كثر في السنوات الأخيرة الحديث عن
"الحداثة" و إشكالها و مقوماتها
و خصوصياتها و مظاهرها و أسبابها ... و قد اختصر هذا الأمر في البداية على الأقطار
الغربية لينتقل هذا الأمر فيما بعد إلى الأقطار الدولية المتخلفة عموما و الدول العربية على الخصوص. و نجد في الغرب
أن هذا الموضوع أخذ أبعادا أخرى حتى أصبحوا يتحدثون اليوم عن " ما بعد الحداثة"
و"ما بعد الميتافيزيقا" أو "ميتافيزيقا الحداثة، و غيرها من المستجدات
التي طرأت على الفكر الغربي عموما و الأوروبي خصوصا. أما في الواجهة الأخرى، أي عندنا،
نحن البلدان الإسلامية" المتخلفة" لا زلنا نخوض و نتخبط في إشكال "الحداثة"
و اللحاق بركبها.
إن الوضع المتخلف الذي تعيشه الدول العربية
و الإسلامية، جعل من خطاب "الحداثة" موجودًا أيضا في الخطابات و الأدبيات
السياسية و الفكرية و الثقافية
على العموم، رغم الاختلاف الذي يصل إلى التعارض في توجهاتها
و أهدافها، و رغم التباين في ممارستها و أساليب اشتغالها، و رغم عدم توفر بعضها على
أي رصيد يضفي نوعا من المصداقية على خطابها الذي يستعمل "الحداثة" بتهافت
واضح في غالب الأحيان، مما يؤدي إلى الخلط و الالتباس؛ في حين يوجد من يتحفظ من استعمال
"الحداثة", أو يدعو صراحة إلى تجنبها، أو في مقاومتها، بالنظر لما ينطوي
عليه مفهومها الاصطلاحي - حسب رأيهم- من فلسفة ظهرت و نشأت في بيئة مغايرة و تحمل في
طياتها من المبادئ ما يتعارض مع قيم المجتمع الإسلامي.
هكذا يرتبط الحديث عن "الحداثة" في المجتمع
الإسلامي بمختلف استعمالاتها: "الحداثة"،
"الحداثية"، "التحديث"، "التجديد"، "المعاصر"،
"الجديد"، "الإبداع" ... بمقابلها "التراث"، "التقليد"،
"التقليدانية"، "الأصالة" ، "القديم"، و بالصراع الخفي بين الحضارتين, "الحضارة
الإسلامية" و "الحضارة الغربية"، بل و داخل نفس الحضارة. و إذا كان
الأمر على هذا الحال، فما معنى الحداثة؟ هل هي مجرد كلمة لها معاني لغوية بسيطة، أم
أنها ذات حمولة تاريخية و فلسفية تتجاوز المضمون اللغوي العادي؟ و هل تبقى سجينة أبدية
و بكيفية مطلقة لتلك الحمولة،
أم أنها تقبل التطويع و التطبيق مع متغيرات الزمان و
المكان؟ أكيد أن الإجابة عن هذه الأسئلة سيجعلنا نتجاوز التعامل السطحي مع "الحداثة"، و الغوص في أعماق إشكالياتها
و أشكالها ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق