تجميل شعر الرأس
عرف الناس عدة وصفات لتجميل شعر الرأس ، وفي هذا المطلب سوق أتكلم عن
أحكام تلك الوصفات وهي : الوصل ، وحلق شعر الرأس ، وحلقه على هيئة قزع، ونتف الشيب
واستعجاله .
أولا : وصل الشعر :
اتفق الفقهاء على تحريم وصل الشعر في الجملة . واستدلوا لذلك بالأحاديث
الآتية:
أ – ما روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن جارية من الأنصار
تزوجت وأنها مرضت ، فتمعط شعرها ، فأرادوا أن يصلوها ، فسألوا النبي r فقال : " لعن الله
الواصلة والمستوصلة " .
وفي رواية لمسلم عن عائشة رضي الله عنها : أن جارية من الأنصار تزوجت ،
وأنها مرضت فتمرط شعرها ، فأرادوا أن يصلوه ، فسألوا رسول الله r عن ذلك: " فلعن الواصلة
والمستوصلة " .
وفي رواية أخرى لمسلم عنها أيضا : أن امرأة من الأنصار زوجت ابنة لها ،
فاشتكت فتساقط شعرها ، فأتت النبي r ، فقالت : إن زوجها يريدها ، أفأصل شعرها ؟ فقال رسول الله r ؛ " لعن الواصلات "
.
ب – وروى البخاري في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن امرأة
جاءت إلى رسول الله r فقالت : إني أنكحت ابتني ، ثم أصابها شكوى ، فتمرق رأسها ، وزوجها
يستحثني بها ، أفأصل شعرها ؟ فسب رسول الله r الواصلة والمستوصلة .
وفي رواية أخرى للبخاري عن أسماء أيضا قالت : " لعن رسول الله r الواصلة والمستوصلة " .
وفي رواية أخرى عنها أيضا قالت : سألت امرأة النبي r فقالت : إن ابنتي أصابتها
الحصبة ، فامرق شعرها ، وإني زوجتها ، أفأصل فيه ؟ فقال : " لعن الله الواصلة
والموصولة " .
وفي رواية لمسلم عنها أيضا قالت : جاءت امرأة إلى النبي r ، فقالت : يا رسول الله إن لي
ابنة عريسا أصابتها حصبة فتمرق شعرها ، أفأصله ؟ فقال : " لعن الله الواصلة
والمستوصلة " .
ج – وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال : " لعن الله
الواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة " .
وفي رواية لمسلم عنه أيضا : " أن رسول الله r لعن الواصلة والمستوصلة ،
والواشمة والمستوشمة " .
د – وروى البخاري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي
سفيان عام حج ، وهو على المنبر ، وهو يقول وتناول قصة من شعر بيد حرسي: " أين
علماؤكم ؟ سمعت رسول الله r ينهى عن مثل هذه ، ويقول : إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه
نساؤهم " .
هـ – وروى البخاري عن
سعيد بن المسيب قال : قدم معاوية المدينة آخر قدمة
قدمها ، فخطبنا فأخرج كبة من شعر قال : " ما كنت أرى أحدا يفعل هذا غير نساء
اليهود . إن النبي r سماه الزور . يعني الواصلة بالشعر " .
وفي لفظ مسلم : أن رسول الله بلغه فسماه الزور .
وفي رواية لمسلم عنه أيضا أن معاوية قال ذات يوم : " إنكم أحدثتم زي
سوء ، وإن نبي الله نهى عن الزور . قال وجاء رجل بعصا على رأسها خرقة . قال معاوية
: ألا هذا الزور " .
قال قتادة : يعني ما يكثر به النساء أشعارهن من الخرق .
و – وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " لعن الله
الواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة " .
ز – وروى مسلم عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : " زجر
النبي r أن تصل
المرأة برأسها شيئا " .
وجه الاستدلال :
الواصلة في الأحاديث : هي التي تصل شعر امرأة بشعر أخرى لتكثر به شعر
المرأة .
والمستوصلة : هي التي تطلب أن يفعل بها ذلك .
ووجه الاستدلال : أن الوصل حرام ، لأن اللعن لا يكون على أمر غير محرم ،
ودلالة اللعن على التحريم من أقوى الدلالات ، بل تعتبر عند البعض علامة من
العلامات الكبيرة . قال النووي : " وفي الحديث أن وصل الشعر من المعاصي
الكبائر للعن فاعله " .
حكم الوصل بشعر الآدمي :
اتفق فقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة والظاهرية والشافعية على تحريم
وصل شعر المرأة بشعر آدمي ، بقصد التجمل والتحسين ، سواء أكان الشعر الذي تصل به
شعرها أم شعر زوجها أم محرمها أم امرأة أخرى غيرها لعموم الأحاديث الواردة في
النهي عن الوصل ، ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته ، بل يدفن
شعره وظفره وسائر أجزائه .
حكم الوصل بغير شعر الآدمي :
اختلف الفقهاء في حكم وصل شعر المرأة بغير شعر الآدمي على النحو التالي :
1 – ذهب الحنفية إلى أن الوصل بغير شعر الآدمي : كالصوف والوبر وشعر
الماعز والخرق مباح ؛ لعدم التزوير ،ولعدم استعمال جزء من الآدمي ،وهما علة
التحريم عندهم .
جاء في حاشية ابن عابدين : " إنما الرخصة في غير شعر بني آدم ، تتخذه
المرأة لتزيد في قرونها ، وهو مروي عن أبي يوسف . وفي الخانية : لا بأس بأن تجعل
في قرونها وذوائبها شيئا من الوبر " .
وإلى هذا ذهب أيضا الليث بن سعد ، فأجاز وصل الشعر بالصوف والخرق وما ليس
بشعر .
2 – وذهب المالكية والظاهرية ومحمد بن جرير الطبري إلى أن الوصل بشعر غير
الآدمي من صوف وشعر حيوان ووبر حرام . قال الإمام مالك : " لا ينبغي ان تصل
المرأة شعرها بشعر ولا غيره " .
واستدلوا لذلك بعموم الأحاديث السابقة وبخاصة حديث جابر : " زجر
النبي r أن تصل
المرأة برأسها شيئا " ولأن فيه تدليسا وإيهاما بكثرة الشعر وتغييرا لخلقة
الله تعالى .
وقد استثنى المالكية من ذلك ربط الشعر بالخرق وخيوط الحرير الملونة مما لا
يشبه الشعر ، فليس بمنهى عنه ؛ لأنه ليس بوصل ، ولا في مقصود الوصل . قال الإمام
مالك : " و لا بأس بالخرق تجعلها المرأة في قفاها وتربط للواقية وما من
علاجهن أخف منه " .
ونقل القاضي عياض عن البعض بأن مفهوم الوصل يدل على أنها لو وضعت على
رأسها شعرا دون وصل جاز ، وهو لا يدخل في النهي ، لأنه حينئذ بمنزلة الخيوط
الملونة والحرير .
ولم يرتض القرطبي ذلك وقال : هذه ظاهرية محضة وإعراض عن المعنى .
3 – وذهب الشافعية إلى تفصيل القول في الوصل بغير شعر الآدمي ، فقالوا :
إن وصلت المرأة شعرها بشعر غير آدمي فإما ان يكون طاهرا أو نجسا .
فإن كان نجسا كشعر ميتة وشعر مالا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته فهو حرام
؛ لحرمة استعمال النجس في الصلاة وخارجها .
وإن كان طاهرا فينظر :
إن كانت الموصولة ليست بذات زوج فهو حرام أيضا . وبه قطع الدارمي والطيب
والبغوي واليعقوبي .
وإن كانت متزوجة ففيه ثلاثة أقوال :
الأول : يجوز الوصل بإذنه فقط .
والثاني : يحرم الوصل مطلقا : أي ولو أذن الزوج .
والثالث : يجوز الوصل مطلقا : أي ولو لم يأذن الزوج .
والقول الأول هو الصحيح لدى الشافعية وبه قطع جماعة منهم .
هذا بالنسبة لما يشبه شعر الآدمي من الوبر والصوف أما خيوط الحرير الملونة
ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه لعدم وجود التدليس .
4 – وذهب الحنابلة إلى أن الوصل بغير شعر الآدمي إما أن يكون بشعر أو بغير
شعر : فإن كان بشعر : كشعر الماعز فيحرم ، كما يحرم الوصل بشعر الآدمي ، لعموم
الأحاديث السابقة ، ولما فيه من التدليس . فإذا وصلت المرأة شعرها بشعر بهيمة لا
يصح الوصل ،ولا تصح صلاتها إن كان الشعر نجسا لحملها النجاسة مع قدرتها على
اجتنابها ، وتصح إن كان طاهرا .
وإن كان الوصل بغير شعر ، فإن كان لحاجة شد الشعر وربطه فلا باس به ، لأن
الحاجة داعية إليه ولا يمكن التحرز منه .
روى أحمد بن محمد بن حازم أن إسحاق بن منصور حدثهم أنه قال لأبي عبد الله
ـ يعني أحمد بن حنبل ـ تكره كل شيء تصله المرأة بشعرها ؟ قال : غير الشعر إذا كان
قرامل قليلا بقدر ما تشد به شعرها فليس به بأس إذا لم يكن كثيرا " .
وإن كان لغير حاجة ففي ذلك روايتان :
الأولى : يكره
والثانية : يحرم فلا تصل المرأة برأسها شيئا من الشعر والقرامل ولا الصوف
لحديث جابر السابق : " زجر النبي r أن تصل المرأة برأسها شيئا " .
ورجح ابن قدامة الرواية الأولى ، فقال : " والظاهر أن المحرم إنما هو
وصل الشعر بالشعر ، لما فيه من التدليس ، واستعمال الشعر المختلف في نجاسته ، وغير
ذلك لا يحرم لعدم هذه المعاني فيها ، وحصول المصلحة من تحسين المرأة لزوجها من غير
مضرة . وأما أحاديث النهي فتحمل على الكراهة " .
الرأي المختار في الوصل بغير شعر الآدمي :
لاختيار مذهب من المذاهب السابقة لابد من معرفة الراجح في المعنى الذي
لأجله حرم الوصل ، وهذه المعرفة إنما تكون بعرض مذاهب الفقهاء في ذلك المعنى ،
والأدلة التي استند إليها كل فريق فيما ذهب إليه ، والنظر في هذه الأدلة لمعرفة
الرأي الراجح ، وهذا ما سنتكلم عنه فيما يأتي :
المعنى الذي لأجله حرم الوصل :
اختلف العلماء في المعنى الذي لأجله حرم الوصل على عدة أقوال وهي :
1 – ذهب الحنفية إلى أنه التدليس باستعمال جزء من الآدمي ، فلا يجوز
الانتفاع بأجزاء الآدمي لكرامته ، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه المنفصلة ولا
ينتفع بها .
2 – وذهب المالكية والظاهرية ومحمد بن جرير الطبري إلى أنه التدليس بتغيير
خلق الله : كمن
يكون شعرها قصيرا أو حقيرا فتطوله أو تغزره بشعر غيرها فكل ذلك
تغيير للخلقة .
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : ( ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن
آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد
خسر خسرانا مبينا ) .
كما استدلوا أيضا بقوله r في حديث لعن الله الواشمة والمتفلجة : ( المغيرات خلق الله ).
3 – وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن المعنى الذي لأجله حرم الوصل هو
التدليس مطلقا : سواء استعمل شعر الآدمي أو غيره وسواء كان فيه للخلقة أو لم يكن .
واستدلوا لذلك بما يلي :
أ – ما روي عن معاوية بن أبي سفيان أن النبي r سماه الزور يعني الواصلة
بالشعر وقال قتادة : يعني ما يكثر به النساء شعورهن من الخرق .
ب – حديث أسماء السابق : " وإني أنكحت ابنتي ثم أصابتها شكوى فتمرق
رأسها وزوجها يستحثني بها ، أفأصل رأسها فسب رسول الله r الواصلة والمستوصلة " .
فمنع النبي r الوصل ؛
لما فيه من التدليس والغش وإخفاء عيب حصل في الزوجة .
والراجح ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة من أن المعنى المناسب لتحريم
الوصل هو التدليس بالعيب والغش والخداع لأن النبي r سماه زورا ، لما فيه من تدليس
وغش ، وقد نهى النبي r عن الغش بقوله : " من غشنا فليس منا " .
وأما ما ذهب إليه الحنفية من أن التدليس لا يكون إلا بشعر الآدمي ، فغير
صحيح ؛ لأن التدليس كما يقع بشعر الآدمي يقع بشعر البهيمة الصناعي وغير ذلك مما
يشبه الشعر الطبيعي . وأما استدلال المالكية بالآية فغير مسلم ، لأن الآية جاءت
بتغيير الخلقة بالجرح والتشريح كما في تبتيك آذان الأنعام ، والوشم وغير ذلك .
وأما الحديث فقد جاء في سياق النهي عن الواشمة والمتفلجة لا الواصلة .
فإذا كان يصلح كعلة للنهي عن الوشم والتفليج فلا يصلح كعلة لوصل الشعر ، لأن
أحاديث النهي عن الوصل نصت على العلة وهي كونه زورا وغشا وخداعا . قال الخطابي :
" الواصلات هن اللواتي يصلن شعور غيرهن من النساء يردن بذلك طول الشعر يوهمن
أن ذلك من أصل شعورهن ، فقد تكون المرأة زعراء قليلة الشعر ، أو يكون شعرها أصهب ،
فتصل شعرها بشعر أسود فيكون ذلك زورا وكذبا فنهى عنه ، أما القرامل فقد رخص فيها
أهل العلم ، وذلك أن الغرور لا يقع بها ، لأن من نظر إليها لم يشك في أن ذلك
مستعار " .
وإذا كانت علة النهي عن الوصل هي التدليس والتزوير فيكون الرأي المختار في
وصل شعر المرأة بغير شعر الآدمي على النحو التالي :
1 – إذا كان الموصول بشعر المرأة يشبه الشعر الطبيعي ، حتى يظن الناظر
إليه أنه شعر طبيعي ؛ يحرم الوصل سواء أكان شعرا أم صوفا أم وبرا أم خيوطا صناعية
أم غير ذلك ، لأن علة تحريم الوصل قد تحققت فيه .
2 – أما إذا كان الموصول به لا يشبه الشعر الطبيعي بحيث يدرك الناظر إليه
لأول وهلة أنه غير طبيعي ، فلا يحرم الوصل سواء أكان شعرا أم صوفا أو وبرا أم
قرامل ، وذلك لعدم تضمنه علة التحريم : وهي التدليس .
3 – ضفر شعر المرأة بالخرق الملونة وغيرها ما هو ظاهر في أنه ليس من شعرها
لا يعتبر وصلا ، ولا يدخل في النهي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق