السبت، 1 مارس 2014

مقارنة بين تربية الطفل في الاماكن الضيقة والاماكن الفضاءات الواسعة المفتوحة



  مقارنة بين تربية الطفل في الاماكن الضيقة والاماكن الواسعة :-
ربما يعتقد البعض ان مساحة المكان الذي ينشأ فيه الطفل ليس لها ذلك التأثير الكبير على نفسية الطفل ونموه العقلي والجسماني ، بلى .. إن لها اثر كبير .
نتذكر قول طبيبة نفسية للاطفال تقول : من خلال خبرتي وتعاملي مع العديد من الحالات النفسية المختلفة للأطفال ، وجدت ان مساحة المكان لها اثر كبير على مفاهيم الطفل بل وايضا على ردود فعله العكسية وترجمته لبعض الامور والمواقف ..
وتذكر في احدى التجارب ، ان تم وضع طفلين في نفس الغرفة ، ووجه اليهما سؤال واحد : وهو ماذا ترى امامك في الحجرة؟
قال أحدهما : ارى نوافذ مفتوحة ومكان للعب ، وقال الاخر : لا ارى إلا جدران مغلقة .
وعندما تم البحث في اصل نشأة الطفلين ، وجد ان سنين العمر الاولى للطفل الثاني كانت في شقة صغيرة مكونة من غرفة وصالة ، وكان ينام الى جانب والديه ، حتى تيسر بهما الحال وانتقلا الى مسكن اوسع .
اما الطفل الاول فقد نشأ في بيت جده بالقرية ، وكان للمنزل حديقة صغيرة يلعب فيها .
ومن ذلك يتضح لنا ان مساحة المكان لا تؤثر فقط على نفسية الطفل ، وانما تؤثر ايضا على رؤيته لذاته ، وترجمته للعديد من الامور والمفاهيم .
ولنتأمل معا توصيات علماء النفس والاجتماع ، فيما يخص مكان روضة الاطفال او ما نسميها بالحضانة :
أولاً: حسن اختيار الموقع حيث البيئة الصحية وتوفر وسائل المواصلات والبعد عن الضوضاء والسكك الحديدية ومجاري المياه والطرق المزدحمة والمعامل والأسواق التجارية وتوفر موارد المياه.

ثانياً: عند اختيار موقع مبنى الروضة يجب أن يكون وسط البيوت حتى يشعر الأطفال بألفة المكان ويوفر عليهم وقت ومشقة الانتقال بوسائل المواصلات ولتشجيع أولياء الأمور والمشرفين على الروضة على تبادل الزيارات والمشورة التربوية فيما بينهم كما يؤخذ في الاعتبار عند تخطيط المدن الجديدة بأن تخصص الأراضي البعيدة عن مصادر التلوث والضوضاء والطرق المزدحمة بالمواصلات والأسواق العامة لإقامة الروضات والأبنية المدرسية عليها ويفضل أن تقام الروضة بصفة خاصة في منطقة تحيط بها الأراضي الخضراء والحدائق لما في ذلك من أثر طيب في نفس الطفل وفي تنمية الإحساس بالجمال لديه.

أما إذا تعذر الحصول على قطعة أرض تتوافر فيها هذه المواصفات فإنه ينصح بأن يتم اختيار بيت من طابق واحد في وسط المنطقة التي تستخدمها الروضة وإجراء التعديلات اللازمة على المبنى.

ومما هو جدير بالذكر ، ان اول مرحلة من مراحل النمو لدى الطفل كما اشرنا سابقا ، هي مرحلة النمو الجسمي الحركي ، والتي تعتمد بشكل اساسي على تنمية وتطوير ونمو القدرة الحركية للعظام والعضلات لدى الطفل ، ولنا ان نتخيل ايهما افضل لهذه المهارة عند الطفل وتنميتها بشكل افضل ، هل المكان الضيق المحدود ، ام الواسع ؟؟

والاجابة بديهية ، فالمكان الواسع بالطبع افضل ، إذ أنه يتيح للطفل الحركة بشكل حر ، دون الخوف من الاصطدام بالجدار او بالاثاث ، ويعطيه ذلك الثقة والحرية ان يتحرك كيف يشاء ، مما يساعد على عملية نمو الخلايا الحركية والعضلات ويصحح من حركة المفاصل لديه .

أما عند وجوده في مكان ضيق ، فالعكس هو ما يحدث ، فهو دائما يخشى ان يصطدم بالجدار او بالمنضدة التي امامه ، فيكون ذهنه غير مركز على الحركة فقط ، وانما هو مشغول بالا يصطدم حتى يتجنب الألم الناتج ، وبالتالي يبذل جهدا اكبر في وقت اطول ، مما يعيق نمو المهارات الحركية لديه ، بل والاكثر من ذلك مدعاة للاسف ، انه مع الوقت ومع تكرار الاصطدام بالاشياء ، فإن بعض الاطفال يتخذون موقفا سلبيا في هذه الحالة ، ويكفون عن محاولة التحرك والوصول الى الاشياء ومحاولة الحبو وغيرها من مظاهر الحركة لدى الاطفال ، فيتأخر بدء السير والاعتماد على النفس في الحركة لديهم ، بل انه في بعض الحالات التي يقل فيها وعي الام والاب بضرورة هذه المهارة ، تكون النتيجة ، حدوث اعوجاج في القدمين لعدم التعود على السير بشكل سليم في السن المناسبة لذلك ، ولحظة ما فات اوان تعلم السير والاعتماد على نفسه في الحركة ، هي نفسها لحظة اللاتعويض لهذا الفوات .

يؤثر مدى ضيق او اتساع المكان ايضا على شخصية الطفل الداخلية ، فمن نشأ في مكان ضيق ، يكون بداخله دوما احساس بعدم الثقة في النفس ، حتى وان لم يظهر فهو موجود ويظهر في حالات معينة ، بل ان الاماكن الواسعة احيانا ، تمثل له مكان غير امن ومعرض للخطر والايذاء في اي وقت ، فلا يقبل عليها ، ويتضح لنا ذلك في مثال بسيط ربما لمسه وراه العيد منا ، وهو عندما نأخذ الطفل لشاطئ البحر للمرة الاولى ، فنجده خائفا مرتعدا ، وفي الكثير من الاحيان يبكي لدرجة الصراخ ، ونعتقد نحن ان ذلك عائد الى رهبته من المياه ، بينما ذلك هو السبب الفرعي ، اما السبب الرئيسي هو خشيته من الاماكن المفتوحة فهو غير معتاد عليها ، فاللون الازرق للبحر بهذا الاتساع يمثل له خوفا كبيرا .

بينما الطفل المعتاد على الاماكن المفتوحة ، مثل النوادي والحدائق العامة " غير المزدحمة والمخصصه للاطفال " والتي نادرا ما نجدها ، وكذلك حمامات السباحة ، لا يمثل له البحر او اي مكان مفتوح اخر ، مشكلة كبيرة ، بل انه يثير بداخله الفضول ، فهو يريد ان يستكشف ما هذا المكان الكبير ؟!!

يتجلى ايضا أثر الاماكن الضيقة على الطفل في قدرته على الابداع .
فالطفل الذي ينشأ في مكان ضيق ، يتعرض لعدد محدود من المتغيرات والكائنات والاشياء المحيطة ، وبالتالي تتكون لديه خلايا الادراك بناءا على ما يتوفر امامه ، وفي سن متقدمة ، عندما تأتي مرحلة النضوج الابداعي لدى الطفل ، تتشكل لديه القدرة الابداعية والتخيلية معتمدةً على ما استقاه من معلومات وادركه من مدخلات في صغره .
ومن البديهي ان نستنتج انه كلما زادت المتغيرات من حوله ، والمعلومات المدركة عنها ، زادت معها قدرته الابداعية والتخيلية .

واكبر دليل على صحة ذلك ، هو اشتهار العرب قديما بالشعر الفصيح الجلي ، العامر بالصور البيانية والخيالية و التعبيرات المجازية الرائعة ، فتجد القصيدة كأنها لوحة فنية مرسومة بالكلمات .. ويعود ذلك بشكل كبير إلى نشأتهم في الصحراء ، فقد اعطاهم وسع المكان القدرة على الاختلاء بالله وبالذات ، والتأمل والتفكر في كل جميل .

وإن قال قائل ، بل ان السبب في ذلك هو تربيتهم الملزمة بالقواعد والمبادئ .. فنقول له لو ان الامر كذلك ، فإن قسوة الصحراء وجوها كانا كفيلين ان يشغلوهم عن الشعر والفن وما نحوهم .

اما عن تأثير المكان ومساحته على العاطفة عند الاطفال .
فنجد ان مفاهيم مثل الحب ، الحنان ، الاحتضان ، الاحتواء ، تشكل في الاساس طاقة ايجابية تنبعث من داخل الطفل ، اصل هذه الطاقة يستمدها من البيئة المحيطة .
وفإذا كانت البيئة المحيطة اشجار ، واماكن فضاء ، ونهر او مجرى مياه ، او سماء مفتوحة ينظر اليها من نافذة غرفته ، ستنتقل إليه الطاقة الايجابية من هذه المخلوقات ، وتترجم بداخله إلى حب وحنان ..... إلى اخره
وعندما يعبر عنها لاحد المحيطين به ، ترتد تلك الطاقة الايجابية وذبذباتها في المكان من حوله ، فإن كان المكان واسعا شعر بالراحة والاطمئنان ، وسكينة نابعة من قدرته على التعبير عما بداخله كماهو دون معوقات .

والعكس ايضا يحدث في الاماكن الضيقة ، فعندما يحرم الطفل من رؤية المزروعات ، والمساحات الخضراء الواسعة ، والسماء وغيرها من اشكال الطبيعة ، تنحصر الطاقة الايجابية التي يستخلصها مما حوله في الطاقة المنبعثة من اثاث المنزل او جدرانه او الوقت المحدود الذي يتفاعل فيه مع الطبيعة في طريقه الى المدرسة ....
وايضا عندما يحاول ان يعبر عن تلك الطاقة الايجابية وذبذباتها ، فانها تصدم بكل ما حوله سريعا فترد اليه مكونة شعور بالعجز عن البوح بما بداخله ، مما يسبب اثرا عكسيا بداخل نفس الطفل ، وضيقا لانه لم يفرغ ما بداخله من طاقة .

في كلمات بسيطة ، إذا اردنا ان نلخص الفرق بين تربية الطفل ونموه في مكان ضيق ومكان واسع :
يمكننا ان نتذكر معا تلك التجربة التي قام بها احد العلماء قديما ، عندما اتى بسمكتي قرش صغيريتين ، ووضع احدهما في حوض صغير والاخرى في حوض كبير .
وبعد اتمام نمو السمكتين ، ووصولها لنفس درجة التطور ، وجد ان السمكة الاولى ، كيفت نفسها على حجم الحوض فصارت صغيرة بينما كان في قدرتها ان تكبر وتزداد حجما عن ذلك ، وانما بيئتها المحيطة  حددت ذلك وقننت منه واعاقة قدرتها .
اما الثانية فكبرت وزاد حجمها ووصلت للحجم المتعارف عليه لاسماك القرش ، فقد تكيفت ايضا مع بيئتها المحيطة ، غير انها لم تجد ما يعوق مهاراتها في النمو والتطور.

وبعد ان انتهينا من استعراض النقاط الاساسية لعلاقة نمو الطفل العقلي والجسماني بالبيئة المحيطة والتلوث من حوله.

لنا ان نتذكر معا مقولة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال : " علموا اولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل ".
فعند تأمل تلك المقولة نجد ان ال 3 رياضات التي اوصى بها تحتاج الى مكان واسع مفتوح لتعلمها وممارستها ، بل انها تحتاج أيضا الى مساحات من الهواء المفتوح النقي والمياه الصافية الخالية من الملوثات الخفية .

فإذا اردنا ان نستقي اهمية التواجد في بيئة نقية ، بيئة بكر ، لنعود الى اسلامنا فسنجد فيه العديد من الوصايا والدلائل على ذلك .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق