الخميس، 20 مارس 2014

ثقافة الجاحظ وشيوخه


-ثقافة الجاحظ وشيوخه:
التحق الجاحظ في حداثة سنة بأحد كتاتيب البصرة حيث أجاد القراءة والكتابة، كما كان يتردد على المساجد ويحرص على حضور مجالس العلم حرص العابد المتحنث على أداء صلواته، و"بدافع الرغبة في العلم، والطموح إلي مستقبل كريم بسببه والتعويض عن اليتم الذي هاض جناحه، أقبل الطفل الصغير بكل قلبه وجوارحه على العلم والدرس والقراءة، موفور الموهبة، تام الملكة، وأخذ يتردد على حلقات العلم في مسجد البصرة الجامع، ويتلقى الفصاحة شفاهاً على العرب في المربد ويستمع من القصاص إلي أحداث الفتوح وسير الغزاة وأطوار الزهاد والناسكين". لم يكد يشتد عوده وتظهر عليه غلواء الشباب حتى بانت عليه دلائل النبوغ وعلامات الفطنة، ولقد تتلمذ الجاحظ على يد أساتذة أجلاء كانوا غرة دهرهم، وآية عصرهم على شاكلة"الأصمعي الذي كان يحفظ ثلث اللغة، وأبو عبيدة معمر بن المثنى الذي لم يكن في الأرض خارجي ولا جمّاعي أعلم بجميع العلوم منه، وأبو زيد الأنصاري الذي قيل عنه وعن سابقيه إن هولاء الثلاثة كانوا-في عصرهم-أئمة الناس في اللغة، والشعر، وعلوم العرب، لم ير قبلهم ولا بعدهم مثلهم، عنهم أخذ جُلُّ ما في أيدي الناس من هذا العلم بل كله. كما تتلمذ الجاحظ على يد الأخفش أبو الحسن سعيد بن مسعد المجاشي الذي كان أعلم الناس بالنحو والصرف، وصالح بن جناح اللخمي الذي أدرك التابعين وكلامه مستفاد في الحكمة، وأبو إسحاق إبراهيم بن سيار البلخي ا المشهور ((بالنظام)) أحد أبرز أئمة المعتزلة والذي الذي نهل منه علوم الكلام، وكان في جملة ما يحفظه الإنجيل والتوراة والزبور وتفسيرها، عدا الشعر والأدب والغريب".
ومن أساتذة الجاحظ أيضاً موسى بن سيار الأسواري الذي قال عنه الجاحظ:"إنه كان من أعاجيب الدنيا، وكانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية وكان يجلس في مجلسه المشهور به، فييقعد العرب عن يمينه، والفرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله، ويفسرها للعرب بالعربية ثمّ يحول وجهه إلي الفرس فيفسرها لهم بالفارسية، فلا يدري بأي لسان هو أبين، واللغتان إذا التقتا في اللسان الواحد أدخلت كل واحدة منهما الضيم على صاحبتها إلا ما ذكروا من لسان موسى بن سيار الاسواري ولم يكن في هذه الأمة بعد أبي موسى الأشعري أقرا في محراب من موسى بن سيار". ولم يقتصر الجاحظ على هؤلاء فقط، بل كان يتردد على "ندوات الشعر ومجالس الأدباء، يأخذ عنهم، ويجالسهم، ويناقشهم في البلاغة والأدب والشعر واللغة وك ضروب المعرفة، تساعده على ذلك موهبته الأصلية، وحافظته القوية، وذكاؤه المتوقد، وأمده طموحه وفقره بالمثابرة والقوة والتحصيل، كما كان للأحداث في عصره، وتطور الحياة والحضارة، ولحركة الترجمة أثر في ثقافته وعقليته". كما كان للجاحظ منبع آخر تلمس فيه طريقه إلي العلم الذي بلغ ذروته حتى هتف باسمه كل أديب، وترنم بحرفه كل فنان، كان الجاحظ راسخ القدم في القراءة، عالي المنزلة في الاطلاع الأمر الذي هيأ له أن يقرأ كل كتاب وقع في يده من أوله إلي آخره، "ومنبع آخر من ثقافته، يستخدمه الجاحظ أحسن استخدام وأدقه وأوسعه، ولا أعلم له في ذلك نظيراً ممن قبله أو عاصره،ذلك أنه انغمس في الحياة الواقعية، واستفاد منها ما أمكنه، وجعل منها موضوعات لأدبه".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق