السبت، 1 مارس 2014

ما الفرق بين الابتلاء للمؤمنين والعذاب للمعاندين



ما الفرق بين الابتلاء للمؤمنين والعذاب للمعاندين؟.
ينبغي أن يُعلمَ أن الدنيا دار كبد وبلاء، قال تعالى:) لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (([1]). وقال سبحانه وتعالى:) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً(([2]). وقال سبحانه وتعالى:) وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ( ([3])  وأخرج أبو جعفر ابن جرير الطبري بسنده  عن عبد الله بن عمر عن النبي e أنه تلا هذه الآية: )لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً( قال:( أيكم أحسن عقلا، وأورع عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله).([4]) فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق ليعبدوه؛ وابتلاهم بالحسنات والسيئات، بالخير والشر؛ لينظر أيهم أحسن عملا، فمن أحسن فله الحسنى وزيادة، ومن أساء فله السوء بما قدمت يداه، وقد يبتلي الله الصالحين بالبلاء؛ رفعة لدرجاتهم، وتمحيصا لسيئاتهم، وليقتدي فيهم غيرهم، بالصبر والشكر على أقدار الله، قال تعالى:) الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(([5]). وأخرج الحاكم في المستدرك عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: سألت رسول الله e من أشد الناس بلاء؟ قال:(النبيون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، إن كان صلب الدين اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة، ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء على العبد حتى يدعه يمشي على الأرض ليس عليه خطيئة).([6])
 وبوّب البخاري رحمه الله في صحيحه بقوله: باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأول فالأول، وأورد فيه حديث عبد الله قال: دخلت على رسول الله e - وهو يوعك - فقلت يا رسول الله! إنك لتوعك وعكا شديدا؟! قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت: ذلك بأن لك أجرين، قال: أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى - شوكة فما فوقها - إلا كفّر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها).([7])  
قال ابن حجر رحمه الله: ( ووجه دلالة حديث الباب على الترجمة من جهة قياس الأنبياء على نبينا محمد e، وإلحاق الأولياء بهم لقربهم منهم، وإن كانت درجتهم منحطة عنهم، والسر فيه أن البلاء في مقابلة النعمة، فمن كانت نعمة الله عليه أكثر كان بلاؤه أشد، ومن ثم ضوعف حد الحُرِّ على العبد، وقيل لأمهات المؤمنين: )يَانِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ(.([8]) قال ابن الجوزي: في الحديث دلالة على أن القوي يحمّل ما حمل، والضعيف يرفق به، إلا أنه كلما قويت المعرفة بالمبتلي هان عليه البلاء، ومنهم من ينظر إلى أجر البلاء فيهون عليه البلاء، وأعلى من ذلك درجة من يرى أن هذا تصرف المالك في ملكه؛ فيسلم ولا يعترض، وأرفع منه من شغلته المحبة عن طلب رفع البلاء، وأنهى المراتب من يتلذذ به؛ لأنه عن اختياره نشأ، والله أعلم). ([9])                                                                                                   
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله متى يعرف العبد أن هذا الابتلاء امتحان أو عذاب ؟ إذا ابتلى أحد بمرض أو بلاء سيء في النفس أو المال , فكيف يعرف أن ذلك الابتلاء امتحان أو غضب من عند الله ؟!.
فأجاب: الله عز وجل يبتلي عباده بالسراء والضراء، وبالشدة والرخاء, وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم، وإعلاء ذكرهم، ومضاعفة حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والصلحاء من عباد الله, كما قال النبي r : ( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)([10]) , وتارة يفعل ذلك سبحانه بسبب المعاصي و الذنوب, فتكون العقوبة معجلة، كما قال سبحانه:) وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ(([11]).فالغالب على الإنسان التقصير، وعدم القيام بالواجب، فما أصابه فهو بسبب ذنوبه وتقصيره بأمر الله, فإذا ابتلي أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو نحوها؛ فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل، رفعا في الدرجات، وتعظيما للأجور، وليكون قدوة لغيره في الصبر والاحتساب، فالحاصل  أنه قد يكون البلاء لرفع الدرجات، وإعظام الأجور، كما يفعل الله بالأنبياء وبعض الأخيار, وقد يكون لتكفير السيئات كما في قوله تعالى :)  مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ(([12]). وقول النبي  :(ما أصاب المسلم من هم و لا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها )([13])، وقوله: (من يرد الله به خيرا يصب به )([14]). وقد يكون ذلك عقوبة معجلة بسبب المعاصي، و عدم المبادرة للتوبة كما في الحديث عنه  أنه قال : ( إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا , وإذا أراد الله بعبده الشر  أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة ) خرجه الترمذي وحسنه). ([15])
ونخلص من هذه المسألة إلى الحقائق التالية:-
1-             أن الحياة الدنيا دار كبد وعناء، وليست دار نعيم وهناء خالص لا شائبة فيه.
2-             أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ليعبدوه فابتلاهم بالحسنات والسيئات لينظر أيهم أحسن عملا .
3-             أن الله تعالى - وله الحكمة البالغة - يبتلي المؤمنين ؛ رفعة للدرجات، وتعظيما للأجور.
4-      أن الله جل ثناؤه يبتلي عباده؛ ليميز الخبيث من الطيب، وليتميز المؤمن من المنافق، قال تعالى:) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(. ([16])  
5-             أن ما يقدره الله سبحانه وتعالى - على العباد والبلاد - فله فيه جل ثناؤه الحكمة البالغة، والأمر الرشيد، قال تعالى:)وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ(([17])  
6-      أن الله سبحانه وتعالى - وهو الغني الحميد - أرسل الرسل وأنزل الكتب، وأقام الحجة على الخلق، فمن تنكب عن الصراط ، وخالف المنهج، فنزل به ما توعّد به؛ فقد أحقّ العذاب على نفسه ) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ(.([18])
7-      أنه ما من مصيبة تنزل في الناس أو تحل في الديار والبلاد إلا وهي مقدرة مكتوبة في كتاب عند ربي لا يضل ربي ولا ينسى، قال تعالى:) مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  (.([19]) 
8-      أنه ما من وصب ولا نصب يصيب العبد أو بلاء عام يصيب الأمة إلا بسبب ما كسبته أيديهم، قال تعالى:) وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ(([20]).
وبعد بيان حقيقة العذاب الأدنى يحسن بنا أن نقف على الآية الكريمة التي كانت سببا في بحث هذا الموضوع، وما دلت عليه، وننظر في نظائرها ودلالاتها، فنسأل الله الإعانة والتوفيق .



([1] ) سورة البلد الآية 4.
([2] ) سورة الملك الآية 2.
([3] ) سورة هود الآية 7.
([4] ) جامع البيان 12/5.
([5] ) سورة العنكبوت 1-3.
([6] ) المستدرك ،ح 121،1/99.
([7] ) صحيح البخاري، ح5324،5/2139.
([8] ) سورة الأحزاب الآية 30.
([9] ) فتح الباري 10/112.
([10] ) سبق تخريجه .
([11] )سورة الشورى الآية 30.
([12] ) سورة النساء  الآية 123.
([13] ) صحيح البخاري، ح 5318، 5/2137.
([14] ) المصدر السابق، ح 5321، 5/ 2138.
([15] ) مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز ، إعداد عبد الله بن محمد الطيار 2/478-488. والحديث في سنن الترمذي ،ح2396، 4/601.
([16] ) سورة الأنفال الآية 37.
([17] ) سورة القمر الآيتان 4-5.
([18] ) سورة فاطر الآية 45.
([19] ) سورة الحديد الآية 22.
([20] ) سورة الشورى الآية 30.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق