السبت، 22 مارس 2014

جزاءات دفع غير المستحق


جزاءات دفع غير المستحق
ان دفع غير المستحق كما هو معلوم بتوفر شروطه تترتب عنه جزاءات، وبالتالي يؤدي الى نشوء دعوى الاسترداد دفع يغر المستحق ، والتي بتواجدها تقوم في نفس الوقت علاقة بين المدعي والمدعى عليه (الفقرة الاولى)، وذالك عن طريق التزام الموصى له برد ما حصل عليه من الوفاء غير الواجب، وهذا الالتزام في حد ذاته يختلف حسب الأحوال، اذ يتأثر بعامل حسن النية أو سوء النية (الفقرة الثانية) كما هذه الدعوى تعرف تقادما في مدتها والتي بانقضائها ينتج عنها سقوطها (الفقرة الثالثة) .
الفقرة الاولى: المدعي والمدعى عليه في دعوى الاسترداد.
المدعي هنا هو الدائن الذي يسترد ما دفع دون حق، والدائن هو من حصل الدفع من ماله لانه هو الذي افتقر، ويغلب أن يكون هو الذي تولى الدفع فعلا ، فيفتر أنه دفع من ماله.
وقد يكون الوكيل هو الذي تولى الدفع، فان كان قد دفع من مال الأصيل فالأصيل هو الدائن، وان كان قد دفع من ماله الخاص ولم يجز الاصيل الدفع كان الوكيل هو الدائن، والمفروض في الوكيل اذا دفع عن الاصيل أنه يدفع من مال الاصيل لا من ماله هو، وقد يكون النائب – الوصف أو القيم أو ناظرا للاوقاف- هو الذي تولى الدفع عن الاصيل وحكمه في ذالك حكم الوكيل على النحو السابق.
واذا دفع الكفيل أكثر من الدين الذي في ذمة المكفول، كان هو الدائن بقدر زيادة، ويجوز لدائني الدائن أن يستعملوا حقه فيطالبوا باسترداد المدفوع دون حق طبقا للقواعد الدعوى غير المباشرة، ويجوز كذالك لورثة الدائن بعد موته أن يستعملوا هذا الحق آل إليهم بالميراث .
أما المدعى عليه فهو المدين في دعوى غير المستحق، وهو المدفوع له بغير وجه حق، ولو حصل الدفع لوكيله أو نائبه.
على أنه متى كان المدفوع له ناقص الاهلية، قاصرا أو محجورا عليه، فانه يحاط بالرعاية ولا يلتزم الا بقدر ما عاد عليه من نفع، أي ما انتفع به فعلا لا حكما .
الفقرة الثانية: مدى الاسترداد وتأثره بحسن او سوء نية المثري
ان من تسلم شيء غير مستحق يجب عليه أن يرده، وفق ما جاء في كتاب وزارة العدل " تتغير أثار دفع غير المستحق بالنظر الى حسن او سوء نية الشخص الموفى له ، وبالنظر الى محل الوفاء" ، وقد تناولت هذا الموضوع مجموعة من التشريعات على راسها التشريع الفرنسي في المادة 1378 والاسباني في المادة 1896 والتونسي في المادة 80 والمصري في المادة 185 والأردني في المادة 300 والعراقي في المادة 233 من القانون المدني ، بينما المشرع المغربي تطرق اليه في الفصل 75 من قانون الالتزامات والعقود، حيث جاء فيه " من أثرى بغير حق إضرار بالغير لزمه أن يرد له عين ما تسلمه، اذا كان مازال موجودا أو أن يرد له قيمته في يوم تسلمه اياه، اذا كان قد هلك او تعيب بفعله أو بخطئه، فهو ضامن في حالة التعيب والهلاك الحاصل بقوة قاهرة من وقت وصول لاشيء اليه اذا كان قد تسلمه بسوء نية، والمحرز بسوء النية يلتزم أيضا برد الثمار أيضا والزيادات والمنافع التي جناها وتلك التي كان من واجبه ان يجنيها لو أحسن الادارة وذالك من يوم حصول الوفاء له أو من تسلمه الشيء بغير حق، واذا كان المحرز حسن النية، فانه لا يسأل الا في حدود ما عاد عليه ومن تاريخ المطالبة"
1-
المدفوع له حسن النية: والذي معناه هنا، أن المدفوع له يعتقد انه يتسلم ما هو مستحق له ، وعلى الدافع هنا أن يثبت سوء نية المدفوع له.
واذا كان المدفوع نقود فان المدفوع له يرد مثل هذا المبلغ لا يلتزم برد الفوائد الا من يوم رفع الدعوى ، أي اذا أصبح سيء النية. وهذا ما قضت به المحكمة المصرية ، والتي جاء في مقالها بانه " متى قضى بحكم جائز لقوة الامر المقضي بزوال سبب التزام الزوج باداء النفقة التي تعهد بأدائها فان مؤدى ذالك ان تلتزم الطاعنة (الزوجة) برد ما قيمته تنفيذا لحكم النفقة ، وأن وفاء المطعون هذه المبالغ يعتبر بعد زوال التزامه وفاء بما ليس مستحقا، ولا يفترض فيه التبرع اذا لم يكن هذا الوفاء عن اختيار وانما عـن اكراه وتـحـت تأثير وأمر الاداء الصادرة بهذه النفقة بالنفاذ المعجل"
اما اذ كان محل الوفاء أو المدفوع عين معينة بالذات، فانه يجب أن يرد فحسب عن الشيء الذي تسلمه، وهو على الحالة التي يوجد عليها وقت تقديم الطلب ،وبمقتضى هذا فانه لا يكون ملزما بتعويض الدافع عن انخفاض القيمة المترتبة عن القدم ، أو من استعمال الشيء أثناء وجوده في حوزته. سواء كان هذا الشيء سيارة أو فرسا أو أرضا او منزلا، فان ملكية العين تعود الى الدافع، ولو في استرداد العين دعويان، دعوى عينية هي دعوى الاستحقاق، ودعوى شخصية هي دعوى غير المستحق.
بينما اذا كان الشيء مثمرا فلا يلتزم بردها مادام حسن النية، لانه تملكها بالقبض ،ويلتزم بردها اذا أصبح سيء النية ومن وقت أن اصبح كذالك . وهذا ماجاءت به محكمة النقض المصرية بانه: " في نطاق تطبيق أحكام القانون المدني يقضي التفريق بين لاشيء المأخوذ وثمرته وبين الأخذ بحسن نية ، مع العلم بذالك والاخذ بحسن نية دون العلم فيقتضيه في كل حال رد الشيء المأخوذ، اما الثمرة فتبقى اذا كان أخذ الشيء بسوء النية وعالما بذالك واجبة الرد، اذا كان وقع بسلامة النية ودون علم فلا رد للثمرة .
الا أنه اذا أنفق على الشيء مصروفات، وكانت لازمة لحفظه وصيانته، فانه يستردها جميعها من الموفي المسترد، أما اذا كان المصروفات تزيد في قيمة الشيء دون أن تكون ضرورية لحفظه أو صيانته، فان المسترد يختار بين دفعها بين دفع ما زاده الشيء بسبب انفاقها، اذا طلب الموفى له نزع ما أضيف له بانفاق هذه المصارف وما يكون قد أنفقه متلقي الوفاء من مصارف كمالية لتزيين الشيء، لا يلتزم المسترد أن يدفع منها شيئا، ويجوز للموفى له أن يطالب نزع ما أضيف بها اذا اختارها المسترد استبقاءه في مقابل دفع قيمة مستحق الإزالة .
أما في حالة هلاك العين أو تلفها أو ضياعها، فالمدفوع له اذا كان حسن النية لا يكون مسئولا الا اذا وقع بخطأ منه وعلى الدافع اثباته، أما اذاكان انتفع بالعين فلا يسال الا بقدر المنفعة، كما اذا انتفع بأنقاض منزل، وللدافع أن يسترد الشيء التالف بحالته
أما اذا خرجت العين من يد المدفوع له وكان حسن النية فلا يسال الا بقدر ما أخذ منه عوض، فان كان التصرف تبرعا لم يسأل في لاشيء .
2-
المدفوع له سيء النية: ويكون ذالك عندما يثبت الدافع ان المدفوع له سيء النية وقد نص المشرع المغربي على ذالك في الفصل 75 من قانون الالتزامات والعقود كما سبق ذكره، فإذا كان هذا المدفوع نقودا التزام المدفوع له هنا برد مبالغ هذه النقود بجانب فوائدها من يوم قبضها، أو بتغير سعرها، وهذا ما جاء في طيات ملفات القضاء المصري بأنه " تطبيقا لرد الفوائد عن النقود التي أخذت بغير حق، قضت محكمة النقض بأنه لا مخالفة للقانون في القضاء بإلزام المقرض بالربا الفاحش بفوائد المبالغ المحكوم عليه بردها محسوبة من تاريخ قبضها" بينما اذا كان المدفوع له أشياء مثلية، ردها بالمقدار الذي أخذ
أما اذا تسلم المدفوع له سيء النية شيئا له معينا بذاته، التزم برده، وكذا رد ثماره التي جناها فعلا وكذا تلك التي قصر في جنيها، واذا كان قد أنفق على الشيء مصروفات ضرورية كان له مطالبة المسترد بها كلها، بحسن نية، أما المصارف النافعة فالمسترد الخيار بين مطالبته بإزالة ما اضيف بها الى لاشيء، دون أن يحدث فيه تلفا وبين أن يؤخذ الإضافة باقل قيمتين قيمتها مستحق الإزالة وقيمة ما زاد يف الشيء بسببها الا أنه من ناحية هلاك العين أو تلفها اذا كان نتيجة قوة قاهرة، فان المثري سيء النية في هذه الحالة يضمن التلف أو الهلاك ويلزم في هذه الحالة بأن يرد لصاحبها قيمتها في تسلمه أيها مع الزيادات والثمار والمنافع التي جناها وتلك التي قصر يف جنيها، من يوم تسلم العين حتى تلفها او هلاكها الا اذا أثبت أنها كانت تستهلك في يد صاحبها أما اذا اخرج هذه العين من ذمته بالتصرف فيها معاوضة كان عليه أن يرد قيمتها أو المقابل الذي حصل عليه من التصرف فيها باختيار صاحبها، أما ان كان تبرع بها، فهو يلتزم بقيمتها .


الفقرة الثالثة: سقوط دعوى الاسترداد.
ان سقوط دعوى الاسترداد غير المستحق في حد ذاتها لا يمكن أن نقول انها موجودة بالفعل، الا عندما يكون الموفي له حسن النية ، غير ملزم بالرد في حالة اذا ما أتلف او ابطل سند الدين، أو تجرد من ضمانات دينه، أو ترك دعواه هذا المدين الحقيقي تتقادم، وقد نصت على هذا الامر مجموعة من التشريعات العربية وعلى المشرع المغربي في الفصل 68 من ق.ل.ع والذي جاء في قوله" .... ولكن هذا الأخير لا يلتزم بالرد، اذا كان قد أتلف أو ابطل حاجة الدين، أو تجرد من ضمانات دينه أو ترك دعواه ضد المدين الحقيقي تتقادم وذالك عن حسن النية، ونتيجة للوفاء الذي حصل له وفي هذه الحالات لا يكون لمن دفع الرجوع على المدين الحقيقي " .
بينما المشرع الموريتاني من خلال المادة 88 جاء مطابقا لمقتضيات التشريع المغربي وفق الفصل السابق الذكر، أما من ناحية المشرع المصري فقد تطرق الى هذا الموضوع من خلال 184 من القانون المدني ، ففي مثل هذه الحالة كما تم الإشارة اليها في الفصل 68 يفقد الموفي كل الحق له الموفى له ولا يكون له الا الرجوع على الدائن الحقيقي ويلتزم هذا الأخير في هذه الحالة بتعويض الشخص الذي قام بالوفاء، الا أنه لكي تحصل هذه الحالة ، لا بد أن يكون هناك دائن بدين حقيقي في مواجهة شخص معين، وأن يقوم شخص آخر بوفاء هذا الدين للدائن، أن يضيع الدائن حاجة أو أن يفقد الدائن الضمانات التي كانت تضمن الوفاء بالدين، كان يتنازل عن الرهن الضامن له أو يترتب على الوفاء أن بهمل الدائن ومطالبته بحقه فيسقط بالتقادم .
الا أنه اذا توفرتا هذه الشروط وسقطت دعوى المدعي فأن حقه عندئذ بصفة نهائية، بل له الحق أن يطالب باسترداد ما دفعه لا في مواجهة الموفي له ، ولكن في مواجهة المدين الحقيقي ، وذالك على اساس القاعدة العامة في الاثراء بلا سبب، لذا أشار المشرع المغربي الى مدة تقادم الحق في الفصل 389 من قانون الالتزامات و والعقود، والذي جاء في مقتضياته على أنه " كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمس عشرة سنة، فيما عدا الاستثناءات الواردة في ما بعد، والاستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة " يلاحظ من هذا الفصل أن المشرع المغربي حصر مدة التقادم في الدعاوى الناشئة عند الالتزام من خمسة عشر سنة، ما عدا في الحالات الاستثنائية.
على خلاف التشريع المغربي، نجد أن المشرع المصري تناول مسالة تقادم دعوى غير المستحق في المادة 187 من قانونه المدني والتي نصت على أن " تسقط دعوى استرداد ما دفع بغير حق بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من دفع غير المستحق بحقه في الاسترداد، وتسقط الدعوى كذالك في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشر سنة من اليوم الذي ينشا فيه هذا الحق" .
يتضح من خلال المادة السالفة الذكر ان سقوط دعوى غير المستحق تتمثل في أقصر المادتين الآتيتين:
1-
ثلاث سنوات تسري من اليوم الذي يعلم الدافع بحقه في الاسترداد.
2-
خمس عشر سنة تسري من يوم قيام الالتزام من يوم دفع غير المستحق.
وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية بأنه " متى كانت مبالغ المعاش التي استولى عليها الطاعن قد دفعت ونشا الحق في استردادها في ظل القانون الملغى، واستمر هذا لاحق قائما الى تاريخ العمل بالقانون المدني الجديد، فان الدعوى باستردادها لا تسقط الا بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه بدفع غير المستحق بحقه في الاسترداد أو بانقضاء خمس عشر سنة من تاريخ نشوء هذا الحق، أي المدتين أقصر" .

ان الاثراء بلا سبب أن ذكرنا يعد احدى مصادر الالتزام بجانب كونه يتمثل في تطبيقين هما الدفع غير المستحق والفضالة، الا أنه ما يلاحظ أن المشرع المغربي وعلى اختلاف التشريعات الاخرى العربية والاجنبية تناول مسألة الاثراء بلا سبب من خلال كتاب قانون الالتزامات والعقود في بابين مختلفين رغم كون الموضوع يعد لحمة واحدة ، اذ انه تناول القاعدة العامة للثراء بلا سبب في الباب الثاني من القسم الاول لمصادر الالتزام والذي بحث فيه مسالة غير المستحق كتطبيق للنظرية من الفصل 66 الى 76، أما الفضالة فقد بحثهما في الباب الخامس من القسم السادس وجعلها من اشباه العقود المنزلة منزلة الوكالة وخصها بالفصول من 943 الى 958 من قانون الالتزامات والعقود.
لذا نحن في نظرنا كباحثين نتمنى من المشرع المغربي ومن خلال كتاب قانون الالتزامات والعقود ن أن يقوم بتوجيه موضوع الاثراء بلا سبب في باب واحد،ه وذالك بوصفه في المكان المناسب به ، الا وهو القسم الاول بمصادر الالتزام حتى يسهل طريق البحث بالنسبة للطلبة ، بل حتى للفقهاء القانونيين وكذا الاجتهاد القضائي.

هناك تعليق واحد: