الأحد، 23 مارس 2014

الرد على من يرفض تولية المراة القضاء من القران والسنة واالجماع



الرد على من يرفض تولية المراة القضاء
سوف أقتصر إلى فتوى الأستاذ الدكتور الشيخ علي القره داغي[1] للرد على أدِلَّة أصحاب المَذْهب الأول ولن أتطرق إلى بقية المذاهب، لأن ضمنياً الرد يشملهم جميعاً.
الدليل الأول: القرآن الكريم
استدلوا بقوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا" [النساء:34]

وجه الدلالة: الآية الكريمة أفادتْ حصر القِوامة في الرِّجال دون النساء، واستفدنا الحصر من تعريف
الرِّجال بلام الجنس؛ إذ إن لام الجنس إذا دخلتْ على المبتدأ قصرته على الخبر، كما تقول: الخطيب فلان، وهذا الحصر يسمى حصرًا إضافيًّا؛ أي: بالنسبة للنساء، ويستفاد مِن هذا الحصر أنَّ الله سبحانه وتعالى جَعَل الرِّجال قوامين على النساء ولا عكس، فعلى هذا لا تَصِحُّ ولاية المرأة القضاء؛ لأن في قضائها قوامة على الرجال، وهذا مما يَتَعَارَض مع الآية الكريمة.
الرد: إن قوله تعالى " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ " لا يدل بنصه على منع المرأة من تولي القضاء مطلقا إذا توافرت فيها الشروط المطلوبة، وذلك لان هذه الآية تتحدث عن تنظيم البيت المسلم والأسرة، حيث يقودها الزوج الذي ينفق، والذي أعطاه الله تعالى القدرة على إدارة البيت، فهو له دوره، والزوجة لها دورها في البيت، واختلاف الأدوار هو اختلاف تنوع وتكامل وليس اختلاف تضاد وتعارض، فسياق الآية ومضمونها حول توزيع الأدوار بين الزوج والزوجة.
فالآية ليست عامة لجميع الأحوال والظروف ، وأن لفظ الرجال ليس عاما يقصد به جميع أفراد الرجال في جميع الأحوال، بل يمكن أن يكون التعريف للعهد أو الجنس، وليس للاستغراق، وحتى لو كان للعموم وحينئذ يقال : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب،  نقول إن المحققين من الأصوليين نصوا على أن العموم يخصص بالقرائن، حيث جاء في البحر المحيط للزركشي: "قال الشيخ تقي الدين في شرح الإلمام: نص بعض كبار الأصوليين على أن العموم يخصص بالقرائن" والقرائن هنا كثيرة منها تتمة الآية " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ..."
ومنها أنه لو سرنا على العموم، فهل للرجل الأجنبي قوامة على المرأة غير زوجته، وهل ينفق عليها وهل يؤدبها؟ وهل.....؟ فالقوامة هنا هي الولاية داخل البيت، وهي ولاية الإدارة وولاية قائمة على التشاور والتراض بنص آية أخرى يتحدث عن موضوع فصال الطفل مبينا أنه لابد فيه من التشاور قال تعالى" فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا..." [البقرة:233] فإذا كان فطام الولد لا ينبغي إلا بعد تراض وتشاور بين الزوجين فكيف بالأمور الأكبر منه؟.

الدليل الثاني: السُّنَّة الشَّريفة:  
استدل الجمهور منَ السُّنَّة الشَّريفة بدليلينِ:
أ- عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: "لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله r أيام الجمل، بعدما كدتُ أن ألحق بأصحاب الجمل، فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله r أن أهل فارس مَلَّكوا عليهم بنت كسرى، قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)[2].

وجْه الدلالة: هذا الحديث ظاهِر في مَنْع المرأة مِن تولِّي القضاء؛ حيث أخبر النبي r بعدم الفلاح لِمَن يُوَليها، وهذا التعبير من قبيل الخبر بمعنى الإنشاء؛ أي: هو خبري لفظاً، إنشائي معنى، وحتى لو قلنا بأن هذا الكلام خبر حقيقة، فإنه إخبار بعدم الفلاح لمن يقوم بهذا الفعل، وعدم الفلاح ضَرر، والضرر منهيٌّ عنه شرعًا، وهذا الضرر متمَثِّل في تولية المرأة الولايات العامَّة، فتكون هذه التولية غير جائزة.

والأقرب أنَّ هذه الجملة مِن حيث المعنى إنشاء يَنْهَى به الرسول
r عما يؤدي إلى عدم الفلاح، وهو تولية المرأة الولايات العامة؛ إذ إن كلمة (أمرهم) مفرد مضاف إلى معرفة، وهو صيغة من صيغ العموم، تدل على أن المراد جميع الأمور والشؤون، فتكون شاملة للقضاء وسائر الولايات الأخرى، حتى ولو كانت ولايات خاصة؛ لكن الإجماع قام على استثناء الولايات الخاصة كالوصاية على اليتامى، والولاية الأسرية فجاز إسنادها للمرأة، وتبقى الولايات العامة على عموم الدليل وهو المنع، فتكون المرأة ممنوعة منَ الولايات العامة ومنها القضاء، دون الولايات الخاصة.

الرد: إن الحديث الذي ذكروه لا شك أنه صحيح، ولكن ظاهره هو في الولاية العظمى والإمامة الكبرى أي خليفة المسلمين، مع ملاحظة أن الرئاسة اليوم ليست فردية في الدول الديمقراطية، بل هي جماعية، موزعة على فصل السلطات.
ب - عن بُرَيْدة بن الحصيب يرفعه: (القضاء ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة، فرجل عَرَف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار)[3].

وجه الدلالة: ووجه الدلالة منَ الحديث أنَّه نصَّ على كون القاضي رجلاً، فيدل الحديث بمفهومه المخالف على خروج المرأة، وعدم صلاحيتها للقضاء.
الرد:
1.     أن هذا الاستدلال من قبيل الاستدلال بمفهوم المخالفة، ومفهوم المخالفة ليس دليلاً متفقًا عليه عند جميع العلماء، فلا يستدل به لمذهب على مذهب. واستدل ابن حزم ومن معه أن الآيات الكريمة، والسنة النبوية أثبتت ولاية المسلمين والمسلمات بعضهم لبعض، وأن الأصل هو المساواة بينهما إلا ما دل دليل خاص على استثناء المرأة ولم يثبت إلا في الإمامة العظمى.
2.     أن تخصيص الرجل بالذِّكر، لا يفيد منع المرأة مِن تولي القضاء؛ لأنه قد جيء به لبيان الغالب، لا للتخصيص، ولأن خطابات الشارع، سواء خوطب بها الرجال، أو خوطب به النساء، فإن الجميع مخاطب بها؛ إلا إذا وجد قرينة تمنع دخول غير المذكور في الحكم، فيختص به، ولا قرينة هنا تمنع من دخول النساء، فالحديث عام في الرجال والنساء معًا، والحديث الذي معنا غاية ما يفيد - كما قال في "عون المعبود" - أنه لا ينجو من النار من القضاة إلا مَن عرَف الحق وعمِل به، فإن من عرف الحق ولم يعمل به، فهو ومَن حَكَمَ بجهلٍ سواء في النار،[4] فلا يصلح الحديث للاحتجاج على عدم جواز تولية المرأة.
لا يوجد فعلا دليل قطعي الدلالة، والثبوت، ولا قطعي الدلالة على اشتراط الذكورة في القضاء، وبالتالي فيبقى الأمر على أصل الإباحة، لأن القضاء ليس من العبادات الشعائرية التي يشترط فيها وجود نص للإثبات، وإنما هي من الأشياء التي تعتبر معقولة المعاني وتقبل التعليل.

الدليل الثالث: الإجماع:
قالوا بأن الإجماع على مَنْع المرأة مِن تولِّي القضاء قائم قبل ظهور الخلاف، فلا يُعتد بمخالفة مَن خالف؛ لأنه قول من غير دليل، ومخالفته تعتبر خرقًا للإجماع فلا تُقبل، خاصة إذا ظهر هذا الرأي بعد عصر المجمعين.

الدليل الرابع: القياس: 
قالوا: إنَّ المرأة ممنوعة مِن توِّلي رئاسة الدولة بالإجماع؛ استناداً إلى حديث: (لن يُفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، فيُقاس عليها القضاء، بجامع أنَّ كلاًّ منهما ولاية عامة، فتكون المرأة ممنوعة مِن تولي القضاء، كما أنها ممنوعة مِن تولي رئاسة الدولة، والسبب في ذلك ضعف المرأة ونقصانها الطبيعي عنِ الرجل بسبب ما يعتريها منَ الأمور الخاصة بالنساء.  
الرد: إن قياس القضاء على الإمامة العظمى قياس مع الفارق، فشتان بين المنصبين وأن الفروق الجوهرية بينهما ظاهرة للعيان. لا مناسبة بين الولايتين من حيث السلطة والصلاحيات.

دليل آخر: إنَّ مجلس القضاء يجب فيه على القاضي أن يحضرَ محافل الخصوم، ومخالَطة الرجال، والمرأةُ ممنوعة من ذلك، ومأمورة بالتَّخدر، فهي ليست أهلاً لحضور مثل هذه المحافل، والقضاء لا يكون إلاَّ بِحُضورها، فيؤدِّي إلى منعها منَ القضاء[5].
الرد: على قول عدم إمكان البروز منها محافل الرجال ومخالطتهن خوفاً من الإفتتان بها في الوقت الذي يتطلب القضاء مثل المحذور فذلك ليس بمقنع أيضاً بدليل مشاركة النساء و مخالطتهن الرجال في منابع العلم وفي دور العبادة وفي سوح الوغى لإسعاف المقاتلين وتحميهم وفي التجارة في الأسواق فما الفرق بين هذا وبين القضاء، والقضاء أكثر حرمة من التجارة ، ومجالسة القضاء لا تقل هيبة من مجالس التعليم  .

دليل آخر: لو جاز تولية المرأة القضاء، لَفَعَلَه رسول الله
r أو أصحابه - رضوان الله عليهم - من بعده؛ ولكنه لم يثبتْ توليتها هذا المنصب في تلك العصور وما بعدها، ولم ينقل أن رسول الله r وَلاَّها القضاء، أو ولاية بلد منَ البُلدان، ولا نقل ذلك عنْ أحد منَ الخلفاء الراشدين، ولا عمَّن بعدهم، فثبت: أنه لا يجوز تولية المرأة القضاء.

دليل آخر: القضاء يحتاج إلى كمال الرأي، والفطنة، وتمام العقل، وهذا غير مُتَحَقِّق في المرأة على سبيل الكمال؛ وقد نَبَّه الله - سبحانه - إلى نسيان النساء بقوله - تعالى -: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}[البقرة: 282].

فالغالب في النساء أنهنَّ مُعَرَّضات للنِّسيان، وإن كان بعضهنَّ شديدات الذَّكاء، بحيث يفوق بعض الرجال، ولكن النادر لا حُكم له، وينسب بعض الباحثين السبب في هذا إلى ما يعتري المرأة من الأمور الخاصة بالنساء، وهي في غالب الظن مما يؤثر على الملكة العقليَّة؛ كالحمل، والولادة، وما يصاحبها من آلام ومشقَّة وحمل هموم الصغار، ومرضها الشهري، وما يغلب عليها منَ العاطفة وشدتها، مما يمكن أن يشوش على العقل؛ حتى ولو كان حاد الذكاء، شديد الفطنة، فيؤثِّر هذا على كمال قدراتها العقلية، حين الالتجاء إلى الملكة العقليَّة في حل المستعصي منَ المشكلات، والعويص منَ القضايا[6].

الرد: إن القضاء اليوم أيضا ليس قضاء شخص واحد، ولا لدرجة واحدة، فالدرجات ثلاث هي المحكمة الابتدائية، والاستئناف، والتمييز(النقض) ثم أن كل محكمة لا يحكم فيها قاض واحد وإنما تتكون من ثلاثة أشخاص على الأقل، ويصدر القرار بالإجماع، أو الغالبية، إذن لو وجدت امرأة حتى لو كانت رئيسة فليس القرار قرارها وحدها، وإنما هو قرار اثنين أو أكثر، والأهم من ذلك هو أن القرار لا يأخذ طابع البت، ولا ينتهي إلى الحسم والقطع إلا بعد إقرار محكمة التمييز (النقض)، ولا يعقل أن يكون القضاة في كل هذه الدرجات الثلاث من النساء القاضيات جميعا؟
ولذلك يكون من الأفضل أن يتشكل الأعضاء من الرجال والنساء، ولا سيما في مسائل الحدود والدماء، وإذا تمحضت المحكمة الابتدائية من النساء فقط فينبغي أن تحول إلى المحكمة التالية التي لا تتمحض من النساء.
ويمكن أن نستغني عن كل ذلك بشرط واحد، وهو أن تتكون محكمة التمييز(النقض) الخاصة بالحدود والدماء من الرجال والنساء، وبالتالي لم يتمحض القرار الصادر حول الموضوع قرارا لقاضية، وإنما لقضاة بينهم النساء والرجال وبذلك حققنا ما ذهب إليه الحنفية، وابن القاسم من المالكية.


[1] www.islamonline.net
[2] الراوي: أبو بكرة نفيع بن الحارث المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4425 خلاصة الدرجة: [صحيح]
[3] الراوي: بريدة بن الحصيب الأسلمي المحدث: ابن كثير - المصدر: إرشاد الفقيه - الصفحة أو الرقم: 2/390 خلاصة الدرجة: إسناده جيد
[4] "عون المعبود شرح سنن أبي داود"، 9/ 488
[5] "فتح الباري" 13/147، و"نهاية المحتاج".
[6] "النظام القضائي" د/ محمد رأفت عثمان ص141.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق