الأربعاء، 26 مارس 2014

حدث تأسيس المسجد النبوي


تأسيس المسجد النبوي
يرتبط تأسيس المسجد النبوي بحدث كبير في تاريخ الإسلام والمسلمين هو الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة.
فقد كانت المدينة قبل الهجرة ـ وكان اسمها يثرب ـ بلدة شبه مغلقة على نفسها، بعيدة عن الأحداث التاريخية المؤثرة، تسكنها قبائل الأوس والخزرج واليهود وأفراد من قبائل عربية شتى، وكانت القبيلتان الكبيرتان؛ الأوس والخزرج، شقيقتين لدودتين، انهمكتا لأكثر من قرن في صراعٍ دموي متقطع(1) ،لم تغب عنه أصابع اليهود ومكائدهم، التي تثير الفتنة وتؤججها بين الحين والآخر(2). وكان بعض المتصارعين من القبيلتين قد ملَّوا الصراع والدماء ، وأدركوا ألاَّ طائل وراءهما، وأن المستفيد الأكبر من هذه الحروب هم اليهود، فأخذوا يتلمسون الخلاص(3).
وفي الوقت نفسه كان المسلمون في مكة أشبه بجزيرة في بحر من الشرك، يعانون من صد المشركين وتطاولهم عليهم (4).
وشاء الله أن تتفتح قلوب بعض أهل يثرب لدعوة الحق، وأن يستجيبوا لصوت الإيمان ، ويبايعوا رسول الله e على النصرة والتمكين، ويدعوه للهجرة إليهم كي تبلغ الدعوة الإسلامية مداها(5)، فأرسل رسول الله مصعب بن عمير أول الأمر ليبدأ الدعوة في يثرب ، ويستقطب النفوس التي تستجيب لها، ويزيد عدد المسلمين فيها، وكان مصعب الداعية الموفق، فأسلم على يديه عدد من الأوس والخزرج(6).
وأذن رسول الله للمسلمين بالهجرة، ثم تبعهم بصحبة صاحبه الأول أبي بكر الصديق ، وحاول المشركون النيل منه عليه الصلاة والسلام ، ولكن الله نجاه

منهم، ووصل مشارف المدينة ، ونزل في قباء، وكانت قرية مستقلة تفصلها عن المدينة مزارع النخل وبساتين الخضرة والفاكهة(7).
أمضى رسول الله في قباء بضعة أيام أسس خلالها مسجد قباء، وشارك في وضع بعض أحجاره ، ثم ترك للصحابة المقيمين فيها أن يتموه، وتوجه نحو المدينة (8).
كانت المدينــة مجموعة تجمعات سكانيـــة متوزعة توزعاً قبلياً حيث تسكن بطون من الأوس في مناطق، وبطون من الخزرج في مناطق أخرى، وقبائل اليهود في مناطق ثالثـــة(9)   (انظر المصور المرفق للتوزع السكاني في يثرب). 
مضى رسول الله ومعه أبو بكر الصديق وبعض الصحابة إلى المدينة، وبلغ بطن وادي رانوناء، حيث يسكن بنو سالم بن عوف، بطن من بطون (الخزرج) ، وكان اليوم يوم جمعة، فأدركه وقت الظهر عندهم، فنزل وصلى بهم وبمن معه أول جمعة يصليها في المدينة، وقام إليه بنو سالم بن عوف يسألونه أن يحظوا بشرف إضافته، وأمسك بعضهم بزمام ناقته طمعاً في أن يقتادها إلى منازله، فقال لهم رسول الله : (دعوها فإنها مأمورة) (10)، وسارت الناقة بين المزارع حتى بلغت مساكن بني بياضة فهب إليه بعض وجوهها ، وسألوه e أن ينزل فيهم حيث العدد والعدة والمنعة، فكان جوابه: " دعوها فإنها مأمورة "(11) ومضت المأمورة في الطريق إلى قلب المدينة، ومرت بمساكن بني الحارث (بطن من بطون الخزرج) ، فخرج إليه سادتها سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة، ورجوه النزول عندهم، فكان الجواب نفسه: " دعوها فإنها مأمورة "(12)  وواصلت الناقة سيرها ، فبلغت مساكن بني عدي بن النجار (بطن من بطون الخزرج) ، فسارع إليه من أعيانها سليط بن قيس وآخرون ، وأمسكوا زمام الناقة طمعاً في أن يكون لهم ما لم يكن لمن قبلهم، فكان الجواب نفسه: " دعوها فإنها مأمورة " . وسارت الناقة ، وقد ترك لها زمامها غير مشدود ، ولا موجهاً لجهة معينة حتى بلغت مساكن بني النجار ، وهم أيضاً بطن من بطون الخزرج، ودخلت أرضاً بين المساكن غير ممهدة فيها بعض أشجار النخيل وأعشاب وقبور قديمة، ولم تكن مستثمرة إلا في تجفيف التمر عند جنيه، لذلك كانت تسمى (مربداً) ، وعندما دخلتها الناقة توقفت فيها، ثم بركت دون أن تستقر، ومن حولها جمع من المسلمين أحاطوا بالركب، ولم تلبث الناقة أن قامت ثانية وسارت غير بعيد في الأرض ذاتها، ثم عادت إلى مكانها الأول وبركت فيه بركة استقرار ومكث، وأدرك رسول الله e أن هذا هو المقام الذي انتهت إليه (المأمورة) فنزل عنها وقال: " هذا المقام إن شاء الله"(13) . وسارع أبو أيوب الأنصاري t إليها فحل عنها الرحل وحمله إلى بيته ، وكان قريباً من الموقع، وأقبل الصحابة الكرام على رسول الله كل يدعوه أن ينزل عنده لينال شرف الإضافة، ولعل رسول الله (ص) قد رأى في مبادرة أبي أيوب وسبقه إلى الرحل كياسة وحسن تصرف، ورأى أن اختيار المضيف من بين الصحابة المتلهفين لإضافته ما يسعد بعضهم ، ويغص للحرمان منه بعضهم الآخر، فكان المخرج غاية في اللباقة والإقناع، سأل عن رحله، فقيل: حمله أبو أيوب إلى داره، فقال عليه الصلاة والسلام: (المرء مع رحله) (14).
وتروي بعض كتب الحديث والسيرة أنه في اليوم الثاني سأل عن أصحاب المربد فقيل له: إنه لغلام أو لغلامين يتيمين يكفلهما أسعد بن زرارة فأرسل إليهم (ثامنوني بحائطكم) أي أخبروني عن الثمن لأشتريه، فقالوا هو لك يا رسول الله، وقال الوصي على اليتيم أو اليتيمين: (أنا أرضيه يا رسول الله) أي : أنه سيتحمل ثمنه ويدفعه له، فأبى رسول الله e إلا أن يشتريــــه شراء، وقدر الثمن بما كان سائداً آنئذ، ودفعه أبو بكر من ماله الذي حمله في هجرته. وأعلم رسول الله (ص) الصحابة بأن هذه الأرض ستكون المسجد الجامع ، وأنه عازم على بنائه(15)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق