السبت، 1 مارس 2014

خلق مكارم اخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم




قصّتان طريفتان عن خلق الرسول(ص)

الاُولى : عن الأَمام موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع): «إنّ يهودياً كان له على رسول الله (ص) دنانير فتقاضاها فقال له: يا يهودي ما عندي ما اعطيك، فقال: فانّي لا أُفارقك يا محمّد حتّى تقضيني، فقال: إذن أجلس معك . فجلس معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله (ص) يتهدّدونه ويتوعّدَونه  فنظر رسول الله (ص) إليهم فقال: ما الذي تصنعون به ؟ فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك؟! فقال (ص): لم يبعثني ربّي عزوجلّ بأن أظلم معاهداً ولا غيره . فلمّا علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإنّي قرأت نعتك في التوراة: محمّد بن عبدالله مولده بمكّة، ومهاجره بطيبة وليس بفظّ ولا غليظ ولا صخّاب ولا متزين بالفحش ولا قول الخناء، وأنا أشهد أن لا اله إلاّ الله وأنّك رسول الله وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله ، وكان اليهودي كثير المال...» .

الثانية: ما ورد عن الأَمام الصادق (ع) قال: «جاءَ رجل إلى  رسول الله (ص) وقد بلي ثوبه ـ يعني ثوب رسول الله (ص) ـ فحمل اليه اثني عشر درهماً، فقال (ص):  يا علي خذ هذه الدراهم فاشتر لي ثوباً ألبسه . قال علي (ع): فجئت إلى  السوق فاشتريت له قميصاً باثني عشر درهماً وجئت به إلى رسول الله (ص) فنظر اليه فقال: يا علي غير هذا أحب إليّ أترى صاحبه يقيلنا؟ فقلت: لا أدري، فقال: إنظر . فجئت إلى صاحبه فقلت : إنّ رسول الله (ص) قد كره هذا، يريد ثوباً دونه، فأقلنا فيه، فردّ علىّ الدراهم، وجئت بها إلى رسول الله (ص) فمشى معي إلى السوق ليبتاع قميصاً، فنظر إلى جارية قاعدة على الطريق تبكي، فقال لها رسول الله (ص): ما شأنك؟ قالت: يا رسول الله أنّ أهلي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة فضاعت فلا أجسر أن أرجع اليهم، فاعطاها رسول الله (ص) أربعة دراهم، وقال: إرجعي إلى أهلك، ومضى رسول الله (ص) إلى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم ولبسه وحمد الله . وخرج فرأى رجلاً عرياناً يقول: مَنْ كساني كساه الله من ثياب الجنّة، فخلع رسول الله (ص) قميصه الذي اشتراه وكساه السائل ثمّ رجع إلى السوق، فاشترى بالأربعة التي بقت قميصاً آخر، فلبسه وحمد الله ورجع إلى منزله فإذا الجارية قاعدة على الطريق تبكي، فقال لها رسول الله (ص): ما لكِ لا تأتين أهلكِ؟ قالت: يا رسول الله إنّي قد أبطأت عليهم أخاف أن يضربوني، فقال رسول الله (ص): مرّي بين يديّ ودليني على أهلكِ، وجاء رسول الله (ص) حتى وقف على باب دارهم ثمّ قال: السلام عليكم يا أهل الدار، فلم يجيبوه، فأعاد السلام فلم يجيبوه فأعاد السلام فقالوا: وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال لهم: ما لكم تركتم إجابتي في أوّل السلام والثاني؟ فقالوا: يا رسول الله سمعنا سلامك فأحببنا أن نستكثر منه، فقال رسول الله: إنّ هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤذوها، فقالوا: يا رسول الله هي حرّة لممشاك، فقال رسول الله (ص): الحمد لله، ما رأيت إثني عشرة درهماً أعظم بركة من هذه، كسى الله بها عريانين وأعتق رقبه» .

هذه بعض الأمثلة من أخلاق سيّد البشرية الرسول الأكرم (ص) وما هي إلاّ غيضٌ من فيض وقطرة من بحر، وكفاه ما مدحه به ربّه بقوله تعالى: «وإنّك لعلى خلق عظيم» وكفى بذلك مدحةً، وقيل أنّ سبب نزول هذه الآية أنّه كان (ص) قد لبس برداً نجرانياً ذا حاشية قويّة، فبينما هو يمشي إذ جذبه أعرابي من خلفه فحزّت في عنقه  وقال له: أعطني عطائي يا محمّد، فالتفت إليه (ص) مبتسماً وأمر له بعطائه .

وأمّا أهل بيته المعصومين (ع) أجمعين فقد ورثوا علوم الأنبياء وفضائلهم وأخلاقهم، سيّما جدّ هم المصطفى (ص) فكانوا قمّة شامخة في السيرة الحسنة والخلق الرفيع وإليك بعض الأمثلة:

ورد عن أبي محمّد العسكري (ع) أنّه قال: «ورد على أمير المؤمنين (ع) أخوان له مؤمنان أب وابن فقام اليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه وجلس بين يديهما، ثمّ أمر بطعام فاُحضر فأكلا منه ثمّ جاء قنبر بطست وإبريق خشب ومنديل، فأخذ أمير المؤمنين (ع) الإبريق فغسل يد الرجل بعد أن كان الرجل يمتنع من ذلك وتمرّغ في التراب وأقسم له أمير المؤمنين (ع) أن يغسل مطمئناً كما كان يغسل لو كان الصاب عليه قنبر ففعل، ثمّ ناول الإبريق محمّد بن الحنفية وقال: يا بني لو كان هذا الإبن حضرني دون أبيه لصببت على يده ولكنّ الله عزوجل يأبى أن يسوّي بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان، ولكن قد صبّ الأب على الأب فليصبّ الإبن على يد الإبن فصبّ محمّد بن الحنفية على يد الإبن .

ثمّ قال العسكري (ع): فمن اتّبع علياً على ذلك الشيعي حقاً»[6].

ومن الأمثلة على أخلاقهم سلام الله عليهم ما ورد عن الحسين (ع) من أنّه قد جنى غلامٌ له جناية توجب العقاب فامر به أن يضرب فقال الغلام: يا مولاي والكاظمين الغيظ . قال: خلّوا عنه . فقال: يا مولاي والعافين عن الناس . قال: قد عفوت عنك ، قال: يامولاي والله يحب المحسنين، قال: أنت حرّ لوجه الله ولك ضعف ما كنت أُعطيك[7].

وروي أنّه وقف على الأَمام علي بن الحسين (ع) رجل من أهل بيته  فاسمعه وشتمه، فلم يكلّمه، فلما إنصرف قال الأَمام (ع) لجلسائه: لقد سمعتم ما قال هذا الرجل ، وأنا أُحب أن تبلغوا معي إليه حتّى تسمعوا منّي ردّي عليه، فقالو  له: نفعل، ولقد كنّا نحب أن يقول له ويقول،فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: «وَالكاظِمِينَ الغَيظَ وَ العافِينَ عَنِ النَّاسِ والله يُحِبُّ المُحسِنيِنَ» -ال عمران/ 134 - فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً .



قال: فخرج حتّى أتى منزل الرجل، فصرخ به، فقال: قالوا له هذا علي بن الحسين،قال: فخرج متوثّباً للشرّ وهو لايشك أنّه إنّما جاء مكافئاً له على بعض ما كان منه فقال له علي ابن الحسين (ع): يا أخي إنّك وقفت عليّ آنفاً وقلت ما قلت فإن كنت قلت ما فيّ فأستغفر الله منه، وإن كنت قلت ماليس فيّ فغفر الله لك، قال: فقبّله الرجل بين عينيه وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحقّ به .

هذه هي سيرة الرسول وأهل بيته والتي تشكّل التطبيق العملي للمنهج والنظريّة التي رسمتها السماء لتكامل الإنسان ورقيّه والتي ينبغي لكلّ إنسان فضلاً عن الإنسان المسلم أن يقتدي بهم في حياته وسلوكه قال الله تعالى: «ولَكُمْ في رَسُول الله أُسوة حسنة» - الأحزاب/ 21 - وهذا ما أشار له الأَمام الصادق (ع).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق