الخميس، 27 مارس 2014

حكم تجميل شعر الرأس



تجميل شعر الرأس

عرف الناس عدة وصفات لتجميل شعر الرأس ، وفي هذا المطلب سوق أتكلم عن أحكام تلك الوصفات وهي : الوصل ، وحلق شعر الرأس ، وحلقه على هيئة قزع، ونتف الشيب واستعجاله .

أولا : وصل الشعر :
اتفق الفقهاء على تحريم وصل الشعر في الجملة . واستدلوا لذلك بالأحاديث الآتية:
أ – ما روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن جارية من الأنصار تزوجت وأنها مرضت ، فتمعط شعرها ، فأرادوا أن يصلوها ، فسألوا النبي r فقال : " لعن الله الواصلة والمستوصلة " .

وفي رواية لمسلم عن عائشة رضي الله عنها : أن جارية من الأنصار تزوجت ، وأنها مرضت فتمرط شعرها ، فأرادوا أن يصلوه ، فسألوا رسول الله r عن ذلك: " فلعن الواصلة والمستوصلة " .

وفي رواية أخرى لمسلم عنها أيضا : أن امرأة من الأنصار زوجت ابنة لها ، فاشتكت فتساقط شعرها ، فأتت النبي r ، فقالت : إن زوجها يريدها ، أفأصل شعرها ؟ فقال رسول الله r ؛ " لعن الواصلات " .

ب – وروى البخاري في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن امرأة جاءت إلى رسول الله r فقالت : إني أنكحت ابتني ، ثم أصابها شكوى ، فتمرق رأسها ، وزوجها يستحثني بها ، أفأصل شعرها ؟ فسب رسول الله r الواصلة والمستوصلة .

وفي رواية أخرى للبخاري عن أسماء أيضا قالت : " لعن رسول الله r الواصلة والمستوصلة " .

وفي رواية أخرى عنها أيضا قالت : سألت امرأة النبي r فقالت : إن ابنتي أصابتها الحصبة ، فامرق شعرها ، وإني زوجتها ، أفأصل فيه ؟ فقال : " لعن الله الواصلة والموصولة " .

وفي رواية لمسلم عنها أيضا قالت : جاءت امرأة إلى النبي r ، فقالت : يا رسول الله إن لي ابنة عريسا أصابتها حصبة فتمرق شعرها ، أفأصله ؟ فقال : " لعن الله الواصلة والمستوصلة " .

ج – وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال : " لعن الله الواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة " .

وفي رواية لمسلم عنه أيضا : " أن رسول الله r لعن الواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة " .

د – وروى البخاري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج ، وهو على المنبر ، وهو يقول وتناول قصة من شعر بيد حرسي: " أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله r ينهى عن مثل هذه ، ويقول : إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم " .

هـ – وروى البخاري عن سعيد بن المسيب قال : قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها ، فخطبنا فأخرج كبة من شعر قال : " ما كنت أرى أحدا يفعل هذا غير نساء اليهود . إن النبي r سماه الزور . يعني الواصلة بالشعر " .

وفي لفظ مسلم : أن رسول الله بلغه فسماه الزور .
وفي رواية لمسلم عنه أيضا أن معاوية قال ذات يوم : " إنكم أحدثتم زي سوء ، وإن نبي الله نهى عن الزور . قال وجاء رجل بعصا على رأسها خرقة . قال معاوية : ألا هذا الزور " .
قال قتادة : يعني ما يكثر به النساء أشعارهن من الخرق .

و – وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " لعن الله الواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة " .

ز – وروى مسلم عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : " زجر النبي r أن تصل المرأة برأسها شيئا " .

وجه الاستدلال :
الواصلة في الأحاديث : هي التي تصل شعر امرأة بشعر أخرى لتكثر به شعر المرأة .

والمستوصلة : هي التي تطلب أن يفعل بها ذلك .
ووجه الاستدلال : أن الوصل حرام ، لأن اللعن لا يكون على أمر غير محرم ، ودلالة اللعن على التحريم من أقوى الدلالات ، بل تعتبر عند البعض علامة من العلامات الكبيرة . قال النووي : " وفي الحديث أن وصل الشعر من المعاصي الكبائر للعن فاعله " .

حكم الوصل بشعر الآدمي :
اتفق فقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة والظاهرية والشافعية على تحريم وصل شعر المرأة بشعر آدمي ، بقصد التجمل والتحسين ، سواء أكان الشعر الذي تصل به شعرها أم شعر زوجها أم محرمها أم امرأة أخرى غيرها لعموم الأحاديث الواردة في النهي عن الوصل ، ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته ، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه .

حكم الوصل بغير شعر الآدمي :
اختلف الفقهاء في حكم وصل شعر المرأة بغير شعر الآدمي على النحو التالي :

1 – ذهب الحنفية إلى أن الوصل بغير شعر الآدمي : كالصوف والوبر وشعر الماعز والخرق مباح ؛ لعدم التزوير ،ولعدم استعمال جزء من الآدمي ،وهما علة التحريم عندهم .

جاء في حاشية ابن عابدين : " إنما الرخصة في غير شعر بني آدم ، تتخذه المرأة لتزيد في قرونها ، وهو مروي عن أبي يوسف . وفي الخانية : لا بأس بأن تجعل في قرونها وذوائبها شيئا من الوبر " .

وإلى هذا ذهب أيضا الليث بن سعد ، فأجاز وصل الشعر بالصوف والخرق وما ليس بشعر .
2 – وذهب المالكية والظاهرية ومحمد بن جرير الطبري إلى أن الوصل بشعر غير الآدمي من صوف وشعر حيوان ووبر حرام . قال الإمام مالك : " لا ينبغي ان تصل المرأة شعرها بشعر ولا غيره " .

واستدلوا لذلك بعموم الأحاديث السابقة وبخاصة حديث جابر : " زجر النبي r أن تصل المرأة برأسها شيئا " ولأن فيه تدليسا وإيهاما بكثرة الشعر وتغييرا لخلقة الله تعالى .

وقد استثنى المالكية من ذلك ربط الشعر بالخرق وخيوط الحرير الملونة مما لا يشبه الشعر ، فليس بمنهى عنه ؛ لأنه ليس بوصل ، ولا في مقصود الوصل . قال الإمام مالك : " و لا بأس بالخرق تجعلها المرأة في قفاها وتربط للواقية وما من علاجهن أخف منه " .

ونقل القاضي عياض عن البعض بأن مفهوم الوصل يدل على أنها لو وضعت على رأسها شعرا دون وصل جاز ، وهو لا يدخل في النهي ، لأنه حينئذ بمنزلة الخيوط الملونة والحرير .

ولم يرتض القرطبي ذلك وقال : هذه ظاهرية محضة وإعراض عن المعنى .

3 – وذهب الشافعية إلى تفصيل القول في الوصل بغير شعر الآدمي ، فقالوا : إن وصلت المرأة شعرها بشعر غير آدمي فإما ان يكون طاهرا أو نجسا .

فإن كان نجسا كشعر ميتة وشعر مالا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته فهو حرام ؛ لحرمة استعمال النجس في الصلاة وخارجها .

وإن كان طاهرا فينظر :
إن كانت الموصولة ليست بذات زوج فهو حرام أيضا . وبه قطع الدارمي والطيب والبغوي واليعقوبي .
وإن كانت متزوجة ففيه ثلاثة أقوال :
الأول : يجوز الوصل بإذنه فقط .
والثاني : يحرم الوصل مطلقا : أي ولو أذن الزوج .
والثالث : يجوز الوصل مطلقا : أي ولو لم يأذن الزوج .
والقول الأول هو الصحيح لدى الشافعية وبه قطع جماعة منهم .

هذا بالنسبة لما يشبه شعر الآدمي من الوبر والصوف أما خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه لعدم وجود التدليس .

4 – وذهب الحنابلة إلى أن الوصل بغير شعر الآدمي إما أن يكون بشعر أو بغير شعر : فإن كان بشعر : كشعر الماعز فيحرم ، كما يحرم الوصل بشعر الآدمي ، لعموم الأحاديث السابقة ، ولما فيه من التدليس . فإذا وصلت المرأة شعرها بشعر بهيمة لا يصح الوصل ،ولا تصح صلاتها إن كان الشعر نجسا لحملها النجاسة مع قدرتها على اجتنابها ، وتصح إن كان طاهرا .

وإن كان الوصل بغير شعر ، فإن كان لحاجة شد الشعر وربطه فلا باس به ، لأن الحاجة داعية إليه ولا يمكن التحرز منه .

روى أحمد بن محمد بن حازم أن إسحاق بن منصور حدثهم أنه قال لأبي عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ تكره كل شيء تصله المرأة بشعرها ؟ قال : غير الشعر إذا كان قرامل قليلا بقدر ما تشد به شعرها فليس به بأس إذا لم يكن كثيرا " .

وإن كان لغير حاجة ففي ذلك روايتان :
الأولى : يكره
والثانية : يحرم فلا تصل المرأة برأسها شيئا من الشعر والقرامل ولا الصوف لحديث جابر السابق : " زجر النبي r أن تصل المرأة برأسها شيئا " .

ورجح ابن قدامة الرواية الأولى ، فقال : " والظاهر أن المحرم إنما هو وصل الشعر بالشعر ، لما فيه من التدليس ، واستعمال الشعر المختلف في نجاسته ، وغير ذلك لا يحرم لعدم هذه المعاني فيها ، وحصول المصلحة من تحسين المرأة لزوجها من غير مضرة . وأما أحاديث النهي فتحمل على الكراهة " .

الرأي المختار في الوصل بغير شعر الآدمي :
لاختيار مذهب من المذاهب السابقة لابد من معرفة الراجح في المعنى الذي لأجله حرم الوصل ، وهذه المعرفة إنما تكون بعرض مذاهب الفقهاء في ذلك المعنى ، والأدلة التي استند إليها كل فريق فيما ذهب إليه ، والنظر في هذه الأدلة لمعرفة الرأي الراجح ، وهذا ما سنتكلم عنه فيما يأتي :

المعنى الذي لأجله حرم الوصل :
اختلف العلماء في المعنى الذي لأجله حرم الوصل على عدة أقوال وهي :
1 – ذهب الحنفية إلى أنه التدليس باستعمال جزء من الآدمي ، فلا يجوز الانتفاع بأجزاء الآدمي لكرامته ، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه المنفصلة ولا ينتفع بها .

2 – وذهب المالكية والظاهرية ومحمد بن جرير الطبري إلى أنه التدليس بتغيير خلق الله : كمن يكون شعرها قصيرا أو حقيرا فتطوله أو تغزره بشعر غيرها فكل ذلك تغيير للخلقة .

واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : ( ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ) .

كما استدلوا أيضا بقوله r في حديث لعن الله الواشمة والمتفلجة : ( المغيرات خلق الله ).

3 – وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن المعنى الذي لأجله حرم الوصل هو التدليس مطلقا : سواء استعمل شعر الآدمي أو غيره وسواء كان فيه للخلقة أو لم يكن . واستدلوا لذلك بما يلي :
أ – ما روي عن معاوية بن أبي سفيان أن النبي r سماه الزور يعني الواصلة بالشعر وقال قتادة : يعني ما يكثر به النساء شعورهن من الخرق .

ب – حديث أسماء السابق : " وإني أنكحت ابنتي ثم أصابتها شكوى فتمرق رأسها وزوجها يستحثني بها ، أفأصل رأسها فسب رسول الله r الواصلة والمستوصلة " . فمنع النبي r الوصل ؛ لما فيه من التدليس والغش وإخفاء عيب حصل في الزوجة .

والراجح ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة من أن المعنى المناسب لتحريم الوصل هو التدليس بالعيب والغش والخداع لأن النبي r سماه زورا ، لما فيه من تدليس وغش ، وقد نهى النبي r عن الغش بقوله : " من غشنا فليس منا " .

وأما ما ذهب إليه الحنفية من أن التدليس لا يكون إلا بشعر الآدمي ، فغير صحيح ؛ لأن التدليس كما يقع بشعر الآدمي يقع بشعر البهيمة الصناعي وغير ذلك مما يشبه الشعر الطبيعي . وأما استدلال المالكية بالآية فغير مسلم ، لأن الآية جاءت بتغيير الخلقة بالجرح والتشريح كما في تبتيك آذان الأنعام ، والوشم وغير ذلك .

وأما الحديث فقد جاء في سياق النهي عن الواشمة والمتفلجة لا الواصلة . فإذا كان يصلح كعلة للنهي عن الوشم والتفليج فلا يصلح كعلة لوصل الشعر ، لأن أحاديث النهي عن الوصل نصت على العلة وهي كونه زورا وغشا وخداعا . قال الخطابي : " الواصلات هن اللواتي يصلن شعور غيرهن من النساء يردن بذلك طول الشعر يوهمن أن ذلك من أصل شعورهن ، فقد تكون المرأة زعراء قليلة الشعر ، أو يكون شعرها أصهب ، فتصل شعرها بشعر أسود فيكون ذلك زورا وكذبا فنهى عنه ، أما القرامل فقد رخص فيها أهل العلم ، وذلك أن الغرور لا يقع بها ، لأن من نظر إليها لم يشك في أن ذلك مستعار " .

وإذا كانت علة النهي عن الوصل هي التدليس والتزوير فيكون الرأي المختار في وصل شعر المرأة بغير شعر الآدمي على النحو التالي :
1 – إذا كان الموصول بشعر المرأة يشبه الشعر الطبيعي ، حتى يظن الناظر إليه أنه شعر طبيعي ؛ يحرم الوصل سواء أكان شعرا أم صوفا أم وبرا أم خيوطا صناعية أم غير ذلك ، لأن علة تحريم الوصل قد تحققت فيه .

2 – أما إذا كان الموصول به لا يشبه الشعر الطبيعي بحيث يدرك الناظر إليه لأول وهلة أنه غير طبيعي ، فلا يحرم الوصل سواء أكان شعرا أم صوفا أو وبرا أم قرامل ، وذلك لعدم تضمنه علة التحريم : وهي التدليس .

3 – ضفر شعر المرأة بالخرق الملونة وغيرها ما هو ظاهر في أنه ليس من شعرها لا يعتبر وصلا ، ولا يدخل في النهي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق