الجمعة، 28 مارس 2014

الأوزوريون جبانة أبيدوس العربة المدفونة



الأوزوريون
 الضريح الرمزي للملك "سيتى" (حيث أن مقبرة الملك "سيتى الأول" تقع في "وادي الملوك"). إن كلمة "الأوزوريون" تعنى "أوزيريس". ونتوقع أن تكون طريقة الدفن فيها هي الطريقة النموذجية التي يقوم المصريون بالدفن على مثالها. وهذه المقبرة السرية تخليد لذكرى المصير الجنائزي "لأوزيريس" بعد أن استعادت "إيزيس" جسد زوجها المنتفخ بفعل المياه، كما جاء في الأساطير.ولقد انبعث هذا الميلاد الجديد نتيجة للتخمر الذي يذكرنا بأن "أوزيريس" – رب الإنبات. وجدير بالذكر أن الحبوب توضع في وعاء على هيئة الجسد الإلهي لتنبت وتنمو.وحجرة الدفن رمز مصغر للكون، فهي مثل كتلة كثيفة من الزرع في وسط الخلاء. وهذا في اعتقاد أجدادنا يمثل النقطة الأساسية التي استخدمها الخالق لبث الحياة في الكون. وعموماً لقد بنى الملك "سيتى الأول" هذا البناء تحت جوف الأرض، ليكون قبراً رمزياً له. والمدخل يقع في الركن الشمالي الغربي ويؤدى إلى ممر ضيق منحدر طوله نحو أربعة عشر متراً. وقد زينت حوائطه الجانبية بالرسوم الدينية الخاصة بكل من الملكين "سيتى الأول" والملك "مرنبتاح" ابن "رمسيس الثاني". ويؤدى هذا الممر إلى حجرة مستطيلة الشكل تتصل بدورها بحجرة أخرى صغيرة. ويتفرع من وسط الحجرة الوسطي ممر ضيق قصير يتجه إلى الشرق، ويؤدى إلى قاعة مستطيلة الشكل في وسط جدارها الشرقي منفذ يؤدى إلى قاعة وسطى تُعد قلب هذا المبنى الغريب.وتحتوى هذه القاعة العظيمة في الوسط على جزيرة، تحيط بها قناة، ويحيط بكل القاعة إفريز عرضه ستون سنتيمتراً، يقطعه في جهته الشرقية والغربية دعامات يرتكز عليها العقد، ويفتح في هذا الإفريز سبع عشرة حجرة صغيرة مريعة الشكل.وقد شُيدت تلك الجزيرة التي تتوسط القاعة من الحجر الرملي. وأُقيم عليها أعمدة من الجرانيت ذات اللون القرنفلي، يرتكز عليها سقف القاعة. وبين هذه الأعمدة تم وضع تابوت الملك، وصندوق أحشائه.
وينتهي الضريح بحجرة واسعة مستطيلة، سقفها مقبب، وتكاد تشبه التابوت. وقد زُين سقفها بنقوش من عهد "سيتى" تمثل إلهة السماوات، يرفعها الإله "شو" رب الهواء، وقد أحاطت الإلهة "نوت" إلهة السماوات الملك بذراعيها
   معبد رمسيس الثاني
وإلى الشمال من معبد "سيتى الأول" نجد معبد الملك "رمسيس الثاني"، وهو المعبد الذي أعده أيضاً لعبادة الإله "أوزيريس". وللأسف تأثر هذا المعبد كثيراً نتيجة عدم الصيانة في الزمن الماضي. ويتراوح ارتفاع بعض حوائطه القائمة بين متر ونصف ومتر وثمانين سنتيمتراً.ويبدو من بقايا هذا المعبد أنه مكوَّن من فناء خارجي مزين بالأعمدة ذات التماثيل الأوزيرية، ثم توجد شُرفة يتبعها صالتان للأعمدة، ومن خلفهما قدس الأقداس (المحراب) الذي يحيط به عدة حجرات أخرى. وقدس الأقداس تم تشييده بأحسن أنواع الأحجار، فحوائطه من الحجر الجيري الجيد، وبراويز أبوابه من الجرانيت الأسود والأحمر، أما أعمدته فمن الحجر الرملي، كما أن محاريبه مصنوعة من المرمرأما نقوش حوائطه فإنها تُضارع نقوش الملك "سيتى" في معبده. وهى في الداخل مرسومة بالحفر البارز، وتمثل مناظر تقديم القرابين. أما من خارج المعبد فهي نقوش بالحفر الغائر إلى الداخل، وتمثل بعض حروب الملك "رمسيس" في آسيا. وهذا المعبد يعتبر من أروع ما شيده الملك "رمسيس الثاني
العرابة المدفونة
تضم "قائمة العرَّابة" المشهورة في معبد الملك "سيتى" أسماء الملوك المصريين. وكلمة "العرابة" هذه سببها أن القرية التي تشرف على منطقة معبد "أبيدوس" الأثرية اسمها "قرية العرَّابة المدفونة
والمنطقة تُعتبر واحدة من أهم المناطق الأثرية في مصر والعالم، وذلك لمركزها الديني والتاريخي في عصور مصر القديمة فهي تحوى مقابر ملوك مصر الأوائل في عهد الأسرتين الأولى والثانية، وبها آثار من الأسرة التاسعة عشرة ولقد اعتبرت أراضى هذه المنطقة مقدسة في نظر المصريين القدماء، حيث كان لها مكانة دينية سامية في عقيدة الفراعنة، وذلك بفضل صلتها بمعبود الشعب القديم الإله "أوزيريس" وقد كان الفراعنة يعتقدون في الماضي أن رأس هذا الإله قد دُفنت في هذه المنطقة، بل إن بعضهم كان يعتقد أن جسده كله قد دفن فيها .. ونذكر أيضاً أن الملك "مينا" الذي قام بتوحيد القطرين كان من الصعيد أو الوجه القبلي، وأنه هو وملوك أسرته، وملوك الأسرة الثانية قد فضلوا أن يُدفنوا في الوجه القبلي الذي أتوا منه.
أسطورة أوزير و أيسة :
 أما حكاية "أوزير" و"أيسة"، و"حور" و"ست" فسنذكرها في السطور التالية. لكن علينا أن نذكر أولاً أن الجميع الآن ينطق الأسماء بالطريقة الإغريقية القديمة ("أوزيريس" و"إيزيس" و"حورس"). والحكاية رغم أنها قديمة جداً فإنها لم تسجل إلا في "متون أو نصوص الأهرام.إن أبطال هذه الحكاية أربعة هم: زوج وزوجة، وولد وعم، وقد اختلفت الطباع والعواطف ما بين صلاح ووفاء، وحسد وانتقام
فقد كان كل من "أوزير" و"إيسة" أخوين وزوجين في وقت واحد، بينما كان كل من "ست" و"بنت حت" - "نفتيس" زوجين آخرين. وأصبح "أوزير" ملكاً على البشر يحكم بينهم ويهديهم إلى الصلاح. وشعر أخوه "ست" بالغيرة والحسد. وتوجد عدة روايات توضح كيفية تآمر واحتيال "ست" زعيم الشر ضد أخيه "أوزير" زعيم الخير. ومن هذه الروايات أن "ست" دبَّر مكيدة مُحكمة، واستطاع أن يضع "أوزير" حياً في صندوق مغلق، ثم رمى به في البحر.وحكى البعض أنه أغرقه قرب "منف"، وحكى آخرون أنها "عين شمس". لكن المهم أن "إيسة" ظلت وفية لزوجها، فداومت البحث عن بدنه حتى عثرت عليه، واستطاعت بعد مجهود عظيم أن تُعيد جثة زوجها إلى أرض مصر، وأن ترد الحياة إليه لفترة من الوقت بقوتها وسحرها.ولقد حطَّت عليه كما يحط الطائر، فحملت منه حملاً ربانياً، ووضعت منه طفلها "حور". وقامت بتربية ابنها سراً في مستنقعات الدلتا وبين الأحراش. وعاونتها عدة كائنات – فأرضعته بقرة، وقامت برعايته معها سبع عقارب. المهم أن "ست" رمز الشر لم يعجبه بالطبع عودة أخيه إلى الحياة فقتله من جديد، وقطع جسده إلى أربعين قطعة، ودفن كل جزء منها في إحدى المقاطعات التي كان ينقسم إليها إقليم مصر. وكان الرأس من نصيب مقاطعة "أبيدوس"، وكانت تمثل المقاطعة العاشرة من مقاطعات الصعيد.وحزنت "أيسة" حزناً بالغاً لقتل زوجها، ولكنها استطاعت بمساعدة بعض الآلهة أن تجمع أجزاء "أوزير"، وأن تعيد إليه الحياة مرة أخرى، ولكن إلى وقت بسيط وكبر "حور" بسرعة مثل أبناء الأساطير، وتعاونت "إيسة" مع "بنت حت" (نفتيس) وهى أختها وزوجة "ست" في الوقت نفسه، على إقامة مناحة على "أوزير" الشهيد، حتى يثيروا الحلفاء من أجل الثأر. وخرجوا يتمايلون ويدقون على صدورهم، ويضغطون على أذرعهم، ويشدون شعورهم من الغيظ والحزن، وجعلوا "حور" زعيمهم وسموه المنتقم لأبيه. وبعد صراع مرير، تم العرض على الحكماء وأصحاب القضاء في "عين شمس" أو "منف". وقد أقام "حور" الدعوى باسم أبيه، وأدان القضاء "ست"، واعتبروا "أوزير" بريئاً من تهمة البدء بالعدوان التي حاول "ست" إلصاقها به. وهنا تأبطت "إيسة" و"بنت حت" ذراعي أخيهما "أوزير"، وخرجتا معه.ولما انتصر الخير على الشر أصبحت الدنيا بلا غاية بالنسبة "لأوزير"، وفضل أن ينتقل إلى أسفل الأرض حيث عالم الموتى، وأن يمارس سلطانه على ملكوت الموتى. وعاود نشاطه فاستمر يدفع الماء من تحت الأرض، ويدفع الخصب إلى التربة، وينمى الحب فيصبح زرعاً، فهو النبت الأخضر في مواسم النبات، وهو الماء الدافق في مواسم الفيضان.لقد كانت حكاية "أوزير" و"إيسة" مؤثرة في حياة المصريين، وأصبحت تضاف إليها تفاصيل مختلفة ودقيقة .. وكانت تمثل في كل عام، وخاصة وقت الاحتفال بالإله "أوزير". ولقد اعتبرت منطقة "أبيدوس" مكان عبادة "أوزير"، كما أنها كانت أكبر عواصم الدين والسياسة في مصر القديمة ويقال أن ملوك الأسرتين الأولى والثانية يرجعون في أصلهم إلى مدينة "طيبة" التي تقع قريباً جداً من منطقة "أبيدوس". ومنها وجهوا جيوشهم نحو الشمال لفتح أقاليم الدلتاأما ملوك الدولة الوسطى فقد زاد اهتمامهم بهذه المنطقة، ونظموا فيها الاحتفال بأعياد الإله "أوزير". وعلى ذلك كثرت زيارات الشعب للحج في تلك المنطقة، وكثرت مخلفاتهم التي تركوها من الأواني وشواهد موجودة هنا وهناك في "أبيدوس.وكان كثير منهم يحجون بجثث موتاهم إلى المدينة حيث يطوفون بها حول قبر "أوزير"، وكذلك كانوا يفدون بكثرة على تلك المدينة في أيام احتفالات ذكرى ذلك الشهيد الأسطوري.وكان الاحتفال بـ"أوزير" يقوم به كهنة معبده في المدينة، فيمثلون قصته الرائعة على مسرح المعبد أمام الشعب، ويصورون مصرعه وبعثه وانتصاره في النهاية، وفوزه بحقه المغتصب. وكان الشعب يُهلل لذلك الانتصار، وينصرف سعيداً بانتصار الحق وهزيمة الشر.
 محكمة الآخرة
لقد تخيل الفراعنة أن "أوزيريس" قد أصبح سلطان الآخرة، وصاحب القضاء في العالم الآخر الذي يذهب كل الأموات إلى محكمته. ويوجد في المحكمة معه اثنان وأربعون قاضياً يمثلون أقاليم مصر المعروفة، ويقفون حولهمحاكمة الموتى - بردية جنائزية من "طيبة" ترجع لحوالى عام 1025 ق.م ويظهر فيها الإله "أنوبيس" وهو يزن قلب الميت بميزان العدالة، بينما الإله "أوزوريس" إله الموتى (على اليمين) يتابع المحاكمة وفى المحكمة يقوم الميت بالدفاع عن نفسه محاولاً تبرئة نفسه من الذنوب الكبيرة. وإذا أتم دفاعه، يتم وزن قلبه في ميزان العدل بالريشة. حيث ينبغي أن يكون وزن قلبه أخف من وزن الريشة. وتدل براءة الميت على القيم الخُلقية التي كان أجدادنا يتصفون بها. فكانوا يعتبرون القتل والسرقة، وأكل مال اليتيم والقاصر، والكذب والخداع، وشهادة الزور وكتمان الحق ، والزنا ، ونقل حدود الأرض، وانتهاك حرمات الأموات .. كل ذلك يُعد من كبائر الإثم.وكان على الإنسان أن يتحلى بالفضائل وطيب الخُلق، حتى يجد سبيل الدخول إلى جنة "أوزير". وعلى ذلك كان كثير من الأجداد والأبناء يحرصون على أن يذكروا في مقابرهم أنهم لم يقوموا بإيذاء أحد، وأنهم أعطوا العمال حقوقهم، ولم يقوموا بظلم أحد على الإطلاق
جبانة أبيدوس
في البقعة التي تقع حول معبدي "الأوزاريون" و"رمسيس الثاني"، توجد مقابر للدولة الحديثة. وإذا نظر الناظر شمالاً وراء تلك المنطقة، سيجد مرتفعاً من الأرض يحوى كثيراً من مقابر الدولة القديمة. وإذا تابع السير في نفس الاتجاه، وتوغل قليلاً، سوف يجد المكان الذي كان مخصصاً لمقابر الدولة الوسطى وآثارها. ومازالت بقايا تلك القلعة العظيمة التي شُيدت في أوائل عصر الدولة الوسطى قائمة، وتُعرف عند الأهالي باسم "شونة الزبيب"، ويبلغ ارتفاع حوائطها التي لا تزال قائمة حوالى 12 متراً، كما تبلغ مساحتها 120 × 60 = 7200 متر مربع.ومقابر الدولة الوسطى التي وُجِدَت في هذه المنطقة بُنيت على شكل هرمي من الطوب النيئ. وعلى حواف هذه المنطقة وجدت بعض المقابر التي يرجع تاريخها إلى الدولة الحديثة. وبالتحديد الأسرات 18، 19، 20، كما يوجد بعض مقابر العصر المتأخر.وعلى بعد عدة مئات من الأمتار، وفى الاتجاه الشمالي الشرقي من "شونة الزبيب"، وبالقرب من قرية هناك اسمها "الخربة"، تقع بقايا مدينة "طيبة" القديمة، مهد ملوك مصر الأوائل، وكذلك بقايا معبد "أوزير" الذي يسميه الأهالي الآن بـ"كوم السلطان" والذي يرجع إلى بدء التاريخ المصري.وخلف كل هذا، وعلى مسافة 20 دقيقة من الجنوب الغربي لمعبد "رمسيس الثاني" تقع أهم بقعة في هذه الجبانة من الناحية التاريخية، لأنها تحوى مقابر ملوك مصر الأوائل من الأسرتين الأولى والثانية.وهناك يمكن مشاهدة الكثير من بقايا الأواني الفخارية الحمراء التي كانت تحتوى على الطعام والشراب. وكانت توضع فوق مقبرة الإله "أوزير" بمعرفة بعض المتعبدين الأطهار في العصور المتأخرة لأغراض جنائزية. وقد بلغ من كثرتها أن أصبحت أكواماً بعضها فوق بعض، حتى أنها سُميت الآن باسم "تل أم العقابوأهم المقابر الموجودة في تلك المنطقة هي مقبرة الملك "مينا" - "نارمر"، و"عَحا"، و"زِر"ْ، وهذه المقبرة كانت مشكلة لدى قدماء المصريين، لأن كثيراً منهم حسبها مقبرة "أوزير". يلي ذلك مقبرة "خاس"، وهى المقبرة التي صُنعت أرضيتها من الجرانيت، وكذلك مقبرة الملك "كاسخمو" التي تعتبر حجرتها الوسطى المصنوعة من الحجر من أقدم المباني الحجرية في العالم. وقد سُدت هذه المقابر بالأحجار لحفظها من التلف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق