الخميس، 26 ديسمبر 2013

خطوات قبل الخروج المسلح على الحاكم الطاغية



خطوات قبل الخروج المسلح على الحاكم الطاغية :  صوناً للدماء، والحرمات .. وتقليلاً للضرر .. يمكن اتباع جملة من الإجراءات السلمية لإسقاط الطاغوت ونظامه: كالتظاهرات، والاعتصامات في الميادين والساحات، والعصيان المدني العام؛ والذي يعني اعتزال الطاغوت ونظامه، ومؤسساته، والعمل عنده، ومعه .. وعدم صرف شيء من الضرائب، والحقوق له، ولخزائنه .. وعدم طاعته في شيء مما يأمر به .. فإن جاءت بنتائج مرضية .. وأدت إلى الغرض المنشود .. فهذا خير كثير .. ) وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ (الأحزاب:25. والحمد لله رب العالمين.
       فإن لم تجدِ ـ هذه الوسائل ـ مع الطاغوت ونظامه نفعاً .. وأبى إلا القتل والقتال .. والسطو على الحقوق والحرمات .. فحينئذٍ لا بد، ولا مفر ـ للشعوب المسلمة ـ من القتال والنزال .. وإن كان هذا الخيار قد تكرهه بعض النفوس، لكن عسى أن يكون فيه خيراً كثيراً بإذن الله، كما قال تعالى:) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (البقرة:216.
       وقال تعالى:) وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً (النساء:75.
       فإن قيل: أين الدليل على شرعية الوسائل السلمية الآنفة الذكر ..؟
       قال تعالى:) وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة:2. واعتزال الطاغوت والعمل عنده ومعه من التعاون على البر والتقوى .. والعمل عنده ومعه هو من التعاون على الإثم والعدوان.
       وقال تعالى:) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ (مريم:48. فاعتزال الطواغيت الظالمين، والعمل معهم، وعندهم سنة من سنن إبراهيم u .. والتي لا يرغب عنها إلا من سفه نفسه، كما قال تعالى:) وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ (البقرة:130. وقال تعالى:) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (الممتحنة:4.
       وقال تعالى:) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (الزمر:17. فاجتناب الطاغوت، واعتزاله، واعتزال العمل معه، والكفر به مطلب من مطالب الشريعة، وغاية من غاياتها، كما قال تعالى:) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ (النحل:36.
       وفي الحديث فقد صح عن النبي r أنه قال:" ليأتينَّ عليكم أمراءٌ، يقربون شرارَ الناسِ، ويُؤخِّرون الصلاةَ عن مواقِيتها، فمن أدركَ ذلك منهم، فلا يَكونَنَّ عِرِّيفاً[[1]]، ولا شرطيّاً، ولا جابياً، ولا خازِناً "[[2]].
       وقال r:" يليكم عمالٌ من بعدي يقولون مالا يَعلمون، ويَعملون مالا يَعرفون، فمن ناصحَهم، ووازَرَهم، وشَدَّ على أعضادِهم، فأولئك قد هلَكوا وأهلَكوا، خالِطُوهم بأجسادِكُم، وزايلوهم بأعمالِكم، واشهدوا على المحسن بأنَّه محسنٌ، وعلى المسيءِ بأنه مسيءٌ "[[3]]. وماذا يعني العصيان المدني أكثر مما دلت عليه ألفاظ وكلمات هذا الحديث الشريف؟!
       وقال r:" سيليكُم أمراءٌ بعدي يُعرِّفونَكم ما تُنكِرون[[4]]، ويُنكِرون عليكم ما تَعرفون[[5]]، فمن أدركَ ذلك منكم، فلا طاعةَ لمن عصى الله "[[6]].                  
       وقال r:" اسمعوا، هل سمعتهم أنه سيكون بعدي أمراءٌ فمن دخلَ عليهم فصدَّقَهم بكذبِهم، وأعانهم على ظُلمِهم فليسَ مني ولستُ منه، وليس بواردٍ عليَّ الحوض، ومن لم يَدخُلْ عليهم ولم يُعِنْهُم على ظلمِهم ولم يُصدقهم بكذِبهم فهو مني وأنا منه، وهو واردٌ عليَّ الحوض"[[7]].
       وقال r:" ألا إنَّها ستكون بعدي أُمراء يظلمون ويَكذبون، فمن صدَّقَهُم بكذبهم، ومالأهم[[8]] على ظُلمِهم، فليس مني، ولا أنا منه، ومن لم يُصدِّقهم بكذبِهِم، ولم يُمالئهم على ظُلمِهم، فهو مني وأنا منه "[[9]].
       وقال r:" سيكونُ أمراءُ تَعرفون وتُنكرون، فمن نابذَهم نجا، ومَن اعتزلهم سَلِم، ومن خالَطَهم هلَك "[[10]].
       وقال r:" مَن أَعانَ ظالماً بباطلٍ ليُدحِضَ بباطلِه حقَّاً، فقد بَرِئ من ذِمَّةِ الله U وذِمَّةِ رسولِه "[[11]].
       وقال r:" من أتى أبوابَ السُّلطانِ افتُتِنَ، وما ازدادَ أحدٌ من السُّلطان قُرباً، إلا ازدادَ من اللهِ بُعداً "[[12]]. وغيرها كثير من النصوص الشرعية التي تلزم باعتزال الطغاة الظالمين، وعدم طاعتهم، والعمل معهم، وعندهم .. والتي تعني وفق التعبير المعاصر الشائع بـ " العصيان المدني "[[13]].


[1] العرِّيف: هو القيِّم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم، ويتعرف الأمير منه أحوالهم " النهاية ". والجابي: هو الذي يقوم بمهمة جباية وتحصيل الأموال والضرائب من الناس لصالح خزانة الدولة. والخازن: هو الذي يقوم بمهمة حراسة ورعاية خزانة الدولة المالية، وإحصاء ما يدخل إليها وما يخرج منها، ويمثل في زماننا وزير المالية.
[2] رواه ابن حبان، السلسلة الصحيحة: 360.
[3] رواه الطبراني، السلسلة الصحيحة: 457.
[4] أي ما تنكرون من الباطل الذي يخالف دينكم.
[5] من الحق الذي يوافق دينكم.
[6] رواه الحاكم، السلسلة الصحيحة: 590.
[7]  صحيح سنن الترمذي: 1843.
[8] أي طاوعهم ووافقهم.
[9] أخرجه أحمد، صحيح الترغيب: 2244.
[10] رواه الطبراني، صحيح الجامع: 3661.
[11] السلسلة الصحيحة: 1020.
[12] رواه أحمد، السلسلة الصحيحة: 1272.
[13] كتبت مقالة بعنوان " دعوة إلى العصيان المدني "، وهي منشورة في موقعي، قبل عشر سنوات تقريباً، بتاريخ 8/8/2002 م .. حتى لا يُقال أننا اهتدينا إلى هذا الأسلوب أو الوسائل في زمن الثورات العربية الإسلامية المعاصرة!  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق