الأحد، 2 مارس 2014

اسباب الاختلاف المذهبي عند المسلمين كثرة المذاهب



الاختلاف المذهبي في غير الأصول أمر تقتضيه الضرورة، وذلك لأسباب منها:
 .1 الحياة لاتسير على وتيرة واحدة، وإنما تتعدد أنماطها بتعدد ما يصل إليه البشر من وسائل تعينهم على أداء رسالتهم في الحياة.
فنحن اليوم غيرنا بالأمس، ونحن الآن غيرنا من عشر سنوات، وغيرنا من قبل ذلك على مر السنين.
.2 الناس لا يعيشون في مكان واحد تتحد فيه الأرض وأحوال الجو ومظاهر الطبيعة وتقلباتها، كما يتحد فيه الزمن وفصول العام. وإنما يعيش الناس في مناطق متعددة، وفي قارات مختلفة، وفي مظاهر جوية متباينة، وفي مصادر بيئية متنوعة، وفي موارد اقتصادية متفاوتة، وفي قدرات بدنية غير متكافئة. ومن هنا يكون البحث عن الأنسب من شؤون الحياة هو الأمر الملائم للفطرة وللزمان والمكان، بينما يكون صبغ الحياة بنمط واحد أمراً مضاداً لهذا الفطرة، ويكون ذلك بمثابة تحديد زي ملبسي واحد يلبسه كل الناس في كل مكان، دون اختلاف بين مكان بارد وحار، أو بين جو جاف وممطر ودون اختلاف بين الإنسان القصير والآخر الطويل، ولابين السمين والنحيف ولا بين الصغير والكبير.. . إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف التي تقتضي اختلاف الأشكال والأطوال والألوان والأنواع.
 .3 البشر مختلفون في قدراتهم العقلية، وفي مستوى الذكاء، مما يقتضي اختلافهم في الفهم والاستنباط والاحتجاج والتفسير والتأويل، كما أنهم مختلفون في مقادير ما يحصلونه من العلم، وما يدخرونه في ذاكرتهم من المعلومات، فمنهم من يحفظ ويستوعب، ويستبقي ويدخر، ومنهم من يعرض عليه النسيان، وقلة التذكر وتفلّت بعض المعلومات، مهما حاول أن يقيدها بقيود الحفظ والمراجعة والتكرار.  وليس من وراء ذلك كله إلا أن نرى اختلافاً في الرؤى، ويكون لكل رؤية مقدارها من القوة أو الضعف بمقدار ما وراءها من رصيد المعرفة المختزن في الذاكرة.
.4 جوهر اللغة العربية التي تختلف عن غيرها من اللغات بما تشتمل عليه من ألفاظ حقيقية وأخرى مجازية، وبما يأتي فيها من اختلاف معاني الحروف وتعدد معاني الحرف الواحد، وصلاحيته لأن يفهم منه أكثر من معنى باعتبار مادخل عليه من الكلمات، وكذلك فإن أسلوب اللغة العربية له سماته من حيث التقديم والتأخير والتعريف والتنكير، والتذكير والتأنيث، والذكر والحذف، والإظهار والإضمار،  والتأكيد وعدم التأكيد، والخبر والإنشاء، وخروج الكلام على غير مقتضى الظاهر، واختلافه باختلاف مقتضى الحال، إلى غير ذلك من أمور اقتضت إمكان تعدد ما يؤخذ من الكلمة الواحدة والحرف الواحد فضلاً عن الأسلوب الذي يأتي على طرائق متعددة وأنماط مختلفة، وفي الوقت الذي نرى فيه دواعي التعدد في فهم اللغة ذاتها، نرى اختلاف المتعاملين مع هذه اللغة واختلاف درجات تخصصهم فيها، ومن ثم اختلافهم فيما يؤثرون ويرجحون، ومايختارون وما يردّون، ومايقبلون ومايرفضون.
.5 تجدد مشكلات الحياة التي تطرأ في كل عصر وفي كل بيئة مع ظهور مكتشفات حديثة ومخترعات جديدة، واختلاف الناس في مواجهة هذه المكتشفات والمخترعات من واقع قياس الحاضر على الماضي، ومدى الاستفادة  من رصيد الماضي في معالجة مشكلات الحاضر، وهل تكفي بذاتها؟ أو أنها لاتكفي وهي بالتأكيد كذلك، وبالتالي فلابد للناس من بحث عن سبل العلاج؟ فمنهم من يهتدي، ومنهم من لايستطيع، ومنهم من يعثر على شيء دون شيء، أو يرضى بشيء دون شيء آخر، وهنا يحدث مثل هذا الاختلاف الذي لامناص ولامهرب منه بل لابد منه، وهو خلاف ينبغي أن لا يقابل بشيء من الحرج، ولا أن تضيق به الصدور، ولا أن تتحجر أمامه العقول، ولا أن توصد في طريقه أبواب الفهم المستنير، ولا يحـظر على أحد في أن يقبل أولايقبل، فمن شاء أخذ ومن شاء لم  يأخذ، وكلُّ له سعة من أمره، مادام لم يلزم غيره، ولم يحاول أن يأخذه قسراً إلى رحابه وميدان رأيه.
.6  لكل هذه الحقائق وغيرها جاءت الحقيقة التي سجلها القرآن الكريم في قوله عز وجل: {ولو شاء ربّكَ لجعلَ الناسَ أمةً واحدةً ولا يزالونَ مختلفين* إلا من رَحِمَ ربُّكَ ولذلك خلقهم} .(سورة هود، الآية:  118، ومن الآية: 119). وقوله سبحانه وتعالى: {ولو شاء ربّك لآمنَ مَنْ في الأرض ِكلّهم جميعاً أفأنتَ تُكْرِهُ الناس ََحتى يكونوا مُؤمنينَ}. (سورة يونس، الآية: 99)، إلى غير ذلك من آيات تؤكد ورود الاختلاف في حياة البشر، وترشد في الوقت نفسه إلى مدى ما يوجبه ذلك من عدم نقل الاختلاف من مِِنْطقة تعدد الآراء إلى مِنْطقةِ التنازع والاشتجار، وتبادل التهم بالكفر والمروق من الدين أو الفسوق والإلحاد، إلى غير ذلك من أوصاف تفرق ولاتجمع، وتهدم ولاتبني، وتفسد ولا تصلح، وتضر ولاتنفع، ويكون الخاسر في النهاية هو المجتمع الإسلامي الذي ينبغي أن يكون يداً واحدة في مواجهة المجتمعات التي تعيش معه في هذا الكون، والتي يجب أن تقدم لها عن الإسلام صورة وضيئة مشرقة تتفق مع صورته التي أرادها رب العالمين، والتي تتمثل في قوله تعالى: {كنتم خيَر أمةٍ أُخرجِتْ للناس تأمرونَ بالمعروفِ وتنهَوْنَ عنِ المنكرِ وتُؤمنون باللَّهِ}. (سورة آل عمران، من الآية:110).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق