الخميس، 26 ديسمبر 2013

صفات وشروط الحاكم في الاسلام



ـ صفات وشروط الحاكم: يجب على الحاكم الذي يرأس دولة إسلامية، وشعباً مسلماً، أن تتوفر فيه الصفات والشروط التالية:
     1- أن يكون مسلماً: فالكافر سواء كان كفره أصلياً، أو كان طارئاً من جهة الردة لا ولاية له على المسلمين، لقوله تعالى:) وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (النساء:141. أي سلطاناً به يحكم المؤمن، ويعلو عليهم، ويذلهم .. فإن وجد شيء من ذلك فهذا بخلاف شرع الله تعالى وما أذن الله به، وعلى المسلمين أن يعملوا على تغييره، قال القرطبي في التفسير: إن الله سبحانه لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً شرعاً؛ فإن وجد فبخلاف الشرع ا- هـ.
         وقال ابن كثير في التفسير: وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية الكريمة على أصح قولي العلماء؛ وهو المنع من بيع العبد المسلم للكافر؛ لما في صحة ابتياعه من التسليط له عليه والإذلال ا- هـ.
       قلت: إذا كان لا يجوز أن تسيد الكافر على المملوك المسلم فتملكه إياه، فمن باب أولى أن لا تسيده على الشعوب المسلمة وبلادهم .. فتملكه إياها، وتجعل قرارها، وأمنها، وأسرارها بيده.
       قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (آل عمران:118. أي لا تتخذوا من دونكم من المنافقين والكافرين بطانة تقربونهم، وتُطلعونهم على أسراركم وخاصة أمركم، وما تضمرونه لأعدائكم، لأنهم لا يقصرون جهداً يستطيعونه في إيصال الأذى والضرر والفساد لكم .. وعلامة ذلك أن بغضاءهم لكم بادٍ لكم من فلتات كلماتهم وعباراتهم، وأفعالهم .. وما تخفي صدورهم من الغيظ والحقد والكراهية لهو أكبر مما يظهر على فلتات ألسنتهم، وظاهر أعمالهم، إن كنتم تفهمون وتعقلون .. وإذا كان النهي عن اتخاذهم بطانة فيم هو دون الرئاسة أو الولاية العامة على المسلمين .. فمن باب أولى أن لا يتخذهم المسلمون حكاماً ورؤساء عليهم وعلى بلدانهم، والذي يمثل ذلك أعلى درجات ومعان البطانة .. فالآية دليل صريح على حرمة ذلك.
       وقال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ (آل عمران:149. والحاكم لا يكون حاكماً إلا ليطاع فيما يحكم ويأمر وينهى .. والحاكم الكافر يأبى إلا أن يحمل من يحكمهم على قانونه وكفره .. والله تعالى يبين أن طاعة الذين كفروا فيما يحلون ويحرمون، ويحسنون ويقبحون من عند أنفسهم .. من عواقبه الارتداد عن الدين؛ كما في قوله تعالى:) وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ (؛ أي في تحليل الحرام، وتحريم الحلال ) إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (الأنعام:121. فالقرآن يفسر بعضه بعضاً.
       وقال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ (النساء:59. أي وأولي الأمر من العلماء والأمراء ) مِنكُمْ (؛ أي من المسلمين .. وليس منهم؛ أي من الكافرين .. فإن كان من الكافرين فلا سمع له ولا طاعة.
       كما في الحديث، عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا النبيَّ r، فيما أخذ علينا أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان " متفق عليه. فإذا رأى المسلمون في الحاكم كفراً بواحاً، عندهم من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r فيه برهان ودليل ـ سواء كان كفر الحاكم  أصلياً أم كان من جهة الردة ـ نازعوه على الحكم، وخرجوا عليه، وعلى سلطانه .. هذا حقه حينئذٍ، وليس له عند المسلمين غير ذلك. 
       قال ابن حجر في الفتح 13/7: إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها ا- هـ.
       وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم 12/229: قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، وقال وكذا لو ترك إقامة الصلاة والدعاء إليها ا- هـ.
       قال r:" إذا قال الرجل للمنافق يا سيد، فقد أغضب ربه تبارك وتعالى "[[1]]. هذا إذا قال له مجرد قول " يا سيد "، لما في توقير المنافقين وتعظيمهم وتسييدهم من عونٍ لهم على هدم الدين .. وإضلال العباد .. فكيف لو كان هذا المنافق ـ والكافر من باب أولى ـ عملياً وواقعاً سيداً وآمراً وناهياً وحاكماً عليه .. نتيجة تفريطه وتهاونه .. فحينئذٍ يكون من باب أولى أن يطاله الوعيد الوارد في الحديث[[2]].
       2- أن يكون عاقلاً: لأن المجنون يُرفَع عنه القلم، ويسقط عنه التكليف، لقوله r:" رُفع القلم عن ثلاثة:ـ منها ـ وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق "[[3]]. وفي رواية " عن المعتوه حتى يعقل ". وفي رواية:" عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق "[[4]].
       ونحوه السفيه، شديد السفه الذي لا يُحسِن تقدير الأمور، ولا عواقبها .. فهذا أيضاً لا تجوز له ولاية، لقوله تعالى:) وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (النساء:5. والسفهاء هم أهل التبذير والإسراف، الذين لا يحسنون التصرف بالمال على الوجه الصحيح والمطلوب .. فيضعونه في كل وادٍ، واتجاه، فيما يجوز، وفيما لا يجوز!
       قلت: إذا كان لا يجوز أن نؤتي السفهاء أموالنا .. خشية أن يضعوها في غير موضعها الصحيح .. فمن باب أولى أن لا نؤتيهم أموالنا، وبلادنا، بأمنها وخيراتها، وأن نسلمهم مصالحنا الدينية والدنيوية .. ونسوّدهم على البلاد والعباد .. فالمنع والحظر هنا أوكد، وأهم! 
       3- أن يكون ذَكَراً، بالغاً، راشداً: أن يكون ذكراً، لقوله تعالى:) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ (النساء:34. فإن قيل: هذا في الأسرة؛ المجتمع الصغير .. ونحن حديثنا عن الدولة، والمجتمع الكبير؟
       أقول: إن كانت القوامة واجبة للرجال في المجتمع الصغير؛ ألا وهو الأسرة .. فمن باب أولى أن تكون القوامة لهم فيما هو أهم وأوسع من ذلك؛ في الدولة والمجتمع الكبير.
       وقال r:"  لن يُفلِحَ قومٌ ولوا أمرهم امرأة " البخاري. وقوله r " لن "، تفيد العموم، أي قوم، كما يُفيد مطلق النفي الحاضر منه، والمستقبل .. وبالتالي لا ينبغي حصر النفي في زمن دون زمن، أو امرأة دون امرأة، والله تعالى أعلم. 
       وكذلك مما يستدل به على المسألة ما جرى عليه عمل الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان .. الذين أمرنا بالاقتداء بهم .. حيث لم يعرف عنهم أنهم أقروا للمرأة أن يكون لها حق الولاية العامة على المسلمين، والله تعالى أعلم.
            أما أن يكون بالغاً راشداً، فهو لقوله r:" رُفع القلم عن ثلاثة ـ منها ـ وعن الصبي حتى يحتلم "[[5]]. وفي رواية:" وعن الصبي حتى يشب "[[6]]. ومن يُرفع عنه التكليف، والقلم .. وتُرفع عنه المسؤولية والمحاسبة .. لا يجوز أن يُكلّف برعاية وقيادة الأمة. كما في الحديث:" ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الأعظم الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته .." متفق عليه. فكونه مسؤولاً، يعني أنه بالغ راشد قد بلغ الحلم، يُجر عليه القلم.
         فإن قيل: هل يكفي سن البلوغ .. وهل يوجد سن محدد ما بعد البلوغ، يعتبر شرطاً للولاية؟
         أقول: لا يوجد سن محدد ما بعد البلوغ، نلتزم به، بحيث نقول: من لم يبلغ هذا السن أو العمر لا تجوز له ولاية .. لا يوجد نص يُلزمنا بذلك.
         لكن الذي نقوله: أنه مع البلوغ لا بد من أن يُلمس منه رشد ونضج .. وهذا لا يتأتى عادة إلا بعد فترة زمنية من البلوغ، كما قال تعالى:) وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (النساء:5. فإذا نهينا عن أن نؤتي السفهاء أموالنا .. فمن باب أولى أن لا نُؤتيهم أموالنا وبلادنا .. ونسلمهم أعناقنا .. وديننا .. إذ لا بد من أن نلمس منهم ـ مع البلوغ ـ الرشد؛ الذي يعني حسن الإدارة والتدبير، وحسن تقدير العواقب .. لذا جاءت الآية التي بعدها تنص على الرشد، وتشترطه، كما قال تعالى:) فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ (النساء:6. فلا بد من أن نبصر ونلمس منهم الرشد .. لكي نؤتيهم أموالهم .. وإذا كان الرشد شرطاً لأن تُدفع إليهم أموالهم .. فمن باب أولى أن يكون الرشد شرطاً لأن تُدفع إليهم أموال المسلمين وبلادهم .. والولاية العامة عليهم!
         وفي الحديث، فقد صح عن النبي r أنه قال:" هلكة أمتي على يدَيْ غِلمَةٍ من قُريش " البخاري. فقيد الهلكة بكونهم غِلماناً .. والغلام يُطلق على الصبي، ومن كان حديث عهد ببلوغ.
         وكذلك قوله r:" البركة مع أكابركم "[[7]]. وقوله r:" أمرني جبريل بأن أُقدّم الأكابر "[[8]]. وصفة الأكابر لا تلتقي مع صفة الغِلمان حديثي العهد بالبلوغ.
فإن قيل: هل يوجد محظور لو حدد للحاكم عمراً معيناً .. لنتفادى مزالق أن يلي أمرنا الغلمان والسفهاء .. ولاحتمال اختلاف الناس على تقدير هل فلان ـ ممن يستشرف الولاية العامة ـ من السفهاء أم لا .. وهل قد بلغ الرشد .. أم لا .. ولنضمن أن يكون الحاكم من الأكابر كما ورد في الحديث أعلاه؟
         أقول: لا يوجد نص يمنع من ذلك، بل النصوص الواردة أعلاه ترجح مصلحة تحديد عمر الحاكم بعمر معين يقدره العلماء .. كالسن الذي به تكتمل الرجولة، ويتحقق الرشد والنضج، والمقدّر ما بين ثلاثين إلى أربعين سنة .. دفعاً للمفاسد المشار إليها في السؤال أعلاه، والله تعالى أعلم.
         فإن قيل: ولكن ولي أسامة بن زيد رضي الله عنهما على جيش كان فيه كبار الصحابة .. وكان عمره لا يتعدى العشرين عاماً؟
         أقول: لا ينبغي أن تُقاس عدالة وأمانة رجال زماننا ـ الذي فشا فيه الكذب، والخيانة، وفقدت فيه الأمانة ـ على عدالة وأمانة الرجال الأوائل في عهد النبوة .. والذين تربوا على يدي الحبيب صلوات الله وسلامه عليه.
         قال r:" أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخره الصلاة "[[9]].
وقال:" يُصبِح الناسُ يتبايعون، فلا يكادُ أحدهم يؤدي الأمانة، فيُقال: إنَّ في بني فلانٍ رجلاً أميناً، حتى يُقال للرجل: ما أعقَلَه، وما أظرفَه، وما أجلَده، وما في قلبه مثقالَ حبة خردلٍ من إيمان " متفق عليه. ولا أظن زماننا ببعيد عن هذا الزمان المشار إليه في الحديث أعلاه ..!
وقال r:" خير النَّاس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب، حتى يشهد الرجلُ ولا يُستَشهَد، ويحلف الرجُل ولا يُستَحْلَف "[[10]]. في القرن الرابع يفشو الكذب .. ونحن في القرن الخامس عشر .. الله المستعان!
         4- أن يكون حراً: لأن العبد المملوك لا حرية له في التصرف ـ في كثير من الشؤون العامة والخاصة ـ من دون إذن سيده ومالكه .. وهذا لا يستقيم مع الولاية العامة، أو الحاكم الذي يلي أمر الناس، والذي من مقتضاه ولوازمه أن يكون حراً في تصرفاته وقراراته.
         وقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على هذا الشرط .. قال ابن حجر في الفتح 13/131: نقل ابن بطال عن المهلب: أجمعت الأمة على أنها ـ أي الإمامة ـ لا تكون في العبيد ا- هـ.
         وقال الشنقيطي في التفسير 1/65: من شروط الإمام الأعظم كونه حراً، فلا يجوز أن يكون عبداً، ولا خلاف في هذا بين العلماء ا- هـ.
         قلت: ويُقاس عليه كل من تحقق فيه صفة العبودية، والتبعية وانتفاء الحرية، والقدرة على اتخاذ القرارات ومتابعة شؤون الحكم والرعية .. وإن لم يكن عبداً مملوكاً .. كالأسير في سجون العدو؛ فالأسير تسقط ولايته لانتفاء قدرته على متابعة مهامه، والنظر في شؤون الحكم، ومصالح المسلمين .. وفي الحديث فقد صح عن النبي r أنه قال:" إنما الإمامُ جُنّةٌ يُقاتَل من ورائه، ويُتَّقى به " متفق عليه. أي إنما الإمام جُعل إماماً لأنه يُحتمى به من العدو .. فيُتقى به من سهامهم وشرهم وخطرهم .. ومتى يفقد هذه الخاصية يفقد الإمامة، فلم يعد إماماً للناس .. لأنه لم يعد أمَاماً يتقدم الشعوب، يقودهم، ويحميهم من أعدائهم .. وفي المثل: إن كنت إمامي فكن أمامي!
ونحوه الحاكم المنقاد لسلطة غيره من الكافرين، بحيث يفقد القدرة على الخروج عن رأيهم ومشورتهم .. ومخالفة أمرهم .. فهذا أيضاً لا ولاية له؛ لعدم تحقق شرط الحرية والاستقلالية فيه .. كما هو حال كثير من حكام العصر، المتسلطين على بلاد المسلمين، حيث لا قدرة لهم على مخالفة أوامر اليهود والنصارى في أمريكا ودول الغرب .. كما لا قدرة لهم على اتخاذ القرارات المصيرية الاستراتيجية التي تمس مباشرة مصالح وأمن وسلامة الأمة .. من دون الرجوع إلى أعداء الأمة .. فهؤلاء يفقدون شرط الحرية .. والذي بفقدانه يفقدون حقهم في الحكم والولاية على بلاد المسلمين[[11]]. 
5- أن يكون عَدْلاً: أي أن يكون صالحاً في نفسه؛ فليس له سوابق في الإجرام، وارتكاب الكبائر، والموبقات.
قال تعالى:) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (البقرة:124.
قال ابن عباس: سأل إبراهيم u أن يُجعَل من ذريته إمام؛ فأعلمه الله أن في ذريته من يعصي فقال:) لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (.
قال القرطبي في التفسير: استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على أن الإمام يكون من أهل العدل والإحسان والفضل مع القوة على القيام بذلك، وهو الذي أمر النبي r ألا ينازعوا الأمر أهله، على ما تقدم من القول فيه. فأما أهل الفسوق والجور والظلم فليسوا له بأهل، لقوله تعالى:[ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ]ا- هـ.
وقال 1/270: لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق .. ا- هـ.
وقال الشوكاني في التفسير: وقد استدل بهذه الآية جماعة من أهل العلم على أن الإمام لا بد أن يكون من أهل العدل والعمل بالشرع كما ورد، لأنه إذا زاغ عن ذلك كان ظالماً ا- هـ.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان 1/66، وهو يعدد شروط الإمامة: أن يكون عدلاً فلا تجوز إمامة الفاسق ا- هـ.
وقال تعالى:) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور:4.
قلت: فإذا كان الذين يرمون المحصنات من دون أن يأتوا بأربعة شهداء، يشهدون على صحة ما يقولون .. تسقط عدالتهم .. وبسقوطها لا تقبل شهادتهم أبداً .. ومن لا تُقبل شهادته فمن باب أولى أن لا يكون حاكماً عاماً على المسلمين، أو قاضياً عليهم!
وكذلك قوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (الحجرات:6. فالفاسق لا يُقبل خبره من غير تثبت .. ومن كان كذلك فمن باب أولى أن لا يولى حاكماً أو إماماً على المسلمين.
6- أن يكون عالِماً: ملماً بفقه الشريعة، وفقه الواقع بصورة تمكنه من القيام بشؤون الحكم والسياسة بطريقة صحيحة ومعطاءة .. فشؤون الحكم لا يمكن أن تنهض أو أن يستتب لها أمر مع الجهل أو بالجهل .. فجاهل الشيء كفاقده لا يمكن أن يعطيه للآخرين .. فضلاً عن أن يكون حاكماً راعياً لهم ولمصالحهم .. فالعلم يتقدم العمل ـ أي عمل ـ وهو شرط لصحته .. لا يصح ولا يُقبل إلا به .. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
لذا فإن من أهل العلم من اشترط في الحاكم " أن يكون ممن يصلح أن يكون قاضياً من قضاة المسلمين، مجتهداً يمكنه الاستغناء عن استفتاء غيره في الحوادث "[[12]].
7- أن يتمتع بصفات جسدية ونفسية تمكنه من القيام بشؤون الحكم: حيث لا يجوز أن يكون أصمّاً، أو أبكماً .. أو مبتور اليدين أو الرجلين .. أو فيه أي نقصٍ آخر يوقعه في العجز عن القيام بمتطلبات وشؤون الحكم .. أو أن يكون جباناً رعديداً لا يقوى على إقامة الحدود والقِصاص الشرعي .. ولا تسيير السرايا والجيوش للذود عن الأمة، ودينها، وحرماتها .. فهذه صفات سلبية تسلب الحاكم الشرعية، والأحقية في الحكم والرئاسة.
قال تعالى:) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة:247. فالذي ميز طالوت، وأهَّله للحكم والملك من دون بني إسرائيل .. سعة في العلم .. وجمال وقوة في الجسم.
فالحاكم الناجح؛ هو الحاكم القوي الأمين؛ الذي يجمع بين التّقوى، وسعة الدراية، والذكاء، والشجاعة، والدهاء، في آنٍ معاً.


[1] أخرجه الحاكم وغيره، السلسلة الصحيحة: 1389.
[2] ومنه تعلم خطأ بعض شيوخ العصر، وبعض الجماعات المعاصرة التي تُحسَب على العمل الإسلامي .. عندما قالوا: بجواز ولاية ورئاسة غير المسلم على المسلمين في بلادهم ـ مغلبين للولاء والانتماء الوطنيين على العقيدة والنص ـ وأنهم بقولهم الشنيع هذا قد خالفوا النص والإجماع معاً!  
[3] صحيح سنن النسائي: 3211.
[4] صحيح سنن أبي داود: 3700.
[5] صحيح سنن أبي داود: 3700.
[6] صحيح الجامع: 3513.
[7]  أخرجه ابن حبان، وغيره، السلسلة الصحيحة: 1778.
[8]  السلسلة الصحيحة: 1555.
[9] أخرجه الطبراني وغيره، السلسلة الصحيحة: 1739.
[10] صحيح سنن الترمذي: 1874.
[11] حتى أن منهم لو سألته لماذا لا تحكم في البلاد والعباد بما أنزل الله ..؟ لأجابك من فوره، أمريكا ودول الغرب .. لا تسمح لنا .. ولا يمكن أن نخالفهم .. فتأمل!
  وهم لكي يتمكنوا من استعباد الحاكم ـ من بني جلدتنا ـ والتحكم به وبقراراته وسياساته .. ينهجون معه عدة أساليب: منها؛ أنهم يحملونه على اعتماد سياسات خاطئة يستعدي بها شعبه .. فيفقد بذلك محبتهم، ودعمهم له، والقوة الداخلية التي يركن إليها عند الشدة .. مما يضطره أن يلجأ للقوى الخارجية الأجنبية، والاستعانة بها عند أول خطر يهدد سلطانه، ونظامه .. فتراه من هذا الوجه، يثق بالعدو الأجنبي الكافر أكثر مما يثق بشعبه.
  ومنها؛ إغراقه بالديون الدولية .. بصورة توقعه بالعجز عن سدادها .. فيعرض عليهم عوضاً عنها .. خيرات البلاد .. والتدخل بشؤون العباد والبلاد .. والتحكم بالداخل إليها، والخارج منها! 
  ومنها؛ عرض مِنح ومساعدات مالية ضخمة عليه .. بحجة دعم مؤسسات نظامه .. فيعتاد عليها .. إلى أن يصعب عليه في النهاية مخالفتهم من أجلها .. فيتلقى إملاءاتهم كأوامر لا تُرَد!
  ومنها؛ إيهامه بعجزه عن الدفاع عن نفسه وبلده .. ومواجهة الأخطار المحدقة به بمفرده .. وبالتالي لا بد له من الدخول في تحالفات دولية عسكرية .. تسهل للعدو بفتح قواعد عسكرية ضخمة في عقر داره .. تجعله في النهاية في خانة العبيد والتبع لهم ولقراراتهم!
  ومنها؛ إيهامهم له بأنهم سيحمونه ضد أي تهديد له داخلي كان، أم خارجي .. مقابل الدخول في طاعتهم، وسياساتهم .. ومراعاة مصالحهم في المنطقة!
  ومنها؛ اعتماد أسلوب ابتزازي غير أخلاقي؛ كعرض نساء جميلات عليه ـ بأساليب شتى ـ فيقع في فتنتهن .. فيصعب عليه بعد ذلك مخالفتهم .. بعد علمه بتصويرهم له في أوضاع مشينة تحرجه أمام شعبه .. فيتحول ـ بسبب ذلك ـ إلى أسير بين أيديهم .. بينما شعبه يظنه حراً! 
  كل هذه الأساليب يعتمدونها .. في إغواء .. وأسر حكام بلادنا وزماننا .. وقليل منهم الذي ينفد منها!
[12]  أضواء البيان، للشنقيطي: 1/67.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق