الخميس، 27 مارس 2014

كَيْفِيَّةُ حُدُوثِ صَوْتِ الْقَلْقَلَةِ ِفي جِهَازِ النُّطْقِ



كَيْفِيَّةُ حُدُوثِ صَوْتِ الْقَلْقَلَةِ ِفي جِهَازِ النُّطْقِ
من خلال الأبحاث السابقة عرفنا أن الحروف الساكنة تخرج بالتصادم بين طرفي عضوي المخرج , والحروف المتحركة تخرج بالتباعد بين طرفي عضو المخرج ,وبأن حروف المد واللين تخرج باهتزاز الأوتار الصوتية في الحنجرة ,إذن فكيف تحدث أصوات القلقلة ؟ وكيف ينطق القارئ بها نطقا سليما من غير شائبة حركة من الحركات الثلاث ؟ وللكلام على ذلك لا بد للإنسان أن يكون واضح في ذهنه شيئين :
1.
أن هناك أصوات تخرج بالتصادم بين عضو المخرج وهي الأصوات ( الصوامت أو الجوامد ) ويقصد بالصوامت أو الجوامد عند علماء الأصوات بالسواكن وبينت هذا في بحث سابق من هذا البحث

2.
وكذلك يوجد أصوات أحرف تخرج بالتباعد بين طرفي عضو الكلام وهي جميع أصوات الأحرف المتحركة ويصحب كل حركة شكلها من حيث عمل الشفتين ولا بد مع ذلك من معرفة صفة الشدة وبينت شرحها سابقا أيضا.


نظر العلماء رحمهم الله تعالى إلى الحروف العربية من حيث جريان الصوت عند النطق بها وعدم جريانه فتبين لهم أن الحروف العربية يمكن أن تقسم إلى ثلاث مجموعات : مجموعة (أجد قط بكت ) فهي حروف الشدة وهذه ينحبس معا الصوت ومجموعة ( لن عمر ) وهي حروف البينية يجرى معها الصوت جريانا جزئيا وبقية الحروف وهي حروف الرخاوة يجرى معها الصوت جريانا كليا. وقال علماء الأصوات التجويدية : لو نظرنا للمجموعة الأولى وهي ثمانية ونطقنا كل واحد على حدة بعد تسكينه لوجدنا أن كلا منه ينحبس الصوت به في المخرج انحباسا تاما فكل هذه الحروف الثمانية عند النطق بها يغلق المخرج انغلاقا تاما ولا يسمح لذرة صوت أن يمتد أما المجموعة الثانية نجد أن المخرج لا ينحبس الصوت عند النطق به كما في حروف الشدة ولا يجرى جريانا كاملا كما في حروف الرخاوة بل يجرى جريانا جزئيا .

إذن حقيقة القلقة هي إخراج الحرف المقلقل حال سكونه بالتباعد بين طرفي عضو المخرج مشبها في ذلك الحروف المتحركة ومخالفا للقاعدة الأصلية في إخراج الحروف السواكن بالقرع . وهنا لسائل أن يسأل إذا كان الحرف المقلقل يخرج بالتباعد بين طرفي عضو المخرج والحرف المتحرك كذلك ما الفرق بينهما؟ والجواب أن الحرف الساكن كيف يخرج ؟ قلنا يخرج بالتصادم بين طرفي عضو النطق والحرف المقلقل كيف يخرج ؟ قلنا بالتباعد بين طرفي عضو المخرج والمتحرك كذلك ولكن الساكن عندما يخرج هل يصاحبه شئ من عمل الشفتين ؟ لا بل الشفتين يأخذان الشكل الطبيعي لهما وكذلك الحرف المقلقل لا يصاحبه شئ من عمل الشفتين أما الحرف المتحرك يصاحبه واحد من ثلاثة انفتاح للفم إن كان الحرف مفتوحا وشكل الشفتين عند التلفظ بالمفتوح على هيئة نطقه بالألف وتسمى الفتحة نصف ألف أو بنت الألف أو انضمام للشفتين إن كان الحرف مضموما وشكل الشفتين على هيئة النطق بالواو وتسمى الضمة نصف الواو أو بنت الواو أو انخفاض للفك السفلي إن كان الحرف مكسورا وتكون هيئة الشفتين كهيئة نطقه بالياء وتسمى الكسرة نصف ياء أو بنت الياء

وبالتأمل فيما سبق نجد أن الحرف المقلقل حالة بين حالتين بين الحركة وبين السكون إذ أنه يشبه الحرف الساكن من حيث أنه لا يصاحبه انفتاح للفم ولا انضمام للشفتين ولا انخفاض للفك السفلي هذا وجه الشبه بين المقلقل والساكن ووجه الشبه بين المقلقل والمتحرك أن كلا منهما يخرج بالتباعد بين طرفي عضو المخرج والحرف المتحرك يخالف المقلقل لأنه يصاحبه تغيير شكل الشفتين عند النطق به والمقلقل لا يصاحبه شئ . إذا المقلقل يشبه الساكن ويخالفه ويشبه المتحرك ويخالفه فهو حالة بين حالتين ولذلك سماه علماؤنا مقلقل وكما يقال في العاميات المعاصرة الأمور مقلقلة أي غير ثابتة . والعرب من طبيعتهم أنهم يحبون السهولة في النطق فتخلصا من هذه الشدة المزعجة عند نطق الأصوات الخمسة ( قطب جد ) حال سكونها فإن العرب خالفوا القاعدة الأصلية من أن الحرف الساكن يخرج بالتصادم بين طرفي عضو المخرج فأخرجوا كل حرف من هذه الخمسة بالتباعد بين طرف عضو المخرج حال سكونه .

وخلاصة التصويت بالقلقلة أقول : جميع أصوات الأحرف السواكن تخرج بالتصادم بين طرفي عضو المخرج ما عدا أحرف القلقلة الخمسة فتخرج بالتباعد بين طرفي عضو المخرج ولا يصاحب ذلك تجافي الفكين عن بعضهما أو عمل الشفتين من فتح وضم وكسر . وقال فضيلة الشيخ يحيي غوثاني حفظه الله في كتابه ( علم التجويد أحكام نظرية ص 91 ....( ... أن القلقلة اهتزازُ حَرْفِ القلقلة في مخرجه ساكناً بحيث يسمع له نبرةٌ مُمّيَّزةٌ , ولا ينبغي للقارئ أن يَنْحُوَ بها إلى الفتح ولا إلى الكسر , ولا إلى غير ذلك بل يخرجها سهلةً , رقيقةً في المرقق , مثل : ) قَبْلِكُمْ)(البقرة: من الآية21), ومفخمةَ في المفخَّم , مثل ) يَطْبَعُ)(غافر: من الآية35). اهـ

ولخص الشيخ يحيي الغوثاني كيفية حدوث أصوات القلقلة بقوله (هناك نقطةٌ دَقِيقةٌ قد لا ينتَبِهُ لها البعض , وهي أنَّ القلقلة فيها تَبَاعُدٌ لعضوَيِ النطْق دون تَبَاعُدِ الفكّيْن , فإذا باعدّنا بين الفكّينِ خرجْنا من القلقلةِ إلى الحركة , وهذا محذورٌ ينبغي الانتباه له. وبإمكانك أن تتدرَّبَ بنفسك على القلقلةِ الصَّحيحة : بأن تُمْسِكَ فكيْكَ بيدك , ثم تنطِقَ بحروف القلقلة , كل حرفٍ بمفرده , فإذا رأيت الفكّين تباعدا فهو خطأ , والصحيح أنهما يكونان ثابتين , والصوتُ إنما يحدث من تباعُدِ عُضْوَيِ النطق عن بعضهما. والله أعلم.) اهـ قلت ولا يتقن هذا البحث ولا يستبين إلا بالتلقي والمشافهة الصوتية بين القارئ والمقرئ .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق