الثلاثاء، 25 مارس 2014

النقود السلعية




في عصر التشريع كان الغالب في سعر الصرف الدينار بعشرة دراهم ولذا كان نصاب الزكاة عشرين دينارا أو مائتي درهم وبالبحث في النصاب ووزن كل من الدينار والدرهم نجد أن قيمة الذهب كانت سبعة أضعاف قيمة الفضة ومع أن الذهب والفضة يتميزان بالاستقرار النسبي غير أن العلاقة بينهما لم تظل ثابتة فتغير سعر الصرف من وقت لآخر بل وجدنا في عصرنا - الفضة تهبط إلى ما يقرب من واحد في المائة ( 1 % ) من قيمة الذهب .
كما أن العلاقة بينهما وبين باقي الأشياء لم تظل ثابتة مثال هذا عندما غلت الإبل في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فزاد مقدار الدية من النقدين .
إن هذه الزيادة تعنى أن النقود انخفضت قيمتها بالنسبة للإبل ولكن الأمر لم يكن قاصرا على الإبل فغيرها قد يرتفع ثمنه وقد ينخفض وارتفاع الثمن يعنى انخفاض قيمة النقود وانخفاض ثمن السلع يعنى ارتفاع النقود .
غير أن الزيادة أو النقصان لم تكن بالصورة التي شهدها عصرنا عصر النقود الورقية وعلى الأخص بعد التخلي عن الغطاء الذهبي ولجوء بعض الدول أو اضطرارها إلى خفض قيمة ورقها النقدي .
والغلاء الفاحش الذي ساد عصرنا لم يكن سائدا في الدول الإسلامية من قبل لالتزامها بمنهج الإسلام أو قربها منه فالاقتصاد الإسلامي يعنى زيادة الإنتاج وعدالة التوزيع وترشيد الاستهلاك . والإسلام يمنع الوسائل التي تؤدى إلى غلاء الأسعار كما هو معلوم لمن يدرس البيوع المنهي عنها وينهى عن ظلم المسلمين بكسر سَكَّتِهِم وإفساد أموالهم .
جاء في البيان والتحصيل : 6/474 ما يأتي :
قال محمد بن رشد : ( الدنانير التي قطعها من الفساد في الأرض هي الدنانير القائمة التي تجوز عددا بغير وزن فإذا قطعت فردت ناقصة غش بها الناس فكان ذلك من الفساد في الأرض وقد جاء في تفسير قوله عز وجل قال : { يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } إنهم أرادوا بذلك قطع الدنانير والدراهم لأنه كان نهاهم عن ذلك وقيل : إنهم أرادوا بذلك تراضيهم فيما بينهم بالربا الذي كان نهاهم عنه وقيل : إنهم أرادوا بذلك منعهم للزكاة وأولى ما قيل في ذلك : إنهم بذلك جميع ذلك وأما قطع الدنانير المقطوعة فليس قطعها من الفساد في الأرض وإنما هو مكروه ) .
 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
(ينبغي للسلطان أن يضرب لهم فلوسا تكون بقيمة العدل في معاملاتهم من غير ظلم لهم ولا يتجر ذو السلطان في الفلوس أصلا بأن يشتري نحاسا فيضربه فيتجر به وبأن يحرم عليهم الفلوس التي بأيديهم ويضرب لهم غيرها بل يضرب ما يضرب بقيمته من غير ربح فيه للمصلحة العامة ويعطي أجرة الصناع من بيت المال فإن التجارة فيها بابا عظيم من أبواب ظلم الناس وأكل أموالهم بالباطل فإنه إذا حرم المعاملة بها حتى صارت عرضًا وضرب لهم فلوسا أخرى : أفسد ما عندهم من الأموال بنقص أسعارها فيظلمهم فيها وظلمهم فيها بصرفها بأغلى سعرها .
وأيضًا فإذا اختلفت مقادير الفلوس صارت ذريعة إلى أن الظلمة يأخذون صغارا فيصرفونها وينقلونها إلى بلد آخر ويخرجون صغارها فتفسد أموال الناس وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم (( أنه ينهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس )) فإذا كانت مستوية المقدار بسعر النحاس ولم يشتر ولي الأمر النحاس والفلوس الكاسدة ليضربها فلوسًا ويتجر بذلك : حصل بها المقصود من الثمنية ) (1)
وقال ابن القيم :
( فإن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات والثمن هو المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال فيجب أن يكون محدودًا مضبوطًا لا يرتفع ولا ينخفض إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات ، بل الجميع سلع ، وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة ، وذلك لا يمكن إلا بسعر تعرف به القيمة، وذلك لا يكون إلا بثمن تقوَّم به الأشياء ويستمر على حالة واحدة ولا يقوّم هو بغيره ، إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض ، فتفسد معاملات الناس ويقع الخلف ويشتد الضرر كما رأيت من فساد معاملاتهم والضرر اللاحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح فعم الضرر وحصل الظلم ولو جعلت ثمنا واحدا لا يزداد ولا ينقص بل تقوم به الأشياء ولا تقوم هي بغيرها لصلح أمر الناس فلو أبيح ربا الفضل في الدراهم والدنانير مثل أن يعطى صحاحا ويأخذ مكسرة أو خفافا ويأخذ أثقالا اكثر منها لصارت متجرا أو جر ذلك إلى ربا النسيئة فيها ولابد فالأثمان لا تقصد لأعيانها بل يقصد التوصل بها إلى السلع فإذا صارت في أنفسها سلعة تقصد لأعيانها فسد أمر الناس وهذا معنى معقول يختص بالنقود لا يتعدى إلى سائر الموزونات ) (2) وفي المعيار المعرب لأبي العباس الونشريسي : ( ج6/ص407 ) تحت عنوان : ( ما يجب على الوالي أن يفعله إزاء مرتكبي التزوير في النقود ) نجد ما يأتي ( ولا يغفل النظر أن ظهر في سوقهم دراهم مبهرجة مخلوطة بالنحاس بأن يشتد فيها ويبحث عمن أحدثها فإذا ظفر به أناله من شدة العقوبة وأمر أن يطاف به الأسواق لينكله ويشرد به من خلفه لعلهم يتقون عظيم ما نزل به من العقوبة ويحبسه بعد على قدر ما يرى ويأمر أوثق من يجد بتعاهد ذلك من السوق حتى تطيب دراهمهم ودنانيرهم ويحرزوا نقودهم فإن هذا أفضل ما يحوط رعيته فيه ويعمهم نفعه في دينهم ودنياهم ويرتجي لهم الزلفي عند ربهم والقربة إليه إن شاء الله المكيال والميزان والإمداد والأقفزة والأرطال والأواقي ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق