يقول جون بول سارتر : لا يوجد غيري
فأنا وحدي الذي أقرر الخير واخترع
الشر " حلل وناقش " .المقدمة : يطلق
لفظ الأخلاق على جميع الأفعال الصادرة عن النفس محمودة كانت أو مذمومة فالمحمود
منها يعرف بالخير والمذموم منها يعرف بالشر , وهما المحوران اللذان يدور حولهما
علم الأخلاق, و إذا كان سارتر قد أرجع الخير والشر إلى الفرد فهل مصدر القيمة
الأخلاقية ذاتي دائما ؟ بمعنى هل الخير والشر من صنع الإنسان أم أن هناك أطرافا
أخرى يمكنها صناعة القيم الأخلاقية ؟
القيمة الأخلاقية ذاتية : القيم الأخلاقية مصدرها الفرد
ذهب سارتر إلى أن مصدر القيمة الأخلاقية هو الفرد , فهو الذي يقرر
الخير وهو الذي يخترع الشر , فتصور سارتر الإنسان على أن كائن لذاته , وتصور سارتر
للنشاط الإنساني على أنه حر , وأن ماهية الإنسان هو ما يوجده بنفسه ( الوجودية )
يشتمل على فلسفة سارتر الأخلاقية والتي تنطلق من الذات فيترتب عليها أن الإنسان هو
الذي يضع القيم فيضع الخير والشر . وبذلك فهو يعدم وجود الغير وقدرة الغير في وضع
القيم وعلى هذا كانت المسؤولية مطلقة عند سارتر .
غير أن هذا الرأي نجده عند أنصار النزعة التجريبية والنزعة العقلية
على حد سواء , فالتجريبيون يرجعون مصدر القيم الأخلاقية إلى التجربة و الممارسة
الفردية , التي تتطور إلى عادة اجتماعية , كما أن العقليون يرون أن مصدر القيم
الأخلاقية هو العقل الإنساني إذ به نحكم على الأشياء وبه نميز بين الخير والشر
وبالتالي فالفرد مصدر القيم الأخلاقية .
- لكن الفرد ليس المصدر الوحيد للقيم الأخلاقية , فإقصاء الغير في
صناعة الأخلاق أمر لا يثبته الواقع , كما أن التجربة الفردية مختلفة و متناقضة
والعقل قاصر لا يهدي صاحبه في جميع الأحوال القيمة الأخلاقية موضوعية : القيم
الأخلاقية مصدرها المجتمع والدين .
إن الأخلاق في نظر آخرين من الفلاسفة على خلاف " سارتر"
تنبع من المجتمع ومن الدين حيث يرى أنصار النزعة الاجتماعية أن القيم الأخلاقية
نابعة عن تأثير الجماعة في الفرد حيث يقول " دور كايم " : " إذا
استنكر أحدنا الفاحشة فلأن المجتمع يستنكرها " . كما يرى أنصار الاتجاه
الديني أن القيم الأخلاقية صادرة
عن الوحي ( فالتعليم الدينية مصدر القيم
الأخلاقية ) فهي جاءت لكي تساعد العقل على إدراك الخير والشر .
هذا الموقف الديني نجده بوضوح عند مفكري الإسلام خاصة موقف الأشاعرة
الذي يعتبر الدين مصدر الخير والشر فالواجبات في نظرهم سمعية كلها " افعل ما
تؤمر " آية . باعتبار أن القيم مختلفة باختلاف الدين .
- لكن الفرد قد يحدث ثورة فكرية , وأخلاقية ويخرج عن العرف ويغير
قواعد المجتمع , كما أن المثل الأعلى الوارد عن طريق الوحي قد ينعدم لدى بعض
الشعوب وتبقى لديهم أخلاقهم الخاصة .
القيمة الأخلاقية ذاتية وموضوعية : القيم من صنع أطراف مختلفة .
من القيم الأخلاقية ما هو صادر عن الفرد وتبقى هذه الأخلاق محل اختلاف
بين الناس , ومن القيم ماهو صادر عن المجتمع كالعادات و التقاليد وهي متغيرة من
جماعة لأخرى , و من القيم ما هو صادر عن الوحي كأخلاق المسلمين وما يتعلق بالحلال
والحرام وهي تتمتع بالثبات
إن موقف سارتر من الأخلاق لا يمكن التسليم به , إذ ليس
بإمكان الفرد أن يقرر وحده الخير والشر , رغم أنه قادر على إبتكار القيم الأخلاقية
وقادر على الالتزام بها أو تركها . فالقيم الأخلاقية تصنعها أطراف مختلفة الفرد ,
المجتمع , الدين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق