السبت، 1 مارس 2014

ظهور الفاحشة في الارض



ظهور  الفاحشة

خلق الله خلقه لعبادته، وحرم عليهم معصيته، فقال تعالى:}وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا {([1]). ونهاهم عن المعاصي والآثام ما ظهر منها وما بطن فقال جل ثناؤه:} وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ{ ([2]) . وقال عز من قائل:}قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ {([3]) .  وحذر نبينا r أمته من مغبة مقارفة الفواحش، وبين أنها سبيل هلكة، وأن الأمة متى ما استعلنوا بها أوشك الله أن يعمهم بعذاب من عنده، كما أخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله e فقال:( يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا).([4]) إلى آخر الحديث .
  وعن بريدة قال قال رسول الله e:( ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم. ولا ظهرت فاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت. ولا منع قوم قط الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر). ([5])
وعن ميمونة زوج النبي قالت: سمعت النبي يقول:( لا تزال أمتي بخيرٍ متماسك أمرها، ما لم يظهر فيهم ولد الزنى، فإذا ظهروا خشيت أن يعمهم الله بعقاب).([6])
وروى هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده عن ميمونة زوج النبي e بلفظ:( لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا؛ فيوشك أن يعمهم الله عز وجل بعقاب).([7])
  وبعد أن أورد ابن حجر هذا الحديث وعزاه إلى المسند من طريق عائشة قال: (سنده حسن. ثم قال: ففي هذه الأحاديث أن الطاعون قد يقع عقوبة بسبب المعصية). ([8])
فتضمنت هذه الأحاديث أن الأمة إذا انتشرت فيها الفاحشة وأعلنت بها فلتنتظر الطاعون، والأمراض التي لم تكن معروفة في أسلافهم، كما جاء ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفي حديث بريدة، ورد الوعيد الشديد بأن يسلط عليهم الموت، وفي حديث ميمونة رضي الله عنها نصب النبي الكريم لأمته علامة ، وهي فشو ولد الزنا؛ فإذا ظهر فيهم فقد أوشك أن يتمزق جمعهم، وأن يتفرق شملهم، وأوشك الله أن يعمهم بعذاب من عنده .
وبعد ذكر الأدلة على أن الفاحشة سبب للعذاب الدنيوي، يحسن بنا أن ننظر ما قاله أهل اللغة في معنى الفاحشة، فقد قال الفيروز أبادي في قاموسه:(الفاحشة: الزنى، وما يشتد قبحه من الذنوب، وكل ما نهى الله عز وجل عنه، والفحشاء: البخل في أداء الزكاة، والفاحش البخيل جدا، والفحش عدوان الجواب، ومنه لا تكوني فاحشة لعائشة. رضي الله عنها. ([9])
وقال ابن منظور في لسان العرب:(الفاحشة: القبيح من القول والفعل، وجمعها الفواحش، و أفحش عليه في المنطق أي قال الفحش، والفحشاء اسم الفاحشة ... و الفحش الاسم، ورجل فاحش ذو فحش، وفي الحديث: (إن الله يبغض الفاحش المتفحش). فالفاحش: ذو الفحش والخنا من قول وفعل، والمتفحش الذي يتكلف سب الناس ويتعمده، وقد تكرر ذكر الفحش والفاحشة والفاحش في الحديث: وهو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي.([10])
وعرفها الجرجاني في التعريفات بقوله:(الفاحشة هي التي توجب الحد في الدنيا والعذاب في الآخرة).([11])
وقد وردت لفظة الفاحشة والفحشاء في القرآن الكريم بمعان متعددة: ففي قوله تعالى: } إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء {([12]) وفي قوله تعالى : } الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء {([13]) - يراد بها عموم المعاصي والآثام، وفي قوله تعالى: }وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ{([14]) فيراد بها الزنى، وفي قوله تعالى: }وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون {([15]) فالمقصود بها هنا جريمة اللواط. فنستخلص من ذلك أنه إذا ظهر الزنى أو اللواط في أمة فقد استنزلت غضب الله ومقته عليها.


([1] ) سورة النساء الآية 36 .
([2] ) سورة الأنعام الآية 151.
([3] ) سورة الأعراف الآية 33 . 
([4] ) سبق تخريجه.
([5] ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير رجاء بن محمد وهو ثقة 7/269، سنن اللبيهقي 3/346،9231.
([6] ) المعجم الكبير24/23 .
([7] ) المسند 6/333 .
([8] ) فتح الباري10/192 .
([9] ) القاموس المحيط، مادة فحش، 1/774.
([10] ) لسان العرب ، مادة فحش، 6/325 .
([11] ) التعريفات 1/211 .
([12] ) سورة البقرة الآية 169 .
([13] ) سورة البقرة الآية 268.
([14] ) سورة النساء الآية 15 .
([15] ) سورة النمل الآيتان 55،54. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق