الاثنين، 24 مارس 2014

الظاهرة الإنسانية بين التفسير والتنبؤ



      الظاهرة الإنسانية بين التفسير والتنبؤ كلود ليفي ستروس:
الإشكال المطروح:
هل الظواهر الإنسانية قابلة للتفسير- مثلها مثل الظواهر الطبيعية – أو أنها تقبل فقط الفهم ، أم أن عليها أن تجمع بينهما؟
يقول غاستون غرانجي " التفسير هو كشف العلاقات  الثابتة التي توجد بين عدد من الحوادث والوقائع. واستنتاج أن الظواهر المدروسة تنتج عنها. إنه منهج العالم الفيزيائي الذي يختزل مجموعة  معقدة من الظواهر إلى منظومة بسيطة من العلاقات تشكل ترسيمة  أو خطاطة صورية للظاهرة موضوع الدراسة..." عكس الظواهر الإنسانية  التي تقوم على الفهم حيث تهدف نقل-  بصورة حدسية-  إحساسا أو تقديرا  أو انفعالا ما... إلا أن هذا الفهم له حدود لا يجب تجاوزها وإلا أصبح نوعا من الأساطير أو السحر..
يقول دلتاي:" نطلق الفهم على السيرورة التي نعرف من خلالها ما هو باطني اعتمادا على علامات ندركها من الخارج بواسطة حواسنا..."
يقول جيل مونرو  "فالخاصية المميزة للفهم هي البداهة  والوضوح . وما يكون موضوع تفهم يكون على قدر من الوضوح بحيث يكون كافيا ومكتفيا بذاته...
بخلاف العلاقات القابلة للفهم فإن العلاقات التفسيرية هي علاقات ... تقوم على الاعتقاد بصحة جملة من الطرائق  والإجراءات الموضوعية  فالفهم هو بداهة مباشرة ، في حين  أن التفسير هو تبرير أو تعليل حدوث ظاهرة بافتراض ظاهرة أخرى"
أطروحة ستروس:
تقدم العلوم الطبيعية يرجع في جزء كبير منه إلى الجمع بين التفسير والتنبؤ، بينما تبقى محاولة العلوم الإنسانية الجمع بينها تسير في اتجاه سيء مما تجعلها تبقى في منتصف الطريق بين الفهم  حيث لا تقدم في الغالب إلا تفسيرات فضفاضة، بينما لا يحالف النجاح تنبؤاتها في كثير من الأحيان ولكنهذا لايعني عدم جدوى هذه العلوم  بل هذا يكشف عن موقف أصيل فيها يجمع بين المعرفة الخالصة والمعرفة النافعة  .
حجاج النص:
           يبين النص انه رغم عدم وجود علاقة ميكانيكية بين التفسير  والتنبؤ داخل  العلوم الدقيقة ، إذ نلاحظ أن العلوم الطبيعية بإمكانها أن تقدم تفسيرات لظواهر لا تقدر على  التنبؤ بها أو العكس التنبؤ بظواهر لا تستطيع تفسيرها ، فإن  الجمع بينهما  شكل احد أهم الأسباب في نجاح وتقدم هذه العلوم .وبالتالي فإن هاتين العمليتين ( التفسير والتبؤ) تكونان موضوعا للتجريب والتصحيح بشكل مستمر.
ولكن  الوضعية الابستمولوجية  للعلوم الإنسانية ومحاولتها  الجمع بين هاتين العمليتين جعلها في وضعية صعبة وتسير في اتجاه سيء، إذ لم تستطيع تقديم تفسيرات  دقيقة بل فقط  فضفاضة للظواهر المدروسة ولا تنبؤات دقيقة وصحيحة بل في الغالب خاطئة ،وهذا ما جعلها تقف  في وسط الطريق بين التنبؤ والتفسير. إلا أن قيمتها النظرية و النفع العملي لها   يكمن بالضبط في مدى قدرتها على الموازنة  بين التفسير والتنبؤ ، وذلك بطريقة أصيلة تتلاءم مع خصوصيتها مما يجعل المعارف التي تقدمها تكتسي طابعا معرفيا خالصا من جهة وطابعا  نفعيا عمليا من جهة أخرى وهذا يتطلب عدم الفصل بين التفسير والفهم.
2-    الإنسان يفهم  دلتاي :
الأطروحة : على العلوم الإنسانية( العلوم الروحية) ان تتخد منهجا يتلاءم مع الظواهر المدروسة وهذا من حقها ، فكما إتخدت العلوم الطبيعية منهجا خاصا بها   هو المنهج التفسيري الذي يتلاءم مع الظواهر الطبيعية ، فعلى العلوم الروحية ان تكيف منهجها مع الظواهر التي تدرسها والتي تحتاج الى منهج يقوم على الفهم.
   فعلى العلوم الإنسانية عكس ما يدعيه أصحاب المنهج الوضعي الابتعاد عن المنهج التفسيري  أو التجريبي الذي تتخذه  العلوم الطبيعية، وتبني منهجا خاصا يتلاءم مع  خصوصية موضوعها ( الظواهر الإنسانية) . لأن إتباع واتخاذ منهج العلوم الطبيعية لا يشكل معيارا للعلمية بل ،إن هذا المعيار يجب أن يكون هو التشبه بالعلماء الطبيعيين الذين بنوا منهجا خاصا  يتلاءم مع الموضوعات والظواهر التي يدرسونها. أي أن تبني العلوم الإنسانية( الروحية) منهجا يتلاءم مع الظواهر الإنسانية  وهذا ما يشكل معيار علميتها الحقيقي.
فالظواهر الطبيعية تبدو للدارس ظواهر معزولة وخارجية عن الذات ، وبالتالي يتم تفسيرها بواسطة استدلالات عقلية تقوم على الفرضية والتجريب، آما الظواهر الإنسانية  فتقدم نفسها للعقل كظواهر حية وكمجموع كلي ومترابط من المعطيات والوظائف النفسية والعقلية والعناصر المكونة لها،  تدرك بشكل كلي بواسطة التجربة الداخلية أي الوعي  الداخلي (الفهم)وهذا ما يجعلها قابلة للفهم وليس للتفسير مثل الظواهر الطبيعية.
من هنا ضرورة تفرد العلوم الإنسانية بمنهج خاص بها يقوم على فهم الظواهر الإنسانية ولا يسعى إلى تفسيرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق