الأربعاء، 26 مارس 2014

اسباب توسعة المسجد النبوي في عهد الملك فهد بن عبد العزيز



توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز
الملحمة العمرانية الكبرى
أسباب التوسعة :
من الثوابت التاريخية أن وراء كل إنجاز كبير أسبابٌ أدت إلى ظهوره، وجعلت الذين شيــدوه يبذلون الأمـــوال الطائلـــة والجهود الفائقة لإخراجه على النحو الذي ظهر فيـــه .
وتوسعة خـادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز للمسجد النبوي إنجاز كبير ، يحس بتميزه كل من يراه أو يبلغه وصفه . فما الأسباب التي أدت إليه ؟ ولم كان على هذا النحو؟
ثمة أسباب عدة يصل إليها الباحث المتأمل، أوجزها فيما يأتي :
أولاً : أسباب عقدية :
أثنى الله سبحانه وتعالى على من يعمر مساجد الله بعامه ووصفه بالإيمان، فقال سبحانه : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ }(71)    وبَيّن رسول الله ما أعده الله له من الثواب فقال (72) : (من بنى لله بيتاً كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة) .
وللمسجد النبوي مكانة خاصة في قلوب المسلمين، وهو مرتبط منذ نشأته، وعلى امتداد تاريخه بالعقيدة الإسلامية، له فضائل تميزه عما سواه من مواقع العبادة، فالصلاة فيه بألف صلاة، والرحلة إليه شعيرة يثيب الله عليها كل من يقوم بها ؛ لذا فإن إعماره هو إعمار لموقع ذي قداسة خاصة، وخدمته خدمة لكل مسلم شد الرحال إليه وذكر الله فيه .
ثانياً : تضاعف أعداد الزائرين :
حملت متغيرات النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري تطورات هائلة في المواصلات والاتصالات، فتمتد صفوف المصلين إلى الأرصفة والشوارع المجاورة، لذلك كان لا بد من حل مدروس وإنجاز جديد يستوعب الزيادات الحالية والقادمة .
ثالثاً : النمو السكاني في العالم الإسلامي : 
يعد النمو السكاني عنصراً مهماً له آثار مباشرة في زيادة أعداد الزائرين، فالعالم الإسلامي الذي كان يعدُّ خمسمائة مليون قبل ربع قرن أصبح عدده في وقتنا الحاضر أكثر من مليار(73)، فإذا كانت نسبة الحجاج منهم 0.1% (واحد في الألف) فإن عددهم سيصل إلى مليون حاج، وما دامت الزيادة في عدد المسلمين مطردة النمو فإن أعداد الحجاج في زيادة مطردة أيضاً، وهذا ما ينبغي أن تُعَدَّ له العدة

رابعاً : نمو الوعي الديني في العالم الإسلامي :
على الرغم من المواجهة العتيدة مع الحضارة الغربية في هذا العصر فإن الوعي الديني متصاعد ولا شك، سواء في بلدان العالم الإسلامي أو في المجتمعات التي يعيش فيها المسلمون أقلية وجاليات . فسنوات المواجهة الفكرية الطويلة أخرجت علماء مسلمين في فنون شتى نقضوا نظريات العلمانيين، وأثبتوا أن العلم طريق إلى الإيمان، واستعملوا المعطيات الفكرية الغربية نفسها في الاستدلال العكسي على ما وضعت له أصلاً، وساعدهم في ذلك الثغرات الضخمة في الحضارة المادية والفكر العلماني وسقوط عدد من نظرياتهم وتطبيقاتهم .
كل هذا جعل شرائح كبيرة من المثقفين يقبلون على الدين، ويطبقون شرائعه بنسب مختلفة، فضلاً عن جهود الفقهاء وخطباء المساجد والدعاة الآخرين في توعية عامة المسلمين وخاصتهم، مما جعل أعداداً أخرى تُقبل على زيارة الحرمين الشريفين وأداء الشعائر.
خامساً : التغييرات الاقتصادية في المجتمعات الإسلامية :
قبل نصف قرن من وقتنا الحالي كانت معظم بلاد العالم الإسلامي تعد من البلدان الفقيرة أو ما تحت مستوى الفقر . وكان معظمها يرزح تحت حكم الاستعمار الأجنبي ، ومع مرور الزمن تحررت من الاستعمار ، وبدأت تستثمر ثرواتها الزراعية والنفطية والمعدنية، وتخطو خطوات جادة في ميدان الصناعة، وظهرت تغيرات اقتصادية واضحة، وارتفعت نسبة الدخل، وصار في كل مجتمع من المجتمعات الإسلامية فئات من التجار والمزارعين ورجال الأعمال تملك القدرة على السفر والإنفاق، وتكونت شركات ومكاتب سياحية تنظم رحلات الحج والعمرة والزيارة، وتوفر لمن يشارك فيها زيارة الأماكن المقدسة بأسعار معقولة ومنخفضة أحياناً تقل عن أسعار الرحلات السياحية إلى المصايف والمنتجعات، فقد بلغ معدل تكلفة إقامة الفرد الواحد في غير أوقات الموسم مئتي ريال لمدة أسبوع ، وهذا عامل جذب كبير يتيح لمتوسطي الدخل في كثير من بلدان العالم الإسلامي أن يشاركوا في هذه الرحلات من وفرهم المحدود، ويؤدي إلى زيادة عدد الوافدين إلى الديار المقدسة وزائري المسجد النبوي .
سادساً : التغييرات الاقتصادية في المملكة العربية السعودية :
عندما جمع الملك عبد العزيز مناطق المملكة العربية السعودية في كيان واحد كانت هذه الدولة المترامية الأطراف محدودة الموارد، غير قادرة على الإنفاق الواسع في المشاريع الحيوية دون أن تفرض الضرائب والرسوم ، أو تقترض من جهات داخلية أو خارجية .
وشاء الله أن تتدفق ينابيع الخير والعطاء الوفير، ويتطور إنتاج النفط وترتفع أسعاره، وتخطو برامج التنمية خطوات واسعة، ويتحسن الإنتاج الزراعي، وتتصاعد حركة إنشاء المصانع وتنعم البلاد بوفرة عالية تمكن أولي الأمر من التوجيه إلى خطط طموحة ومشاريع ضخمة دون أن يحملوا الشعب أية أعباء .
إن الوفرة الاقتصادية التي وصلت إليها المملكة في مطلع القرن الخامس عشر الهجري قد ساعدت على أن يكون مشروع التوسعة على هذا القدر من الضخامة، وأن تتجاوز كلفته المالية أربعة عشر مليار ريال (74)    .
سابعاً : الحالة العمرانية :
كانت الإضافات الأخيرة إلى مساحة المسجد النبوي في عهدي الملك فيصل والملك خالد –رحمهما الله –إضافات كبيرة في المساحة ، وكان تجهيزها لمواجهة زيادات طارئة في أعداد الزائرين تجاوزت التوقعات والخطط المرسومة، وكانت بطبيعتها حلاً مؤقتاً. فتجهيز المساحات المضافة كان سريعاً على نحو ما اقتضته الظروف آنئذ، وتكوينه بسيط فهو : مجموعة مظلات من الألياف الزجاجية (الفيبر كلاس) على أرض مرصوفة أو مبلطة، زودت بأجهزة نقل الصوت والإنارة وبمراوح سقفية . وهي مناسبة في الأجواء المعتدلة، لكنها لا تفي بالغرض المطلوب في شدة الحر والبرد، وفي أيام المطر والرياح الموسمية .
ثم إن التطور العمراني الذي انتشر في أنحاء المملكة جعل (المظلات) بالحالة التي كانت عليها دون المستوى الذي وصلت إليه المرافق والمنشآت المستحدثة، ففي الوقت الذي تُبنى فيه مساجد في بعض الأحياء على درجة عالية من التقنيات المعمارية، تتوافر فيها وسائل الراحة المتقدمة، بدءاً بهندسة البناء ووصولاً إلى تبريد الهواء، لا يعقل أن يجد قاصد المسجد النبوي نفسه في تلك المظلات تحت رحمة الحر والقر وعواصف الرياح عندما تهب، والمسجد النبوي يقصده المسلمون من أنحاء الأرض، وينفق بعضهم الأموال الطائلة ليحظى بأيام معدودة في رحابه، والمسؤولون في المملكة العربية السعودية الذين وجهوا إلى تطوير المرافق والمنشآت العامة والارتقاء بها في الشكل والمضمون إلى المستوى اللائق، يتطلعون إلى أن تكون منشآت الحرمين الشريفين في أعلى درجة من تقنية العمارة وجودتها، وقدرتها الطويلة الأمد على تقديم ما يحتاجه المتعبدون فيها. وهذا يعني التطوير العمراني الواسع لمبنى المسجد النبوي في ظل النهضة العمرانية الشاملة .
إن هذا السبب، والأسباب الأخرى التي اجتزأت بها، اجتمعت معاً وشكّلت باعثاً قوياً لمشروع توسعة خادم الحرمين الشريفين للمسجد النبوي على النحو الذي جاء عليه تميزاً وضخامة .
تنفيذ التوسعة:
لم يطل الانتظار ليأتي الحل الشامل لمواجهة المتغيرات الطارئة في واقع المسجد النبوي ومستقبله القريب .
وقد بدأت ملامح هذا الحل إثر تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز مقاليد الحكم، فقد زار المدينة المنورة عام 1403هـ ، وأصدر أمره بوضع التصميمات اللازمة لتوسعة جديدة ضخمة، تبنى وفق أحدث نظم البناء، لتستوعب الزيادات الطارئة المتوقعة في الأعوام القادمة. وقامت شركات استشارية عالمية بوضع التصميمات وعرضت عليه، وناقشها مع المختصين، وأمر بعدد من التعديلات، وصدر مرسوم ملكي ببدء العمل بالمشروع، وكلفت مؤسسة ابن لادن – التي قام مؤسسها الشيخ محمد بن لادن – رحمه الله – بتنفيذ التوسعة السعودية الأولى – بتنفيذ المشروع الحالي ، وأطلق عليه اسم مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسجد النبوي الشريف).
وفي الخامس من شهر صفر 1405هـ الموافق للثاني من نوفمبر تشرين الثاني 1984م وضع خادم الحرمين الشريفين حجر الأساس للتوسعة الجديدة إيذاناً ببدء العمل في المشروع، وأمر بتشكيل لجنة تنفيذية برئاسة أمير المدينة المنورة عبد المجيد بن عبدالعزيز للإشراف على المشروع ومتابعته، وعقدت اللجنة جلسات عدة ، ووضعت برنامج عمل زمني للتنفيذ، وبدأت أولى خطوات التنفيذ باستملاك العقارات التي ستشملها التوسعة والخدمات المساندة، وتقدر مساحتها بمائة ألف متر مربع من الأراضي المجاورة للمسجد، وشكلت لجان لتقدير ثمن العقارات المنزوعة فبلغت حوالي سبعمائة مليون ريال، بدأت الدولة بصرفها بعد استلام العقارات، وبدأت الشركة المنفذة بإزالة المباني القائمة.
كانت المباني الموجودة في المنطقة تتراوح بين البيوت الشعبية والعمارات الكبيرة والحديثة.
وبدأت عملية الهدم والإزالة وكأنها عملية مسح مدينة كاملة، واستعملت جرافات ضخمة لإسقاط المباني بطرق فنية آمنة دون استعمال المتفجرات، ويذكر تقرير الشركة المنفــذة أنها هدمت وأزالت ما حجمه نصــف مليــون متر مكعب من الأنقــاض و 443000 م3 من الأتربة(75)    .
وبدأت عمليات حفر عميقة ونزلت إلى عمق يزيد على عشرة أمتار، ثم حفرت آبار عميقة فيها(76) تتراوح بين 18 ـ 45 متراً ـ على حسب عمق الصخر فيها ـ بلغ عددها 8500 بئراً، صبّت فيها أوتاد إسمنتية، بلغ عددها8500 استهلكت أكثر من 96000 م3 من الإسمنت المسلح . وبُنيت للأوتاد قواعد فوق الأرض عددها 1877 قاعدة وبذلك يرتكز بناء التوسعة على قواعد قوية وضخمة صُممت وفق أفضل المواصفات الهندسية، وروعي في التصميم أن يكون الأساس قابلاً لتحمل طابق ثانٍ يبنى عند الحاجة .
الطابق السفلي :
غطيت أرضية الحفر ببلاطة من الإسمنت المسلح تصل بين قواعد الأوتاد الإسمنتية، وقَسَّمت الأرضية إلى 95 مجموعة تشكل كل واحدة منها جزءاً من البلاطة، أي وحدة بناء مختلفة المساحات، أصغرها 480 م2 ، وأكبرها 1527 م2 ، وسمكها 10 سم، وروعي فيها مسارات شبكات التمديدات الصحية، ووضع فوقها طبقة عازلة للرطوبة، ثم طبقة إسمنتية أخرى سمكها 5 سم، وفوق هذه الطبقة وضعت المواسير الكهربائية ، ثم صب فوقها طبقة من الإسمنت سمكها 25 سم ، وأصبحت هذه الطبقات المتوالية تشكل بمجموعها أرضية الطابق السفلي (تحت الأرض).
أُحيط الدور السفلي بجدار استنادي وعُزل بمادة عازلة للرطوبة، ثم بني خلفه جـــدار آخر من البلوك الإســمنتي المصمت، ووضعت طبقة أخرى عازلة للرطوبة كي لا تتسرب إلى الأرضية الإسمنتية أو الأعمدة .
بعد ذلك صبت أعمدة من الإسمنت القوي التسليح، بلغ عددها 2554 عموداً ارتفاع كل منها 40 ,4 وقطره 72 سم، وفوق هذه الأعمدة نصبت حصيرة ضخمة من الحديد المسلح وصب فيها الإسمنت المعد بنسب مدروسة ليكون سقف الدور السفلي، وأرضية الدور الأرضي، وتخللتها العناصر اللازمة للتمديدات الكهربائية والتبريد والتصريف، وقُسِّم السقف إلى 95 وحدة أيضاً على غرار أرضية الدور السفلي. وصب الإسمنت في هذه الوحدات ليلاً لتجنب آثار الطقس الحار، ولضمان أعلى درجات التماسك والجودة، وبلغت كمية الإسمنت المستعملة في هذا القسم 23700 م3 .
وقد نظم العمل في هذه المرحلة، والمراحل الآتية في ثلاث ورديات تواصل العمل على مدار الساعة، وقسمت كل وردية إلى فرق متخصصة تنجز كل فرقة عملاً محدداً في قسم معين، وفق الخرائط وجدول التنفيذ المعتمد . وأُقيمت رافعات ضخمة في جوانب التوسعة تصل إلى كل جزء منها أفقياً وعمودياً .
بناء الطابق الأرضي :
عندما جف الإسمنت في سقف الطابق السفلي، تشكلت أرضية الطابق الأرضي، وبدأ إعداد أعمدته الإسمنتية المسلحة والمتصلة بأعمدة الطابق السفلي، كما بدأ بناء الجدران، ويوماً بعد يوم يرتفع البناء وتشكلت غابة جديدة من الأعمدة المتناسقة بلغ عددها 2567 عموداً، تتباعد عن بعضها بمسافة 6 أمتار، وفي المواضع التي ستعلوها قباب 18 متراً لتشكل الأفنية الداخلية، وبلغ عدد هذه الأفنية 27 فناء فوق كل منها قبة متحركة، ثم بنيت الأقواس التي تحمل السقف، وبلغ عددها 3812 قوساً ثم صُبَّ السقف، الذي يشكل أرضية الطابق الأخير.
وما أن انتهى البناء الإسمنتي في الطابق الأول حتى بدأت أعمال التكسية والزخرفة لتغطي جدران المسجد وأعمدته بالمرمر، وتغطي تيجان الأعمدة بصفائح نحاسية مزخرفة، وقد روعي أن يكون شكل الأعمدة والتيجان مناظراً لمثيلاتها في التوسعة السعودية الأولى، بسبب توحد التوسعتين واتصالهما في نسق معماري واحد .
بناء الطابق العلوي :
بعد الفراغ من سقف الطابق الأرضي تشكلت أرضية الطابق العلوي، وهو سطح المبنى، وقد صمم هذا الطابق لوضع القباب عليه، وللاستفادة منه في الصلاة أيضاً، لذلك بُني فيه رواق يمتد في جهات السطح الأربعة، ارتفاعه خمسة أمتار ومساحته الكلية 11000م2  يتصل بالدور الأرضي بست مجموعات من السلالم الكهربائية وثماني عشرة مجموعة من السلالم الرخامية موزعة في أنحاء الطابق، وتشغل القباب المتحركة مع المساحة المتروكة لحركتها 8750 متراً، وتبقى مساحات داخلية متوزعة بين القباب لاستعمالها للصلاة . وقد رصفت أرضها بالمرمر الأبيض العاكس للحرارة. وتبلغ الطاقة الاستيعابية لمجموع الساحات والرواق في هذا الطابق تسعين ألف مصلٍ، يستفاد منها في أوقات الذروة للصلاة .

القباب المتحركة :
تضمن تصميم مبنى التوسعة إنشاء 27 قبة موزعة على سطحه . لتغطي الأفنية في الطابق الأرضي، بحيث تركب كل واحدة منها على مساحة مربعة محيطها 18 × 18 متر، وترتفع القبة عن الأرض 65،16 م، ويبلغ قطرها 14,70م، وارتفاعها من قاعدتها إلى قمتها أربعة أمتار وتزن 80 طناً، وتتكون من هيكل فولاذي ضخم يزن 40طناً، ويُغطّى من الداخل بطبقة من الخشب الخاص ، ثم بطبقة أخرى من الخشب المزخرف، تُكَوِّن أشكالاً هندسية محفورة باليد على قطع من خشب الأرز المغربي، تتخللها قطع من حجر الأمازونيت الكيني داخل إطارات مذهبة، وفيها مساحات مغطاة بورق الذهب، حيث تحتوي كل قبة على ما زنته 2,5كغ من الذهب الرقيق الخالص.
أما الغلاف الخارجي للقبة فهو من السيراميك الألماني المثبت على قواعد من الجرانيت ، ويعلو القبة رأس يشكل نقطتها العلوية، وهو من البرنز المغطى بالذهب، وتتحرك القبة على أربع عجلات من الفولاذ الخالص مكسوة بمعدن ضد الصدأ، ولكل عجلة محرك خاص بها قوته 2.5 كيلو واط، وتتحرك القبة على سكة فولاذية مغطاة بمعدن مضاد للصدأ، ومانع للضجيج، ويتم تحريك القباب من جهاز حاسوب (كمبيوتر) يمكنه فتح كل قبة وإغلاقها على حدة، كما يمكنه فتحها وإغلاقها جميعاً في وقت واحد، وتستغرق حركة القبة الكاملة بالمحركات دقيقة واحد فقط، وقد روعي في التصميم إمكانية تحريك القبة باليد عند الحاجة، حيث يستغرق فتحها وإغلاقها آنئذ ثلاثين دقيقة.
أبواب التوسعة :
أحدثت التوسعة تغيراً شاملاً في مبنى المسجد النبوي، باستثناء القسم الجنوبي (العثماني) حيث احتضنت التوسعة السعودية الأولى وامتدت بها في الاتجاهات الثلاثة ـ الشرق والغرب والشمال ـ ويقتضي هذا التغير تغيراً في مواقع الأبواب وعددها .
ونظراً لضخامة التوسعة وكثرة أعداد المصلين الذين تستوعبهم فقد وُضع للمبنى سبعة مداخل واسعة ثلاثة في الجهة الشمالية، واثنان في كل من الشرقية والغربية، في كل مدخل سبعة أبواب، بابان متباعدان، بينهما خمسة أبواب متجاورة عرض كل منها ستة أمتار إضافة إلى أبواب مفردة وأبواب مزدوجة تؤدي إلى السلالم الكهربائية والسلالم العادية، وبلغ مجموع ما أضافته التوسعة من أبواب سبعين باباً، وبذلك يصبح العدد الكلي لأبواب المسجد النبوي ستة وثمانين باباً.
السلالم الكهربائية داخل المسجد النبوي :
نظراً لارتفاع السقف في مبنى التوسعة الجديدة ( 13.5م ) واستعمال قسم كبير من سطح المبنى للصلاة في أوقات الذروة، وجَّه خادم الحرمين الشريفين إلى تركيب سلالم كهربائية مناسبة تنقل المصلين من الدور الأرضي إلى أروقة الصلاة وساحاتها في السطح، فضلاً عن السلالم العادية المرخمة، وقد رُكبت ست مجموعات من السلالم في جهات التوسعة الأربعة، وروعي أن تكون واسعة وقابلة للحركة في الاتجاهين بالسهولة والسرعة نفسها.
النوافذ :
صممت النوافذ على امتداد جدران التوسعة لغرضين :
الأول : التهوية والإنارة الطبعية في النهار .
الثاني : تكوين العناصر الجمالية في المبنى ؛ لذلك وزعت بنسب مدروسة على امتداد الجدران ، وصنعت من خشب الساج الثمين أيضاً ، وصنعت ألواحها من الزجاج المغشى العاكس للحرارة، وزخرفت فتحاتها العليا بقطع من الزجاج الملون ، وعلى الجدران الخارجية ثبّتت مشربيات خشبية جميلة.
منارات التوسعة :
تشتمل التوسعة الجديــــدة على ست منارات جديدة، ارتفاع كل منها حوالي 106م ، أي بزيادة 36 متراً  عن ارتفاع المنارات في التوسعة الأولى .
وتصطف أربع منارات في الواجهة الشمالية، واحدة عند الزاوية الشرقية، وأخرى عند الزاوية الغربية، واثنتان فوق البوابة الوسطى التي سمــــيت ( باب الملك فهد ) .
وأما المنارتان الباقيتان فأولاهما في الزاوية الجنوبية الشرقية لمبنى التوسعة، والأخرى في الزاوية الجنوبية الغربية، وبذا يصبح للمسجد النبوي عشر منارات.
تبريد الهواء في المسجد النبوي :
من المعروف أن مناخ المدينة المنورة حار في معظم أيام السنة، وباستثناء فصل الشتاء اعتاد سكان المدينة المنورة أن يستعملوا مكيفات الهواء في بيوتهم وأماكن عملهم.
ونظراً لمكانة المسجد النبوي ولتوفير الراحة لمن يقصده من المصلين والمعتكفين في تلك الأيام الحارة، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بإقامة مشروع لتبريد الهواء في المسجد كله، فمساحة المسجد النبوي بعد التوسعة ستقارب مائة ألف متر مربع، وإذا تذكرنا أن ارتفاع السقف الداخلي يقارب 13 متراً أدركنا الحجم الهائل للمساحة التي ستبرّد، وهذا يقتضي مصنعاً ضخماً ومحركات ذات قدرة عالية.
لذلك تقرر أن يُقام مصنع التكييف بعيداً عن المسجد النبوي تجنباً لضجيج المحركات، ولتسهيل عملية التشغيل والصيانة، واختيرت له منطقة تبعد عن المسجد النبوي سبعة كيلو مترات في الاتجاه الغربي على سفح جبل جماء عاقر الشرقي، كما تقرر أن يكون التبريد بطريقة المياه المبردة، حيث يضخ المصنع كميات ضخمة من الماء المبرد في مواسير تمتد تحت الأرض إلى الطابق السفلي للتوسعة، وهناك تمر في شبكة من الأنابيب العرضية الدقيقة، تقابلها مجموعة من مضخات الهواء القوية يبلغ عددها 143 مضخة، ويوجه الهواء الخارج منها شبكة المياه المبردة، فيبرد ويتجه في مواسير التكييف إلى فتحات موزعة في قاعدة الأعمدة في الطابق الأرضي للمسجد النبوي.
نفق الخدمات :
تمتد مواسير نقل الماء المبرد من مصنع التبريد إلى الطابق السفلي لمبنى التوسعة في نفق ضخم أقيم لتأمين الخدمات المختلفة، ويتكون النفق من شارع تحت الأرض طوله سبعة كيلو مترات وعرضه 6.2 متراً وارتفاعه 4.1 متراً مبني من الإسمنت المسلح، وبعمق يتراوح بين أربعة أمتار وستة عشر متراً، ويمر النفق من تحت نفق المناخة والساحات المحيطة بالتوسعة، ومن خلال مبنى مواقف السيارات السفلي ، ويصل إلى المبنى السفلي للتوسعة.
ساحات حول المسجد النبوي :
من مسلمات هندسة البناء أنه كلما كبر المبنى احتاج إلى فضاء أكبر حوله، ومع أن المسجد النبوي بعد التوسعة لا يرتفع عمودياً مسافة كبيرة، فإن امتداده الأفقي الكبير يقتضي وجود ساحات واسعة حوله، لاستيعاب حركة الدخول إلى المسجد والانتشار بعد الصلاة، ولإبراز جمال المبنى، والأهم من ذلك كله لتهيئة مساحات إضافية للمصلين تستعمل عند الحاجة.
لذا روعي في تصميم التوسعة الجديدة أن تحيط به ساحات مغطاة بالرخام والجرانيت وفق أشكال هندسية إسلامية وبألوان مختلفة، وتبلغ مساحتها 235.000 متر مربع، وفيها مداخل للمواضئ السفلية ومواقف السيارات، واستراحة لكبار الزوار، وتتسع الساحات في حالة استعمالها استعمالاً كاملاً لـ 400.000 مصل .
ولهذه الساحات أسوار تتكون من جدران منخفضة من الإسمنت المسلح والمغطى بالجرانيت  وتعلوها أسوار كريتال حديدية ذات تشكيلات زخرفية جميلة، وللأسوار بوابات كبيرة في جميع الاتجاهات ومحارس مصنوعة من الحجر الصناعي، وتضاء الساحات بمصابيح مناسبة الإنارة ترتفع فوق مائة وعشرين عموداً عالياً .
المواضئ :
تعد مرافق الخدمات عنصراً حيوياً لتأمين راحة قاصد المسجد النبوي، ومن هذه المرافق المواضئ ودورات المياه ، فوجود هذا المرفق قريباً من المسجد النبوي يساعد على تحقيق طهارة دائمة واستعداد للصلاة والعبادة، والجلوس في المسجد لأوقات أطول ؛ لذلك تقرر أن تُبنى وحدات وضوء ودورات مياه تابعة لها في الطابقين السفليين تحت الساحات الخارجية للمسجد النبوي، قرب مواقف السيارات، وقد وزعت هذه الوحدات على خمسة عشر مبنى، يتألف كل منها من أربعة طوابق، وبلغ مجموع نقاط الوضوء فيها 6214 نقطة ، ومجموع دورات المياه الملحقة بها 2432 دورة ، ووضعت في مداخل الوحدات نقاط لمياه الشرب بلغ مجموعها 7858 نقطة.
وتتصل مباني هذه المرافق بالساحة الخارجية عبر مجموعات من السلالم الكهربائية تضم 116 سلماً كهربائياً إضافة إلى 30 سلماً عادياً مغطى بالرخام .
الطاقة الكهربائية :
تحتوي التوسعة الجديدة أجهزة كهربائية وإلكترونية كثيرة منها: مصابيح الإنارة والثريات المعلقة والكشافات الشديدة الإنارة، والسلالم الكهربائية والقباب المتحركة وأجهزة الإنذار ومحطات الإذاعة والتلفاز والدائرة التلفازية المغلقة ، وغير ذلك من الأجهزة الكثيرة التي تحتاج إلى طاقة كهربائية عالية ومستمرة، لذلك وضعت خطة لتزويد المسجد النبوي بطاقة كبيرة مناسبة لحجم الأجهزة المستعملة، ومستمرة في جميع الظروف للإضاءة وتشغيل الأجهزة وروعي أن تتعدد مصادرها، وأن توجد مُدَّخراتٌ احتياطية توفر الطاقة اللازمة إذا انقطعت من المصادر الرئيسة .
وتشمل الخطة ما يأتي :
1- مغذيات رئيسة من شبكة كهرباء المنطقة الغربية.
2- محطة توليد احتياطية تحتوي  على ثمانية محركات ضخمة، قوة كل منها 2.5 ميجاوات، يتم تشغيل أربعة منها للمسجد بطاقة إجمالية قدرها 10 ميجاوات وواحدة لمواقف السيارات، وثلاثة محركات احتياطية .
3- وحدة تغذية مستمرة من المُدَّخرات تخصص للإنارة ونظام الصوت ، وتعمل عند انقطاع الكهرباء من المصادر الرئيسة لمدة ثلاثين دقيقة .
مواقف السيارات :
تقرر بناء مواقف واسعة تحت الساحات المحيطة بالحرم، تحيط بالمسجد من جهاته الثلاثة: الشمالية والجنوبية والغربية، وتشتمل على طابقين يتسعان لـ4500 سيارة، وتتخلل المواقف بوابات للدخول والخروج، وطرق مناسبة للحركة داخل المواقف وبين طابقيه لضمان سهولة الانسياب والحركة، وفيها أجهزة مراقبة تلفازية ومخاطبة صوتية ومكاتب للإدارة، وغرف للأعمال الكهربائية والميكانيكية اللازمة، وتتصل المواقف مع ساحات المسجد النبوي بالسلالم الكهربائية والعادية التي ذكرناها في حديثنا عن المواضي .
صيانة المبنى الجنوبي :
حافظت التوسعة السعودية الثانية على المبنى الجنوبي لقيمته التراثية، ووضعت خطة لصيانته وتجديد ما يحتاج إلى تجديد، وعلى امتداد سنوات العمل في مبنى التوسعة كانت أعمال الصيانة مستمرة في المبنى الجنوبي جزءاً إثر جزء، وتركزت بشكل خاص على الجوانب الآتية :
1-ترميم المنارة الرئيسة ( الجنوبية الشرقية ) ، ومنارة باب السلام وإعادة لياستها.
2-كساء الجدران الخارجية الثلاثة للمبنى بالحجارة الجرانيتية المصقولة، وتعليتها لتناسب ارتفاع مبنى التوسعة الجديدة.
3-إحـــــداث باب جديــــد في الجهة الجنوبية الشرقية وتسميته ( باب البقيع ) بتاريخ 1/8/1408هـ .
4-تجديد دهان القبة الخضراء .
5-إجراء صيانة عامة لبقية القباب ، وتغيير بعض ألواح الرصاص، وطلاؤها باللون الفضي.
6- إحداث مبنى جديد في الجهة الجنوبية ملاصق للجدار الخارجي للمسجد وعلى امتداده طوله 87.5م وعرضه 5 أمتار ، له أربعة أبواب، باب من الشرق ، وآخر من الغرب ، وبابان في الجهة الجنوبية، ويستعمل هذا المبنى لعدة أغراض أهمها إدخال الجنائز من الباب الجنوبي والصلاة عليها على يمين المحراب  العثماني وإخراجها إلى البقيع دون الحاجة إلى تمريرها داخل المبنى وبين المصلين، واستعملت بعض أجزاء المبنى استراحة ومكاتب للأئمة بتاريخ 1412هـ .
7-تجديد المحراب النبوي الشريف .
8- تدعيم أعمدة الروضة الشريفة وكساؤها برخام أبيض جديد، مع المحافظة على الخطوط والنقوش التي تميزها عن الأعمدة الأخرى .
9- تدعيم الأعمدة الأخرى بطبقة من الإسمنت المسلح بارتفاع 2.5م في نهايتها طوق نحاسي مطلي بالذهب ، وتغيير لون طلائها من الأحمر القاتم إلى (الوردي) الفاتح، لينسجم مع ألوان الأعمدة في مبنى التوسعة.
10- تجديد الرسوم والخطوط التي على السطح الداخلي للقباب، وعلى الجدران، وتذهيب الآيات القرآنية والعبارات الأخرى المكتوبة على الجدار الجنوبي.
11- تركيب شبكة تبريد مركزية تتوزع منافذها في جوانب المبنى، وفي الساحتين الداخليتين، والاستفادة من فتحات النوافذ العليا، والفراغات التي بين الأقواس في وضع منافذ توزع الهواء البارد على جميع مناطق المبنى .
12- تجديد مصابيح الإضاءة وتركيب قناديل وثريات ذات زجاج مزخرف عليه عبارات التوحيد، وقد بلغ مجموع الثريات المركبة 190 ثرية، ومجموع القناديل 678 قنديلاً، وجميعها مطلية بماء الذهب تصدر إضاءة بيضاء تشبه ضوء النهار دون أن يكون لها وهج حراري؛ لذلك يصبح المبنى عندما تضاء هذه المصابيح أشبه بلؤلؤة موشاة بخيوط من ذهب بتاريخ 3/5/1407هـ .
13- تظليل الساحتين الداخليتين : كانت التوسعة السعودية الأولى قد أنشأت ساحتين داخليتين في المسجد النبوي، أطلق عليها اسم : الحصبة الأولى والحصبة الثانية، وذلك بسبب فرشهما بالحصى الناعم لعدة سنوات قبل رصفهما بالرخام، وعندما بنيت التوسعة السعودية الثانية استوعبت التوسعة السعودية الأولى ، وصارت جزءاً من المبنى الكبير المترابط الأجزاء، وصارت الساحتان المذكورتان داخلتين فيها.
لذلك ولكي تكمل الاستفادة من كل جزء في هذه التوسعة، تقرر تظليل الساحتين الداخليتين، فأقيمت فيهما اثنتا عشرة مظلة، في كل واحدة ست مظلات بارتفاع السقف نفسه، وصنعت المظلات من قماش خاص سميك أبيض من الألياف الزجاجية فيه خطوط زخرفية جميلة، ونصبت فوق أعمدة رخامية زينت رؤوسها بتيجان نحاسية مزخرفة. فيها فتحات تتصل بتجويفات داخل الأعمدة، وتتصل في قاعدتها بشبكة تبريد الهواء.
وقد صممت المظلات لتكون قابلة للفتح والإغلاق بمحركات كهربائية ليس لها ضجيج، وعندما تكون المظلة مغلقة تتجمع أطرافها في اتجاه عمودي، وترتفع على شكل مئذنة رشيقة ذات نهاية مخروطية . وعندما تفتح تنتشر أجنحتها في الاتجاهات الأربعة، لتعطي انطباع السماء المفتوحة والأفق الممتد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق