السبت، 29 مارس 2014

المسجد دار للفتوى و الدعوى و الارشاد




 ان للمسجد وظائف عديدة واتجاهات متعددة في جميع مناحي الحياة روحية وعلمية وسياسية وغيرها ومن تلك الاتجاهات والجوانب مجال الفتوى والدعوى والإرشاد وقد كان المسجد النبوي هو منطلق الدعوى إلى الله عز وجل وهو أول محتضن تربوي يفتى فيه ويدعى فيه إلى الله عز وجل ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول داعية إلى الله عز وجل ذلك من كتاب الله عز وجل وأخذاً منهجه منه صلى الله عليه وسلم وقد كان الأمر له بالدعوة من الله عز وجل قال تعالى: " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"([1]).
وقد أمر الله رسوله وأصحابه بالدعوة إلى الله عز وجل على وجه الترغيب قال تعالى: " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"([2]).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس لأصحابه في المسجد يسألونه فيجيبهم وقد عنون الإمام البخاري في صحيحه وباب ذكر العلم والفتيا في المسجد".
ثم ساق حديثاً عن عبدالله بن عمر أن رجلاً قام في المسجد فقال: يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل فقال رسول الله عليه وسلم رجل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل بخد من قرن" وقال ابن عمر ويزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويهل أهل اليمن من يلملم" وكان بن عمر يقول لم أفقه هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم"([3]).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال لهم أيكم محمد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم منكئ بين ظهرانيهم قال فقالوا هذا الرجل الأبيض المنكئ فقال له الرجل يا ابن عبدالمطلب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد أجبتك: فقال له الرجل يا محمد إني سائلك ومشدد عليك في المسألة فلا تجدن على نفسك فقال سل ما بدا لك. قال: الرجل نشدتك بربك ورب من قبلك آلله أرسلك إلى الناس كلهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم نعم". قال فأنشدك بالله آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم نعم". قال فأنشدك بالله آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم نعم". قال فأنشدك بالله آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم نعم". فقال الرجل آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن تعلبة أخو بني سعد بن بكر"([4]).
ففي هذا الحديث يتضح أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوى الذي ليس كمثله أي أسلوب دعوى وذلك يتضح جلياً في بلوغه أعلى درجات العبد على السائل الذي سأله وشدد عليه في السؤال ولم ينهره ولم يعنفه وإنما تركه يسأل ما بدا له من الأسئلة لكي ينفقه في الدين ولكي يتعلم أمور دينه.
وعنه قال بينما أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارجين من المسجد فلقينا رجلاً عند سدة المسجد فقال يارسول الله متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما أعددت لها؟" قال: فكأن الرجل استكان ثم قال يارسول الله ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكن أحب الله ورسوله قال: "فأنت مع من أحببت"([5]).
وقد تبين في ها الحديث أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في التوجيه والإرشاد إلى الأهم ثم المهم فقد وجه السائل إلى ما هو أهم من السؤال وذلك أسلوب راضي في الدعوة والإرشاد للسائل الذي يسأل.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال كيف صلاة الليل فقال: "مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة توتر لك ما قد صليت"([6]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد قال احترقت. قال: "ممَ؟" قال وقعت بامرأتي في رمضان. قال له: "تصدق" قال ما عندي شيء فجلس وأتاه إنسان يسوق حماراً ومعه طعام قال عبدالرحمن ما أدري ما هو..... النبي صلى الله عليه وسلم فقال أين المحترق فقال ها أنا ذا قال خذ هذا فتصدق به قال على أحوج مني وما لأهلي طعام قال فكلوه قال أبو عبدالله الحديث الأول بين قوله أطعم أهلك"([7]).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة في تعليم الناس أمور دينهم ودعوتهم إلى الحق والصواب فعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم .......... لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فوالله ما قهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراء القرآن أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يارسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالاً يأتون الكهان قال فلا تأتهم قال ومنا رجال يتطيرون قال ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدهم قال ابن العباج فلا يصدنكم قال قلت ومنا رجال يخطون قال كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه ذاك قال وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجو فيه فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي قلت يارسول الله أفلا اعتقها قال آتني بها فأتيته بها فقال لها أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنه"([8]).
وقد كانت من أساليب دعوته أحياناً أنه يحبس الأسير المدعو في المسجد ليتعرف على الإسلام عن قرب ويشاهد ممارسة الشعائر الدينية من الصحابة عن قرب عسى الله أن يهديه إلى الإسلام كما حصل مع تمامة بن أثال رضي الله عنه من بني حنيفة فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمال بن أشال فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما عندك يا تمامه فقال عندي خير يا محمد أن تقتلني تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت فترك حتى كان الغد ثم قال له ما عندك يا تمام قال ما قلت لك إن  تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا تمامه فقال عندي ما قلت لك فقال أطلقوا تمامه فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب دين إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال لا ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم"([9]).
ففي هذه الأحاديث يتبين الدور الدعوي والإرشادي الذي يقوم به المسجد في حياة الأمة وأثره الواضح في تحقيق أثر الدعوة والإرشاد.




([1]) سورة النمل آية 25.
([2]) سورة فصلت آية 33.
([3]) رواه البخاري في صحيحه باب ذكر العلم والفتيا في المسجد ومسلم باب مواقيت الحج والعمرة.
([4]) رواه البخاري في صحيحه ب/ ما جاء في العلم وقوله تعالى: " وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا" ومسلم ب السؤال عن أركان الإسلام.
([5]) رواه البخاري في صحيحه باب علامة حب الله عز وجل ومسلم ب المرء مع من أحب.
([6]) رواه البخاري في صحيحه ب/ ما جاء في الوتر ومسلم ب/ صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة في آخر الليل.
([7]) رواه البخاري في صحيحه ب/ من أصاب ذنباً دون الحد ومسلم ب/ تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان.
([8]) رواه مسلم ب/ تحريم الكلام في الصلاة وفسخ ما كان من إباحة.
([9])

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق