السبت، 1 مارس 2014

عذاب القبر



عذاب القبر

ومن أصناف العذاب الأدنى عذاب القبر، وعذاب القبر قد يعم الأمة كلها، كما في قوله تعالى:)وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ(([1])، وقد يتناول أصنافا من الناس وقعوا في معصية واحدة، فتماثلت عقوبتهم في حياتهم البرزخية، فمن ذلك ما رواه البخاري رحمه الله عن سمرة بن جندب t قال: كان رسول الله -  يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه - :( هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ قال: فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى، قال: قلت لهما سبحان الله! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق... ([2]) إلى آخر الحديث، وذكر فيه الرسول  أنواعا من المعاصي وعقوباتها في الحياة البرزخية، فمن ذلك: الذي يأخذ القرآن ويرفضه، وترك الصلاة، وأكل الربا، والكذب الذي يبلغ الآفاق، والزنى. وجاء في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن من الذنوب التي يعذب أصحابها في قبورهم النميمة، وعدم التنزه من البول، إلى آخر ما جاء في الأحاديث التي تذكر عذاب القبر، وقد ذكرت فيما مضى شيئا من أنواع المعاصي، فلا موجب للتكرار.
وسئل شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله عن أسباب عذاب القبر فقال:(المسألة التاسعة: وهي قول السائل ما الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور؟ جوابها من وجهين: مجمل، ومفصل، أما المجمل فإنهم يعذبون على جهلهم بالله، وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم لمعاصيه، فلا يعذب الله روحا عرفته وأحبته وامتثلت أمره، واجتنبت نهيه، ولا بَدَنا كانت فيه أبدا؛ فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة أثر غضب الله وسخطه على عبده، فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار، ثم لم يتب، ومات على ذلك؛ كان له من  عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه، فمستقل ومستكثر، ومصدق ومكذب. ثم ذكر الجواب المفصل، وفصل فيه أنواع الذنوب، ثم قال: فكل هؤلاء وأمثالهم يعذبون في قبورهم بهذه الجرائم بحسب كثرتها وقلتها، وصغيرها وكبيرها، ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين، والفائز منهم قليل، فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات وعذاب، ظواهرها بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والبليات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور)([3])


([1] ) سورة غافر الآيتان 45-46.
([2] ) صحيح البخاري ح6640، 6/2585 .
([3] ) الروح لابن القيم 1/77 - 79 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق