تجميل شعر الوجه بالنمص
الوجه بالنسبة للمرأة أصل الزينة ـ فتتجمع فيه محاسن المرأة ، ويبدوا فيه
جمال الخلفة وهو محل استمتاع الزوج ، ولهذا خلقه الله تعالى خاليا من الشعر إلا
شعر الحاجبين والأهداب . ففي شعر الحاجبين زينة وجمال وواقية مما ينحدر من الرأس ،
وجعل على هذا المقدار لأنه لو نقص عنه لزالت منفعة الجمال والوقاية ، ولو زاد عليه
لغطى العين
وأضر بها ، وحال بينها وبين ما تدركه ، وفي شعر الأهداب زينة وجمال
ووقاية للحدقة . وسوف أتكلم في هذا المطلب عن حكم النمص .
اتفق الفقهاء على تحريم النمص في الجملة ، للأحاديث الواردة في ذلك :
1 – روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود قال : " لعن الله الواشمات
والمستوشمات ، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله . قال فبلغ ذلك
امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن ، فقالت : ما حديث بلغني
عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات ، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق
الله . فقال عبد الله : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهو
في كتاب الله . فقالت المرأة : لقد قرأن ما بين لوحي المصحف فما وجدته . فقال لئن
كنت قرأتيه لقد وجدتيه : قال الله عز وجل : (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه
فانتهوا ) . فقالت المرأة : فإني أرى شيئا من هذه على امرأتك الآن . قال : فاذهبي
فانظري . قال : فدخلت على امرأة عبد الله، فلم تر شيئا فجاءت إليه فقالت : ما رأيت
شيئا ، فقال : أما لو كان ذلك لم نجامعها.
2 – وروى أبو داود عن ابن عباس قال : " لعنت الواصلة والمستوصلة ،
والنامصة والمتنمصة ، والواشمة والمستوشمة من غير داء " .
فالنامصة : هي التي تفعل النماص ، والمتنمصة : هي التي تطلب أن يفعل بها
ذلك .
ووجه الاستدلال بالحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعلة النماص ،
واللعن لا يكون
على شيء غير محرم .
واختلف الفقهاء في المراد بالنمص المحرم :
1 – فذهب الحنفية إلى أن النماص المحرم هو ما تفعله المرأة للتبرج والتزين
للأجانب ، وكذا ما تفعله بلا حاجة ولا ضرورة ، لما في نتفه بالمناص من الإيذاء .
أما ما تفعله بقصد التزين لزوجها فلا يحرم ، فإذا كان في وجهها شعر يؤدي إلى نفور
زوجها عنها جاز لها إزالته ، فيجوز لها إزالة ما نبت في وجهها من لحية أو شارب أو
عنفقه بل يستحب ذلك . وهو غير داخل في النهـي عن النمص . وكذا يجوز لها الأخذ من
شعر الحاجبين وشعر الوجه ما لم تتشبه في ذلك بالمخنثين
2 – وذهب المالكية إلى أن النماص المحرم هو نتف الشعر من الوجه ، لما فيه
من التلبيس بتغير خلق الله تعالى ، فلا يجوز للمرأة أن تقلع الشعر من وجهها
بالمنمص .
3 – وذهب الشافعية إلى أن النمص المحرم : هو الأخذ من شعر الحاجبين
لترقيقهما ، حتى يصيرا كالقوس أو الهلال بقصد الحسن والتجمل ، إذا كان بدون إذن
الزوج .
وبناء على هذا فإن الزوجة إذا فعلت بإذن الزوج جاز ، لأن له غرضا في
تزينها لها ، وقد أذن لها فيه .
ويخرج من النمص المحرم إزالة اللحية والشارب والعنفقة للمرأة بالنتف أو
الحلق ، سواء أكانت المرأة متزوجة ، أم غير متزوجة ، ويستحب لها فعل ذلك ، ولا
يدخل هذا الفعل في النهي عن النماص ، لأن النهي إنما هو في الحواجب وأطراف الوجه .
وأما تهذيب الحاجبين بالأخذ منهما إذا طالا فلم ير الشافعية فيه شيئا ،
وكره النووي ذلك فقال :وينبغي أن يكره لأنه تغيير لخلق الله لم يثبت فيه شيء .
4 – وللحنابلة في النماص المحرم ثلاثة أقوال :
الأول : ما نص عليه الإمام أحمد أن النماص المحرم هو نتف شعر الموجه ، أما
حلقه فلا بأس به ، لأن الخبر إنما ورد في النتف .
اخبرنا الوراق قال : حدثنا مهنا أنه سأل أبا عبد الله ـ أي أحمد بن حنبل ـ
عن الحف ، فقال : ليس به بأس للنساء . قال : وسأله عن النتف ، فقال : أكرهه للرجال
والنساء . وقد كان أحمد يأخذ من حاجبه وعارضه .
والثاني : وهو وجه عند الحنابلة ، قال الشيخ عبد الوهاب بن مبارك الأنماطي
: إذا أخذت المرأة الشعر من وجهها لأجل زوجها بعد رؤيته إباها فلا بأس به ، وإنما
يذم إذا فعلته قبل أن يراها ، لأن فيه تدليسا .
والثالث : ما ذهب إليه عبد الرحمن بن الجوزي من أن حديث النامصة محمول على
التدليس أو على الفاجرات . فيكون النماص المحرم ما تفعله المرأة على وجه التدليس
أو بقصد التشبه بالفاجرات .
وبناء على ما سبق فإنه يجوز للمرأة حلق لحيتها وشاربها .
5 – وذهب الطبري وابن حزم الظاهري إلى أن النماص المحرم هو نتف الشعر من
الوجه ، لما فيه من تغيير خلق الله ، فلا يجوز للمرأة تغيير خلقتها التي خلقها
الله عليها بزيادة أو نقص التماسا للحسن لا للزوج ولا لغيره : كمن تكون مقرونة
الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه . وكذا لا يجوز حلق لحيتها ولا
عنفقتها ولا شاربها ، لما فيه من تغير الخلقة .
المعنى المختار للنماص المحرم :
بعد عرض آراء الفقهاء في المراد بالنماص المحرم يتبين أنهم اختلفوا في
الشعر الذي تقلعه المرأة بالمنماص هل هو شعر الوجه أو شعر الحاجبين ؟
إن الأحاديث لم تحدد المراد به ، فلابد من الرجوع إلى اللغة لفهم المراد .
فحديث ابن مسعود ورود بلفظ : " المتنمصات " وهو جمع متنمصة : وهي التي
تطلب أن يفعل بها التنمص ، وهو من باب تفعل ، ومعناه التكلف والمبالغة في إزالة
الشعر من الوجه إلا في الحاجبين ، لأنهما المحل الطبيعي لظهور الشعر في وجه المرأة
. فإذا بالغت المرأة في نتف شعر الحاجبين للتجمل والتحسن : كأن تزيلهما كليا ، أو
ترققهما حتى يصيرا كالقوس أو الهلال فهو النماص المنهي عنه . ويؤيد ذلك ما جاء في
سنن أبي داود بعد أن روى حديث ابن عباس السابق حيث قال : " وتفسير النامصة :
التي تنقش الحاجب حتى ترقه " .
وبناء على ذلك فإن إزالة اللحية والشارب والعنفقة للمرأة بالنتف أو الحلق
جائز ، لأنه لا يدخل في النماص المحرم كما ذهب إليه جمهور الفقهاء . لأن كثيرا من
الفقهاء اعتبروا ظهور اللحية والشارب في المرأة نقصا وعيبا ، فلا شيء من الدية على
المعتدي عليها بالنتف والإزالة لأنه أزال عنها الشين .
ويخرج من النماص المحرم أيضا تهذيب الحاجبين بأخذ الشعر الزائد الخارج عن
استقامة الحاجبين من غير مبالغة فيه ، لأنه لا تدليس فيه ولا تغيير لخلق الله .
المعنى الذي لأجله حرم النماص :
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النماص ، لأن فيه تغيير الخلقة
الأصلية للحواجب بالإزالة أو الترقيق لحديث ابن مسعود : " المغيرات خلق الله
" فلا يجوز للمرأة إزالة الحواجب كليا والاستعاضة عنها بحواجب اصطناعية ؛ لما
فيه من تغيير الخلقة الأصلية ، ولما يترتب على وضع المادة الكيميائية من أضرار
بالغة كما قال الدكتور وهبة أحمد حسن : " إن استخدام أقلام الحواجب وغيرها من
ماكياجات الجلد لها تأثيرها الضار : فهي مصنوعة من مركبات معادن ثقيلة : مثل
الرصاص والزئبق تذاب في مركبات دهنية مثل زيت الكاكاو ، كما أن المواد الملونـة
تدخـل فيها بعض المشتقات البترولية ،وكلها أكسيدات مختلفة تضر بالجلد ، وإن امتصاص
المسام الجلدية لهذه المواد يحدث التهابات وحساسية ، ولو استمرت هذه المواد لأصبح
لها تأثير ضار على الأنسجة المكونة للدم والكبد والكلى " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق