الميدان الذي نبغ فيه الإيطاليون . وإليهم يرجع الفضل في إحياء الفنون التي كانت مزدهرة في العصور القديمة .
         وإذا كان مولد النهضة في إيطاليا قد انبثق عن إحياء الدراسات الإنسانية على أيدي الإنسانيين الإيطاليين . فإن إيطاليا تستطيع أن تفخر ايضاً بأن الفنانين الإيطاليين هم الذين كشفوا النقاب عن جمال الآثار القديمة وروعتها وعملوا على محاكاتها في روحها وتعبيراتها . فالإيطاليون هم أصحاب الفضل الأول في بعث الدراسات الأدبية القديمة وفي نشأة الدراسات الأدبية الحديثة , وهم أصحاب الفضل الأول كذلك – وعلى درجة أكبر – في ابتكار الفن الحديث . وبعد أن كانت الفنون تتجه لخدمة الكنيسة والأغراض الدينية بوجه عام , أصبحت بفضل الإيطاليين منطلقاً إلى آفاق جديدة حرر فيها الفنانون الإيطاليون أنفسهم وعقولهم من قيود العصور الوسطى وتقاليدها المتزمتة , فإذا بالفنون تدب فيها روح علمانية متحررة مليئة بمناظر الطبيعة الخلابة وبجمال الوجه البشري وسائر أجزاء جسم الإنسان , وإذا بالفنانين الإيطاليين يكرسون كل طاقتهم المبدعة في الارتفاع بمستوى الفنون الجميلة الحديثة إلى أسمى درجات الكمال وبخاصة في فن التصوير والنحت .
1-فن التصوير :
         بلغ فن التصوير الذروة في الإبداع الفني حتى اعتبر الفن الأول لعصر النهضة في شبه الجزيرة الإيطالية . وتميز كثير من الفنانين بنزعة دنيوية مسرفة في صراحتها , تحررا من قيود العرف والتقاليد والروح الدينية المتزمتة التي خضع لها أسلافهم في العصور الوسطى , وأخرجوا صوراً تنبض بالحياة , أبرزوا فيها جمال الوجه البشري وسائر أجزاء حسم الإنسان , وصوروا جمال الطبيعة ومشاهدها الخلابة , واستخدموا بمهارة فائقة الأصباغ الزيتية فأضفت على الصور روعة الفن وبهاءه . وتنافست المدن الإيطالية في السبق في هذا الفن حتى أصبح لكل مدينة مدرستها الخاصة في فن التصوير . وبرزت بوجه خاص في هذا الفن مدينتا البندقية وفلورنسا , وتميزت الأولى بالروح العلمانية البعيدة عن تقاليد الكنيسة , وتأثرت الثانية إلى حد ما بالروح الدينية .
         ويعتبر رفائيل Raphael Sanzio على رأس الفنانين الذين برعوا في فن التصوير في إيطاليا . وعلى الرغم من أنه قضى نحبه وهو في صرح شبابه إلا أنه جسد العبقرية الإيطالية في فن التصوير بما خلفه من آثار فنية بلغت حد الروعة والإعجاز , ويتمثل بعض منها في صورة عن أسرة المسيح عليه السلام وسر العشاء الرباني المسماة ومن آثار الفنية الرائعة وبجانب رفائيل توجد شخصيتان بارزتان في فن التصوير أيضاً هما ليونارد دي فنشي Leonard de Vinci وقد ولد في قرية فنشي بالقرب من فلورنسا , واشتهر بنشاطه في فروع شتى من الفنون والعلوم , فضرب بسهم وافر في التصوير والنحت والموسيقى والهندسة العسكرية والعلوم الطبيعية , واشتغل بدراسة تشريح الأجسام البشرية والحيوانات والنباتات مع عمل رسوم لأعضاء الجسم والعضلات والأوردة والشرايين وما يتصل بالدورة الدموية , وكذلك الأمعاء إلى غير ذلك من الأجزاء البشرية , وقتام بتشطير الأجسام للرجال والنساء من مختلف الأعمار , كما كان كاتباً وأدبياً ممتازاً . ويدل تعدد جوانب الثقافة في الشخص الواحد على ظاهرة من الظواهر اللافتة للأنظار والأفكار معاً , وهي عدم وجود ما يعرف الآن باسم ( التخصص الضيق ) ومع ذلك فإن شهرة ليورنارد دي فنشي تعتمد على تفوقه في فن التصوير أكثر من امتيازه في أي فن او علم  آخر , ومن أشهر صوره الجيوكوندا La JecondeLa Jeconde وهي لسيدة إيطالية من مواليد نابولي تدعى موناليزا جيرارديني mona Lisa Gherardini تزوجت في السادسة عشرة من عمرها على كرة منها أحد ضباط مدينة فلورنسا يسمى فرانشكو زانوبي جيوكوندو Franceaco zenobi del Cieondo في الخامسة والثلاثين من عمره , وكان زواجها مرسم الفنان ليونارد منها للمرة الثالثة . وقد دخلت هذه السيدة([1]) مع زوجها مرسم الفنان ليونارد بأمر من حاكم فلورنسا وعشيقها([2]) , واستطاع الفنان أن يرسم لها صورة استغرقت منه أربع سنوات كرس كل طاقاته المبدعة في إثبات أدق التفاصيل بالرسم والألوان حتى خرجت الصورة معجزة فنية خالدة : مفاتن سيدة وديعة حسناء مثالية تتمتع بجاذبية نادرة , شاءت لها الأقدار أن تحرم من متاع الحياة الزوجية وهي ما زالت في ربيع عمرها . اختار لجلوسها في الصورة مكاناً موحشاص جلست عليه وحيدة بين الصخور التي تشقها مياه الغدير تنساب في الوادي السحيق إلى عالم المجهول كرمز لما يكتتف حياتها من غموض الناعستين وترقسم على شفتيها . واستطاع ليونارد بمواهبه العظيمة التي أودعها في صورة الجيوكوندا أن يجعل من هذه السيدة المجهولة شيئاً مذكوراً في التاريخ وعلماً بارزاً على مر العصور والأحقاب في عالم الفن التصويري , وأن يسمو إلى عداد عظماء الفنانين الذين أنجبتهم إيطاليا في عصر النهضة.
         أما الشخصية الثانية التي برزت في فن التصوير فكانت ميشيل آنج Michel Ango  ولد في كابريس Capresse في توسكانيا . كان على شاكلة سابقة , واشتهر بتعدد الجوانب الثقافية , فبرع في التصوير والنحت وهندسة البناء والشعر الإيطالي , واشتهر بوفرة إنتاجه الفني وتعدد الموضوعات التي عالجها والمستوى الرفيع الذي بلغه في هذا الانتاج . ويرى البعض أن ميشيل آنج , ورفائيل , وليونارد دي فنشي , يشتركون معاً في تكوين ثالوث الفن في القرن السادس عشر بما حققوه من أمجاد فنية ستظل على توالي العصور والادهار في مقدمة ما أبدعه الإنسان في ميدان الفنون التشكيلية .


[1] - اشتهرت هذه السيدة باسم جيوكوندا , وهو تأنيث اسم زوجها جيوكوندو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق