السبت، 29 مارس 2014

المسجد في عهد الخلفاء الراشدين



المسجد في عهد الخلفاء الراشدين
كان المسجد في عهد الخلفاء الراشدين يستخدم هي البيعة واستخدام الخلفاء المنبر المسجد لبيان سياستهم وما يريدون أن يصل إلى الناس من أمر أ نهي أو بيان.
إن الخلافة في الإسلام منصب ديني ودنيوي ولهذا لم يكن الخليفة يبايع إلا في المسجد ولما بويع أبو بكر البيعة الخاصة في سقيفة بني ساعدة واتجهوا بعد ذلك إلى تجهيز النبي صلى الله عليه وسلم وقد تم إبلاغ المسلمين بأن البيعة العامة لأبي بكر ستكون صباح اليوم التالي، وعليهم التجمع لذلك فحضر المسلمون إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة يوم الثلاثاء وهم في غم لما أصابهم ولعدم وضوح الرؤية لما سيحدث في المستقبل وبينما الناس في حالة ...... عمر بن الخطاب يخطب في الناس وأول ما بدأ به هو الاعتذار عما فعله صباح الأمس عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لم يفعل ذلك لشيء وجده في كتاب الله أو لعهد عهده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما ظن أن رسول الله آخرهم فهو الذي يسير أمرهم ثم قال: "إن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي هو به هدي رسول الله فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه الله له" وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه" فاندفع الناس على أبي بكر الذي كان قد دفعه عمر إلى فوق المنبر دفعاً يراه الناس ثم بايعوه ولم يكن ضمن الحاضرين علي بن أبي طالب، ولا الزبير بن العوم، وسرعان ما قدما فعاتبهما أبو بكر على عدم الحضور وما أظنهما إلا كانا في شغل لأن كلاهما قال له لا تثريب يا خليفة رسول الله فأقبل كل منهما وبايع"([1]).
وجاء في رواية بأن أبا بكر جلس للبيعة وعلي مازال في بيته فقيل له: قد جلس أبو بكر للبيعة فخرج في قميس ما عليه إزار ولا رداء عجلاً وكراهية أن يبطئ عنها حتى بايعه ثم جلس إليه وبعث إلى ثوبه فأتاه فتحلله ولزم مجلسه"([2]).
وبعد أن تمت البيعة العامة وقف أبو بكر موقف الخائف الوجل من هذه المسئولية وقال معتذراً إلى الناس.. ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة ولا سألتها في سر ولا علانية.. ثم أعلنت مكرراً إعلانه الخطير ثلاث مرات.. أيها الناس أفداخلتكم بيعتكم.. أيها الناس أفداخلتكم بيعتكم.. أيها الناس أفداخلتكم بيعتكم"([3]).
وقبل أن يثير هذا الإعلان أي رد فعل وقف الإمام علي رضي الله عنه مصححاً الوضع ومهدئاً للمشاعر فقال: "والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدّمك رسول الله في الصلاة فماذا يؤخرك"([4]).
فهدأت النفوس ووجد أبو بكر نفسه في موقف الحسم. فلم يعد هناك مجل للمراجعة ولا أخذ ورد، فما كان منه بعد أن صار المسئول الأول إلا أن وقف خطيباً ليلقي أول بيان له يحدد فيه سياسته بوضوح فبعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله قال: "أما بعد.. أيها الناس: فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم. فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوِّموني الصدق أمانة.. والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، ولا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.
وبين سياسته في الحكم والجهاد في سبيل الله حيث أمر بإنقاذ جيش أسامة بن زيد وأمرهم بالتجهز والغزو وقد كان هذا نافعاً جداً حيث قال العرب لو لم يكن لهؤلاء قوم ما كان لهم جيش يغزو بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم"([5]).
وكانت صلاة الظهر قد حانت فأمر الخليفة الناس بالقيام للصلاة ومن هنا يتضح أن أول خليفة في الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بيعته وبيان سياسته كانت على المنبر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك بويع عثمان بن عفان على المنبر وقد جاء في بعض الروايات أن عبدالرحمن خرج بعثمان وعلي إلى المسجد وقد لبس عبدالرحمن العمامة التي عممه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقلد سيفاً وبعث إلى وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ونودي في الناس عامة الصلاة جامعة فامتلأ المسجد حتى غص بالناس وتراص الناس وتراصوا حتى لم يبق لعثمان موضع يجلس إلا في آخريات الناس وكان رجلاً حيياً رضي الله عنه ثم صعد عبدالرحمن بن عوف منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى هذه اللحظة لا يعلم أحد من سيبايع حتى سعد بن أبي وقاص يرسل إليه رسولاً وهو يصعد المنبر وقال له يقول لك سعد ارفع رأسك وانظر لأمة محمد وبايع نفسك فوقف ينظر للناس والمسجد يكتض بهم وتلفت يميناً وشمالاً فرأى المهاجرين والأنصار الذين استدعاهم للحضور ومعهم أمراء الأجناد والأمصار الذين قد حضروا حج ذلك العام مع عمر وقدموا معه إلى المدينة وكان عبدالرحمن قد استشارهم من ضمن من استشارهم وكان الناس الذين اكتض بهم المسجد ينظرون إليه في انتظار ما يقول.. ولعل القلوب ترجف والحلوق قد جفت ثم سمعوا عبدالرحمن يستفتح وبعد الحمد لله والثناء عليه بين منهجه الذي اتبعه وهو انه سأل الناس سراً وجهراً عمن يختارون للخلافة وقال إني لم أزل دائباً منذ ثلاثة أسألكم عن هؤلاء النفر ثم سألتكم عن أنفسكم فوجدتكم أيها الناس إياهم اجتمعوا على عثمان وثم قال يا علي إني نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجلعن على نفسك سبيلاً ثم التفت إلى عثمان الذي كان في مؤخرة المسجد وأعلن البيعة ودون تردد فقال قم يا عثمان أبايعك على سنة الله وسنة رسول الله والخليفتين من بعده.. ثم نهض الناس يبايعونه المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون وكان أول من بايع بعد عبدالرحمن علي بن أبي طالب"([6]).
وهكذا كانت بيعة الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى منبره.
وكذلك بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت في المسجد روى عن محمد بن الحنفية قال: قال كنت مع أبي حين قتل عثمان رضي الله عنه فقام فدخل منزله فأتاه صحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إن هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمام ولا نجد اليوم أحداً أحق بهذا الأمر منك لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تفعلوا فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً فقالوا لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك قال ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفياً ولا تكون إلا عن رضا المسلمين قال سالم بن أبي الجعد فقال عبدالله بن عباس فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يشغب عليه وأبى هو إلا المسجد فلما دخل دخل المهاجرين والأنصار وكان يوماً حافلاً وحاسماً فقد خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد لبس ملابسه كاملة فالتفت وقال لطلحة والزبير وإن شئتما فبايعا ثم بعد الحمد والثناء على الله بين للناس المحاولات التي بذلت معه وقال: "إني قد كنت كارهاً لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم ألا وإنه ليس لي أمر دونكم إلا أن مفاتيح مالكم معي ألا وإنه ليس لي أن آخذ منه درهماً دونكم ثم قال.. أيها الناس: عن ....... إذن إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم وقد اخترقنا بالأمس على أمر فإن شئتم فعدت لكم وإلا فلا أجد على أحد.. ثم رفع صوته قائلاً رضيتم؟ قالوا نعم قال الله اشهد عليهم وأقبل الناس يبايعونه ثم التفت إلى طلحة والزبير قال: إن شئتما بايعا وإلا بايعتكما قالا بل نبايعك"([7]).
ومن هذا يتبين أن البيعة للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كانت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنبره صلى الله عليه وسلم.




([1]) ابن كثير السيرة 4/ 492-493-494.
([2]) رواه الطبري عن حبيب بن أبي ثابت – تاريخ الطبري 3/ 207.
([3]) رواه موسى بن عقبة وابن كثير السيرة 4/ 496.
([4]) البلازري والأنساب 587.
([5]) تاريخ الأمم والملوك. للطبري 2/ 223.
([6]) ابن حجر فتح الباري 14/213، 214 و 27/ 226- 231 ابن حيان السيرة النبوية 499-550.
([7]) الطبري – التاريخ 4/ 428-434 وإتمام الوفاء في سيرة الخلفاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق