الأربعاء، 26 مارس 2014

بناء المسجد النبوي




بناء المسجد النبوي :
تذكر الروايات أن رسول الله (ص) عندما وجّه إلى بناء المسجد اجتمع عدد من الأنصار والمهاجرين، وقاموا بإعداد الأرض للبناء، فمهدوا سطحها ونبشوا القبور القديمة ، ونقلوا رممها ، ودفنوها في مكان آخر، وقطعوا أشجار النخيل المتفرقة، وأعدوا جذوعها لتكون أعمدة المسجد وسواريه(20)، وحفروا أساسه إلى عمق ثلاثة أذرع (1.5 م)، وبنوه بالحجارة حتى وصل إلى سطح الأرض ، ثم بنوا فوق الأرض باللبن الترابي(21).
ونجد في كتب الحديث الصحيح أخباراً عن اجتهاد الصحابة وحماستهم في العمل وهم يرون رسول الله بينهم يشاركهم فيه فيحمل اللبن على بطنه الشريفة، ويردد معهم أبياتاً ينشدها عبد الله بن رواحة(22) .
ونستنتج من المصادر القديمة والحديثة(23) أن مبنى المسجد كان على النحو الآتي:
مبنى من اللَّبِن الطيني مستقيم على الاتجاهات الأربعة، طوله 35 متراً وعرضه 30 متراً ، ترتفع جدرانه قرابة المترين عن الأرض، فيه ثلاثة أبواب: باب وسط جداره الجنوبي. وباب في الثلث الشمالي من الجدار الشرقي ، وباب يقابله في الجدار الغربي، وليس في الجدار الشمالي باب.
ولا يغطي السقف مساحـة المسجد كلهـا، فالرسوم التي وضعها بعض الدارسين المحدثين، تظهر ثلاثة صفوف من الأعمدة في الجهة الشمالية إلى منتصف المسجد تقريباً، في كل صف ستة أعمدة ، وهي التي كانت تحمل السقف الذي أنشئ من جريد النخل(24).
وهناك صف غير مكتمل في الجهة الجنوبية يظلل ((الصُفَّة)) التي كانت مأوى للفقراء والمساكين ومن لا بيت له. وهذا يعني أن أكثر من ثلث أرضية المسجد كانت ساحة مكشوفة لا يغطيها شيء(25). ولا شك أن وجود ساحة توفر الإضاءة والتهوية، وليس لدينا ما يشير إلى وجود نوافذ في الجدران.
كانت صفوف الصحابة تنتظم خلف رسول الله e باتجاه الشمال، حيث كانت القبلة إلى بيت المقدس، وظلت كذلك سبعة عشر شهراً في بعض الروايات(26) .
ولم يكن للمسجد محراب، وكان عليه الصلاة والسلام يقف في منتصف الجهة الشمالية، وإذا خطب استند إلى جذع قريب منه ما زال في موقعه عمود حجري حتى الآن يسمى (الأسطوانة المُخَلَّقة) (27). ولم يكن فيه آنئذ منبر، ولم يكن للمسجد مآذن، وعندما شُرِع الأذان كان بلال يصعد إلى سطح المسجد ، ويقف على جزء من العريش، وربما صعد إلى سطح منزل مجاور(28).
أما أرض المسجد فكانت ترابية على النحو الذي مهدت به عندما بدأ بناء المسجد، وظل كذلك حتى هطل مطر شديد، تسرب من السقف ، وملأ أرض المسجد، فجعل الرجل يملأ ثوبه من الحصى ويفرشه حيث يريد أن يصلي، فأعجب ذلك رسول الله واستحسنه، ففرشت الأرض من يومها بالحصباء، وهي رمل الأودية الخشن (29)  .

وقد استغرق بناء المسجد والحجرتين الملحقتين به على أغلب الروايات سبعة أشهر(30).
أما الصفّة فيصورها بعض المؤرخين والدارسين قديماً وحديثاً على أنها مرتفع ترابي بسيط في الجهة من المسجد (دكة) يمتد من الجهة الغربية إلى قرب الباب الجنوبي طولاً ، وتمتد عرضاً مسافة مترين ونصف، حيث تنتصب الأعمدة التي تحمل سقفاً من الجريد يغطي هذه المساحة(31).
وفي الجهة الجنوبية الشرقية أقيمت خارج المسجد حجرتان ملتصقتان بجداره، لكل منهما باب يفتح على المسجد، وكانت مسقوفة أيضاً بالجريد، وارتفاعها بارتفاع المسجد النبوي(32) 

إن المرء ليقف مشدوهاً أمام هذا الزهد والتقشف فعلى حين كانت بعض بيوت أهل المدينة كبيرة واسعة وبعضها من طابقين كان بيت رسول الله  على هذا النحو من الإعراض عن زخرف الدنيا والتواضع، وورد في بعض روايات السيرة النبوية أن الأنصار –رضي الله عنهم –جمعوا له المال ليبنيه ويزخرفه ، فأبى ورد المال وقال: عريش كعريش أخي موسى(33)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق