الاثنين، 3 مارس 2014

قيمة تعريف مصطلح التسامح الديني



تسامح ديني


مصطلح يُقصد منه التسامح بين أتباع الأديان بحيث يحترم الحرية الشخصية لكل شخص يؤدي شعائره وطقوسه الدينية.
والمعنى السائد للتسامح الديني يقوم على مبدأ قبول الآخر باختلافه وتباينه. ولكن التسامح الديني في معناه العميق اليوم يرتكز إلى مبدأ فلسفي وديني طليعي وهو القول بالوحدة الكونية والإنسانية. يقبل هذا المبدأ بالفروقات والاختلافات الدينية والثقافية على أنها طرق أخرى في فهم الله والإنسان والكون. فالتسامح, بهذا المعنى, ليس مساومة فكرية أو دينية، كما أنه بالمقابل لا يلغي الخصائص والمميزات الفريدة, ولا يقفز فوق الفوارق الدينية والحضارية, إنه الاعتراف الهادئ بوجود التباينات, ومن ثم احترام هذه التباينات باعتبارها إثراء للوجود البشري ودعوة إلى التعارف والتثاقف {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات:13).‏
التسامح الديني !! العنوان الأكثر بريقا للكتاب، والأكثر أهمية بين السياسيين، والأكثر شعبية بين الناس.. وحيث أن الكتاب يتلمسون مدى التصاق الدين بالحياة اليومية للناس، ومدى توقهم للتسامح الديني، فيتخذونه وسيلة لتوسيع شعبيتهم تارة، وليدسوا من خلاله افكارهم تارة أخرى. يلهثون وراء هذا الموضوع، لحماية مصالحهم، وتوسيع قاعدة جماهيرهم، فيحققون المكاسب المادية والمعنوية الممتازة، أما البسطاء من الناس يتلقون هكذا موضوع بفطرتهم، فطرة الإنسان التي خلقه الله عليها.. ويبقى التسامح الديني، مفهوم موجود عند الجميع، مع اختلاف المعتقدات والأفكار والمصالح، علماً أن الأديان جميعها، لم تطالب بالتسامح الديني فحسب، بل أمرت به، رافضة فكرة التمسك بغير الله عز وجل.. بل إن الأديان جميعها، أمرت بالتسامح والتعايش بين أبناء الأرض قاطبة، حتى تلك الخارجة عن طاعة الله الواحد
قيمة التسامح الديني

إن ما يجب تسليط الضوء عليه هو أن أهمية التسامح الديني تتمثّل في كونه ذا بُعد وُجودي، أي أنه ضروري ضرورة الوجود نفسه. ولتوضيح ذلك يمكن الإلماع إلى أن سُنّة الوجود قد اقتضت أن يكون وجود الناس على الأرض في شكل تجمّعات بشرية، وهي وإن اتّفقت في ما يجمع بينها من وحدة الأصل والحاجة إلى التجمّع والحرص على البقاء والرغبة في التّمكّن من مقوّمات الحياة والسّعي في إقامة التمدّن والعمران والتَّوق إلى الارتقاء والتقدّم فإنها قد تباينت في ما تتفرّد به كل مجموعة من خصوصية عرقية ودينية وبيئية وثقافية. وقد صرّح القرآن بهذه الحقيقة الوجودية فقال: {يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} (1)

موقف الأديان من التسامح الديني
من البديهي أن الأديان بحكم انتمائها إلى السماء، فإنها لا تأمر إلاّ بالخير والحق والصلاح ولا تدعو إلاّ بالبِرّ والحب والرحمة والإحسان، ولا توصي إلاّ بالأمن والسلم والسلام، وما كانت يوماً في حدِّ ذاتها عائقاً أمام التبادل والتلاقح والتَّثاقف ولا أمام التعايش والتعارف والحوار، وإنما العائق يكمن في الذين يتوهّمون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة ويستغلّون الأديان في أقدار الناس ومصائرهم، تلك المهمة التي أبَى الله تعالى أن يمنحها لأنبيائه الأخيار.

إن الإسلام من جهته يعترف بوجود (الغير) المخالف فرداً كان أو جماعة ويعترف بشرعية ما لهذا (الغير) من وجهة نظر ذاتية في الاعتقاد والتصوّر والممارسة تخالف ما يرتـئيه شكلاً ومضموناً. ويكفي أن نعلم أن القرآن الكريم قد سمّى الشِّرك ديناً على الرغم من وضوح بطلانه، لا لشيء إلاّ لأنه في وجدان معتنقيه دين


ومن هنا، فإن جريمة المشركين لم تكن في إعراضهم عن الإسلام، وإنما في كونهم رفضوا أن يعيش دين جديد بجوار دينهم، فقرّروا مَحْقَه واستئصاله من الوجود.

هذا وقد أوصَل بعضهم الآيات الواردة في شأن احترام الأديان الأخرى واحترام خصوصيتها واتباعها إلى أكثر من مائة آية موزّعة في ست وثلاثين سورة.

ولم يكتف القرآن بتشريع حرية التديّن، بل نجده قد وضع جملة من الآداب، يمكن عَدّها بيداغوجية للتسامح الديني، فقد دعا المسلمين إلى أن يكونوا لغيرهم موضع حفاوة ومودّة وبِر وإحسان. قال تعالى: {لا ينهاكم اللهُ عن الذين لم يُقاتلُوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتُقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}(4).

وإتساقاً مع تلك الدعوة إلى حُسن التعامل، نرى القرآن يحذّر أتباعه ويَنهاهم عن سَبّ المشركين وشتم عقائدهم، {ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عَدْواً بغير علم} (5). يشير مضمون الآية إلى كونها تلقين مستمر المدى حيث أوجب الله تعالى في كل زمان ومكان الالتزام بهذا الأدب وعدم شتم غيرهم وعقائدهم (6).

والواقع أن المرء إذ ا نظر إلى تلك المبادئ المتعلقة بموضوع حرية التديّن التي أَقَرَّها القرآن بموضوعية، لا يسعه إلاّ الاعتراف بأنها فعلاً مبادئ التسامح الديني في أعمق معانيه وأروع صوره وأبعد قِيمه.

والصحيح أن الإسلام لم يكن وحده في اشتماله على مبادئ التسامح، فالمسيحية التي تقول أناجيلها..

* لقد قيل لكم من قبل أن السنّ بالسنّ والأنف بالأنف، وأنا أقول لكم: لا تقاوموا الشرّ بالشرّ بل من ضرب خدّك الأيمن فحوّل إليه الخد الأيسر ومن أخذ رداءك فأعطه ازارك ومن سخّرك لتسير معه ميلاً فسر معه ميلين (7).

* من استغفر لمن ظلمه فقد هزم الشيطان (8).

* عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنّوا إليكم وإن متّم بكوا عليكم (9).

هي بدورها تتضمّن مبادئ التسامح في أَجْلى صوره، بل إنه تسامح يبدو أحياناً فوق الطاقة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق