الهلاك العام
إذا فشا الذنب؛ عمت العقوبة، وهلك
المذنبون، وشمل العذاب العامة والخاصة، وما ذاك إلا لأن المذنب انتهك محارم الله،
وجاهر بمعصيته بين ظهراني قومه، وهم قادرون على الإنكار، فلم يأخذوا على يديه؛ فأحلوا
عليهم عقوبته ومقته، قال تعالى:)أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (45)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (46)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ( ([1]) وروى
البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي ص استيقظ من نومه وهو يقول:( لا
إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه -
وعقد سفيان بيده عشرة – قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث).([2])
وروى الإمام أحمد والطبراني في
المعجم عن العرس بن عميرة قال: قال رسول الله :(إن الله لا
يعذب العامة بعمل الخاصة حتى تعمل الخاصة بعمل تقدر العامة أن تغيره ولا تغيره،
فذاك حين يأذن الله في هلاك العامة والخاصة).([3])
وإذا نزل العذاب فلا ينجو منه إلا المصلحون
قال تعالى: ) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ( ([4]) أما من
اقتصر نفعهم على أنفسهم ولم يغاروا على حرمات الله ويغضبوا لغضبه؛ فيشملهم العذاب
ثم يبعثهم الله على ما ماتوا عليه فقد روى الطبراني في المعجم الأوسط عن جابر t قال قال رسول الله e:( أوحى الله إلى ملك من
الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها. قال: إن فيه عبدك فلانا لم يعصك طرفة عين. قال: اقلبها عليه وعليهم؛ فإن وجهه لم يتمعر لي ساعة قط).([5])
وهذا العذاب العام ورد ذكره في
القرآن كثيرا، فمن ذلك قوله تعالى:)حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ(([6]) وقال جل ثناؤه موضحا عاقبتهم بعد نجاة نوح ومن معه: ) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ(([7]) وقال سبحانه وتعالى ) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا( ([8]) وقال عز
من قائل:) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ(([9]).
وهذا العذاب أصناف كثيرة متعددة
سيأتي تفصيلها
فيما يلي، إن شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق