الربا
حرم الله الربا على هذه الأمة، كما
حرمه على من سبق، فقال جل ثناؤه:} فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)
وَأَخْذِهِمُ
الرِّبَا
وَقَدْ
نُهُواْ
عَنْهُ
وَأَكْلِهِمْ
أَمْوَالَ
النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {
([1]) ، وقال سبحانه وتعالى :}
وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا{([2])
وحذر أكلة الربا من عقوبات متنوعة في الدار
الدنيا، وفي دار البرزخ، وفي الدار الآخرة، فأما عقوبة الدنيا فهي محق البركة،
ولزوم الفقر، قال تعالى: } يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ{([3]) . وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: (ما استحل قوم الربا إلا ضربهم الله بالفقر
والحاجة). ([4])
وأما عقوبة البرزخ فحسْب المرابي تلك الصورة
البشعة التي أخبر النبي r أنه رأى المرابي يتقلب فيها، وهي فيما أخرجه البخاري
رحمه الله عن سمرة بن جندب
رضي الله عنه قال: قال النبي :( رأيت الليلة رجلين
أتياني، فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم،
وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل
أن يخرج؛ رمى الرجل بحجر في فيه، فردّه حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه
بحجر، فيرجع كما كان، فقلت ما هذا؟... فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا!). ([5])
وأما عقوبة الدار الآخرة فقد
تضمنها قوله تعالى:} الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ{([6]) قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( يبعث آكل الربا يوم
القيامة مجنونا يُخنق) ([7]) ، وقال قتادة في تفسير هذه الآية: (وتلك علامة أهل
الربا يوم القيامة، بُعثوا وبهم خبل من الشيطان). ([8]) وقال ابن كثير رحمه الله: ( أي لا يقومون من
قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له؛ وذلك أنه
يقوم قياما منكرا). ([9])
وهناك عقوبتان مشتركتان بين الدنيا
والآخرة، أما العقوبة الأولى ففي قوله تعالى:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن
لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ{([10]) . فهذا وعيد شديد وتهديد أكيد لأكلة الربا في الدنيا
والآخرة، ويقال للمرابي يوم القيامة: خذ سلاحك للحرب. كما روي ذلك عن ابن عباس رضي
الله عنهما ([11]) .
أما العقوبة الثانية فهي الطرد
والإبعاد عن رحمة الله كما صح الخبر بذلك عن سيد البشر r أنه لعن آكل الربا، فقد أخرج البخاري رحمه الله عن عون بن أبي
جحيفة عن أبيه أنه اشترى غلاما حجاما، فقال:(إن النبي نهى عن ثمن الدم، وثمن
الكلب، وكسب البغي، ولعن آكل الربا وموكله، والواشمة والمستوشمة، والمصور). ([12])
ولما طلب المرابي زيادة المال بغير
حق عاقبه الله بمحق بركة ماله،
وكذا لما طلب الفقير سدّ خلته بطريق حرام ضربه الله
بالفقر، وكذا لما كان المرابي يتخبط ذات اليمين وذات الشمال وهو نهِمٌ لا يشبع؛
عوقب يوم القيامة بأن يقوم من قبره يتخبط كالمصروع، وحيث كان يهيم في أودية الدنيا
بحثا عن المال المحرم تقلب في نهر من الدم في حياته البرزخية، ومع هذه العقوبات
التي توعده الله بها فهو متمادٍ في جشعه، مغرق في طمعه؛ لعنه الله، وآذنه بحربه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق