الخميس، 6 مارس 2014

الصراع الدرامي في مسرحية ابن الرومي في مدن الصفيح



 

  الصراع الدرامي في المسرحية
يتمثل الصراع الدرامي في صراع المثقف ضد الاستلاب والاستغلال من خلال صورة ابن الرومي الشاعر ورئيس المجلس البلدي وسماسرته المزيفين، وصراع أهل الحي القصديري ( حمدان ورضوان وسعدان)، ضد المقدم. وهذا ما يجسد الصراع الطبقي والاجتماعي بين الفقراء وأهل الجاه والسلطة. كما أن هناك صراعا بين الفكر المثالي (ابن دنيال- ابن الرومي في بداية المسرحية ووسطها) والفكر الواقعي (حمدان ورضوان وسعدان ودنيازاد وعريب)، وصراعا بين المستغلين بكسر الغين (المقدم –رئيس المجلس البلدي ...) والمستغلين بفتح الغين (كسعدان ورضوان وحمدان وابن الرومي وأشعب المغفل ...)، ناهيك عن الصراع بين الفن والواقع، وبين الانغلاق والانفتاح، وبين الذات والموضوع، وبين الماضي والحاضر. لكن هذا الصراع في جوهره ليس عموديا كما كان في التراجيديات اليونانية الكلاسيكية بين البطل والآلهة بل هو صراع أفقي بين الإنسان والإنسان .

الفضاء السينوغرافي
يقع النص في فضاءين متقابلين: بغداد التراث بأكواخها الفقيرة والمدينة المعاصرة التي قد تكون الدار البيضاء بأحيائها القصديرية أو مدينة معاصرة أخرى، دون أن ننسى الفضاء الاحتفالي وهو الخشبة بخيال ظلها. ويلاحظ أن هناك تداخلا في الأمكنة والأزمنة (الماضي/الحاضر) مما يجعل المسرحية تنزاح عن القاعدة الأرسطية (الوحدات الثلاث) في بناء النص المسرحي. لكن ما هي تجليات الاحتفالية في هذه المسرحية من حيث المعطى الدلالي والسينوغرافي؟

تجليات الاحتفالية في المسرحية
من أهم تمظهرات النظرية الاحتفالية في هذه المسرحية نجد التعيين الجنسي تحت اسم «احتفال مسرحي» بدل العرض المسرحي أو النص المسرحي، وهذا يدل على مدى انتماء النص إلى المسرح الاحتفالي الذي استبدل كثيرا من المصطلحات كتقسيم الفصول إلى لوحات احتفالية وتسمية الكتاب بالنص الاحتفالي. كما يحمل العنوان عنصر الإدهاش والفانتازيا والتغريب والمفارقة من خلال استخدام التراث في جدلية مع الواقع المعاصر والعزف على إيقاع تداخل الأزمنة: الحاضر والماضي. وتظهر الاحتفالية في اعتبار المسرح حفلا واحتفالا يشمل التمثيل والرقص والشعر والغناء والزجل، والثورة على الدقات التقليدية الثلاث والخشبة الإيطالية بمناظرها وكواليسها وستاراتها ونزع الأقنعة التي تذكرنا بنظرية التغريب البريختية وتكسير الجدار الرابع لأن ابن دانيال ودنيازاد ينطلقان من الصالة ليمرا إلى الخشبة كما في اللوحة الاحتفالية الأولى، وتتجلى أيضا في استخدام الذاكرة الشعبية كاستنطاق خيال الظل المرتبط بابن دانيال وتوظيف السينما والمسرح داخل المسرح (مسرحة الجواري الثلاث لمعلمتهن رباب وهي تصدر أوامرها)، والاعتماد على لغة متنوعة كالحوار والشعر والمنولوج والسرد الحكائي كما نجده لدى ابن دانيال علاوة على لغة الرقص والغناء .
وتحضر الاحتفالية في الواقعية الشعبية التي تتجسد في معانقة هموم الفقراء والطبقة الكادحة وتصوير مدن الصفيح ومعاناة سكانها من الطرد التعسفي والاستغلال والظلم وتهديدات أصحاب النفوذ والسلطة. كما تتجلى هذه الشعبية في ذلك التواصل الحميمي بين الممثلين والجمهور وبين الراوي والطبقة الشعبية وابن الرومي مع أهل حيه. كما تنتهي المسرحية بخاتمة احتفالية تتمثل في الأمل والتغيير والتبشير بمستقبل جديد ما دام هناك إرادة التحدي والإصرار والكفاح .
سينوغرافيا، وظف الكاتب تقنيات المسرح الفقير كالستائر والمصطبة والإطارات والنوافذ التي تشكل دور القصدير ودار ابن الرومي والدكاكين الصغيرة والساحة. أما الإكسسوارات والملحقات فكانت وظيفية واحتفالية كعربة خيال الظل والشمع وآلة العود والسبحة والأقنعة والمناشير والكتاب... كما تبدو الموسيقى التصويرية وظيفية تتلون سيميائيا وسياقيا وتتغير بتغير اللوحات والمشاهد الدرامية. وتتخذ الملابس دلالات سيميائية كأثواب الغجر عند ابن دنيال وابنته أو لباس العمال عند رضوان أو لباس الويسترن الأمريكي عند عاشور . إنها دلالات مختلفة ذات شفرة رمزية احتفالية. أما اللغة فهي لغة احتفالية تقوم على الحوار والشعر والرقص والغناء والفصحى والعامية والسخرية والمفارقة والفكاهة اللعبية. كما تتجلى الاحتفالية في تكسير الوحدات الثلاث: فهناك تعدد الأمكنة ( المدينة المعاصرة- بغداد ابن الرومي) وتداخل الأزمنة (الماضي والحاضر والمستقبل ) وتعدد الأحداث (قصة ابن الرومي- قصة سكان الحي القصديري مع المقدم) وتركيب اللوحات الدلالية المنفصلة التي تنزاح عن القالب الأرسطي الذي يتميز بالاتساق الدلالي (لوحة المدينة المعاصرة منفصلة دلاليا عن لوحة ابن الرومي على الرغم من وجود التوازي والتماثل البنيوي والإيقاعي ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق