تكذيب الرسل
خلق الله الخلق لعبادته؛ ومن أجل
ذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأيدهم بالآيات الحسية والمعنوية، وأيدهم بالبراهين
القاطعة، والحجج الدامغة، سواء منها ما كان مبثوثا في هذا الكون الفسيح، أو كان
مستقرا في نفوس الخلق } سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ{([1]). ووعد المؤمنين بهم بالنعيم المقيم في الدنيا
والآخرة،
وتوعد المخالفين بالعذاب والنكال في الدنيا والآخرة، وأخبر الحق سبحانه
وتعالى عما حل بالأمم السابقة فقال عن قوم نوح } فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)
ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ فأنجيناه {([2]). وقال عن قوم إبراهيم }فكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94)
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ
أَجْمَعُونَ{([3]). وقال سبحانه وتعالى عن العذاب الذي أرسله على
قوم فرعون لما كذبوا موسى u :} فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ {([4]). فهذا العذاب أرسله الله عليهم في حياتهم
الدنيا، ثم قال تعالى عن العذاب الذي أعده لهم في قبورهم وما سيلاقونه من شديد
العقاب:}وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)
النَّارُ يُعْرَضُونَ
عَلَيْهَا
غُدُوًّا
وَعَشِيًّا
وَيَوْمَ
تَقُومُ
السَّاعَةُ
أَدْخِلُوا آلَ
فِرْعَوْنَ
أَشَدَّ
الْعَذَابِ{([5]).
والعذاب المترتب على تكذيب الرسل لا يزال متوعدا
به من كذب وعصى قال تعالى: }أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (45)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (46)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ{([6]). وقال عز من قائل:} قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ{([7]).
وتلك سنة ماضية لا تتخلف، ووعيد حق
لا يتأخر قال تعالى: }وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (76)
سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً{([8]). وقال عز من قائل: } وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (42)
اسْتِكْبَارًا
فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً{([9])
وبين النبي أن الله إذا أراد رحمة أمه قبض نبيها قبلها؛
ليكون لها فرطا وسلفا، وإذا أراد هلاك أمة عذبها ونبيها حي؛ لتقر عينه بهلكتها،
فقد روى مسلم عن أبي موسى عن النبي قال:(إن
الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطا وسلفا
بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر، فأقر عينه
بهلكتها حين كذبوه، وعصوا أمره).([10])
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق