الأربعاء، 26 مارس 2014

الدلالة الغيبية و والجغرافية و التشريعية لبناء المسجد النبوي


حدث اختيار موقع المسجد النبوي له دلالات عدة ، من أهمها :
أولاً : الدلالة الغيبية:
أول ما تقف عنده قوله لكل من أراد أن يأخذ خطام ناقته ( دعوها فإنها مأمورة ) ، فهي واضحة الدلالة على الجانب الغيبي في الاختيار: أي على وجود توجيه إلهي مباشر، تمضي فيه الناقة العجماء ، وهي تحمل سيد البشر إلى الموقع الذي اختاره الله له، وألهم رسوله الله e أن يبني فيه مسجده، وهذا التوجيه لا نعرفه من قبل في غير بيت الله الحرام الذي بوأه الله –سبحانه –لإبراهيم(16)، فهل يصل بنا الاستنتاج إلى أن مكانة المسجد النبوي وقدسيته تجعل موقعه يتحدد بالتعيين المباشر الذي يظهر لرسول الله وللصحابة الكرام في حينه؟ (17)
ثانياً : الدلالة الاجتماعية والنفسية:
وثمة دلالة أخرى ترتبط بالجانب الاجتماعي والنفسي، فقد كانت حكمة بالغة منه أن يعلن لكل من دعاه للنزول عنده أن الاختيار أمر غيـبي لا يد له فيه (دعوها فإنها مأمورة) ، وعندما يكون الاختيار على هذا النحو فلن يثير شيئاً من الحساسية أو الشعور بتفضيل طرف على آخر، خاصة إذا أدركنا أن حروب السنوات الطويلة بين الأوس والخزرج التي هدأت لتوها مازال رمادها يغطي جمراً، ولا أدل على ذلك من محاولات اليهود الإيقاع بين القبيلتين ونجاحهم في ذلك لمدة وجيزة(18).
فالعامل النفسي خلفه الشعور بالرضا التام، والعامل الاجتماعي خلفه الاتفاق الكامل بين جميع القبائل وبطونها على الإقبال على المسجد النبوي الذي اختار موقعه رسول الله بإلهام رباني وعملهم فيه بحماسة ونشاط.
ثالثاً : الدلالة الجغرافية:
ترتبط الدلالة الثالثة بالجانب الجغرافي للمدينة آنئذٍ، فقد كان سكان المدينة يتوزعون في شبه دائرة تمتد من أطراف قباء إلى منطقة الجرف، وهذا يعني أن المنطقة التي صارت موقعاً للمسجد النبوي هي قلب تلك التجمعات، وهذا عامل جغرافي مهم يساعد على تجميع المسلمين في المسجد. 
رابعاً : الدلالة التشريعية :
الدلالة الرابعة تشريعية أرست قاعدة عظيمة من قواعد الملكية الفردية والملكية الجماعية، وما يسمى في عصرنا الحاضر أيضاً بحق الفرد وحق الجماعة، وأقامت توازناً دقيقاً في العلاقة بينهما: حق الفرد في حفظ ماله وصيانة ملكيته الخاصة، وحق الجماعة في الاستمــــلاك إذا كانت المصلحــــة تقتــــضي ذلك، على أن تدفع تعويضاً عادلاً لقاء ما استملكته.
فالمسجد ضرورة للجماعة، ولا بد له من أرض يقوم عليها، والأرض ملكية خاصة وحق من حقوق الأفراد، فلا بد أن يقابل هذا الحق بتعويض عادل هو الثمن الذي دفعه أبو بكر الصديق . وليس للجماعة أن تتجاوز هذا الحق ومن جوانب التشريع في هذا الحدث أيضاً إصراره على أن يشتري الأرض شراء ، وأن يدفع ثمنها؛ لأنها كانت ملكاً ليتيم أو يتيمين وعلى الرغم من أن الوصي على هذا اليتيم قدمها هبة، وعرض أن يعوض اليتيم من ماله. وليس أكثر من هذا دلالة على حفظ مال اليتيم حتى من شبهة  تهاون الوصي أو التنازل حياء واستحياء، أو عن رضا آنيٍّ لمن لم يبلغ مرحلة الأهلية الكاملة، فثمة رواية تقرر أن اليتيم مالك الأرض جاء إلى رسول الله ، وتنازل عن الأرض أو وهبها، لكن رسول الله أبى أن يأخذها منه إلا شراء(19) ؛ ولو أن رسول الله أخذ المربد دون ثمن لصار فعله قاعدة يستن بها، ولكنه أراد أن يسنّ قاعدة غير ذلك، قاعدة حماية حقوق اليتيم والقاصر. وثمة دلالة تشريعية أخرى تلفت النظر في هذا الحدث وفي حدث قريب سبقه عند وصولهe إلى قباء، هي: أهمية بناء المسجد وأولويته في تأسيس المجتمع المسلم وتنظيمه. فقد كان أول ما فعله رسول الله عند وصوله إلى قباء هو الشروع في بناء المسجد للمسلمين المقيمين فيها، وأول ما فعله عند وصوله إلى المدينة هو الشروع في بناء المسجد النبوي، فهذه الأولوية ذات دلالة قوية وكبيرة على أهمية المسجد وضرورة إقامته في أي تجمع سكاني للمسلمين في كل زمان ومكان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق