الجمعة، 21 مارس 2014

الرحمة في الاسلام



                   الرحمة في الاسلام 
صفة الرحمة من خصال النبي صلى الله عليه وسلم تكرر ذكرها في القرآن الكريم مما جعلها موضوعاًَ من مواضيع القرآن الكريم الهامة التي تستحق الدراسة وتستوجب العناية للمعرفة والاقتداء . وقد كانت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم البساط الذي عبرت به دعوة الإسلام إلي قلوب الناس . وقد تأثر الصحابة رضوان الله عليهم برحمة النبي صلى الله عليه وسلم فصاروا رحماء بينهم مما قوى أواصر الترابط وعزز الانتماء لأمة الإسلام ، ففاض خيرها وقويت شوكتها وهابها أعداءها . ومن خلال هذا البحث أُقدم إسهاماً متواضعاً لنشر الرحمة وجعلها سلوكاً عاماً في الأمة ، فهي البلسم لتضميد كل الجراح وبارقة أمل للسير في درب الفلاح .



     إن أعظم ما يتعلق به القلب وتقصده المطايا هو العلم ، وأشرف العلوم منـزلة وأرفعها قدراً علم التفسير لتعلقه بكتاب الله تعالى ، فعلم التفسير يعلو سائر العلوم علو كتاب الله على سائر الكتب .
 إمام هذا العلم رسول الله صلي الله عليه وسلم ، قال تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل:( ٤٤).
 فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام ربه، بكمال حاله وعظيم مقاله، وسار أولو الفضل بسيره، وأقبلوا على كتاب الله تعالى، فغاصوا في أعماقه واستخرجوا أغلى الدرر، ونحتوا عقولهم واستنبطوا أعظم الحكم والعبر إبرازاً لتعاليم القرآن الكريم وتوجيهاته، بما يفهمونه من كتاب الله تعالى، استنهاضاً لهمم الأمة لغدٍ  مشرق بإذن الله تعالى.
في هذا العصر الذي تسارعت فيه الخطى وتقارب فيه الزمان والمكان وصارت الصورة تقع على العين والكلمة على الأذن دون استئذان، من ذلك ما يشفي الصدور ويحيي القلوب ويبعث الأمل في النفوس، ومنه صور ماجنة و باهتة وحزينة، وكلام مريض أبلاه الزمن وتخطاه العقل الفطن من أفواه التوت ألسنتها حقداً وأقلام  فقدت أبسط قواعد الذوق والأدب، أسنتها خناجر شقت بطون الحوامل، مدادها دم الأطفال، صحائفها خدود العجائز وصدور الصبايا وحياء العذارى، تمت بأيد آثمة خطت خطوطاً ورسمت رسوماً مزقت كرامة الأمة على شاطئ الأطلسي البعيد ليتفرق عزها بين حلف الناتو.
طغيان المادة والهجمة الإمبريالية بأشكالها المتعددة على الأمة أفقدها الوعي بدورها حتى  اضطرب كيانها واهتز بنيانها و انفصم اعتصامها فحل محل التآلف التنافر والتصافح التناحر والرحمة القسوة حتى صار بعضهم يضرب رقاب بعض بنشوة وصلف، وجهل مخدوعاً يرجو من الله تعالى تقربا.
انصراف بعض طلبة العلم عن المقاصد الكلية للشريعة، إلى الجدال في مسائل العقيدة مع ثباتها، ومسائل الفقه مع جلائها، مما أظهر في الساحة  أحياناً شحناء مفتعلة وقسوة مصطنعة، أطفأت نور الرحمة، وأشعلت نار الفتنة حتى تراشقت المآذن والعياذ بالله تعالى.
طفولة مشردة، يتامى  محرومون، فقراء تائهون، وأسر ضعف حبل ودها وكثيراً ما انقطع لانعدام أبسط خيوط الرحمة ، فتقذف  في المجتمع جيلاً فقد حنان الأمومة وعطف الأبوة.
الضجة الإعلامية المترفة اللاهية، وانصراف أكثر الفكر والقلم إلى السياسة والمال، والهم بهما  والتهافت عليهما، جعل الأخلاق عموماً والرحمة خصوصاً من فضول القول، وليس لها في الإعلام إلا فتات الوقت، وفي الفكر أقصى زواياه، ومن القلم آخر الأسطر، مما أدى إلى جفاف ينابيع الرحمة في الأمة فضعفت دوافع الانتماء فيها فصارت مهزوزة الوجدان والمشاعر مسلوبة الإرادة  منهوبة الثروة.
الدفاع عن العقيدة ونصرة الدين، والذب عن النبي الأمين صلى الله عليه وسلم  لا يكون برؤوس مطأطأة، وظهور منحنية، وأفواه مكممة، وأيد مرتجفة، وحروف ميتة. ولكن بنشر تعاليم الدين، واتباع النهج القويم،  وجعل الرحمة سلوكاً عاماً  بين المؤمنين، لأن في التراحم قوة للأمة ومهابة، ونصرة وإنابة، وبذل كل غال ونفيس لمرضاة الله تعالى  وإثلاج  صدر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه عظيم. وسلعة الله غالية، وإلا فقد عصمه الله تعالى قال تعالى :{ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } المائدة:(٦٧) ،  وكفاه ، قال تعالى { اإِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } الحجر:( ٩٥) ونصره ، فال تعالى : {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ } التوبة (٤٠) .
   هذه الأمة لا تنطلق من فراغ بل لها مقومات ترتكز عليها وثوابت تنطلق منها ولا  يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها  .ولما كانت ولم تزل رحمة الرسول صفة جوهرية هامة إذ تكرر ذكرها في القرآن وأحيا الله تعالى بها   البسمة في فم الزمان ، صغتها عنواناً لتضميد الجراح وقدوة في درب الفلاح.     
ومع حرصي لا أدعي أني سأوفي الموضوع حقه ،  فرحمة الرسول صلى الله عليه وسلم أوسع من أن يحصيها قلم . ولكن يشرفني أن أقتبس منها نبض حياة ونور أمل  أرسله إلى الأمة من الساحل الجنوبي لجزيرة العرب حيث كان المدد الأول وسيظل بإذن الله تعالى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق