الخميس، 26 ديسمبر 2013

مصدر التشريع



       ـ مصدر التّشريع.
     ـ الله عزَّ وجَل: مصدر التَّشريع؛ التحليل، والتحريم .. التحسين والتقبيح .. الأمر والنهي .. هو الله تعالى وحده لا شريك له.
       لماذا ..؟
     لأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق لهذا الكون وما فيه، ومن فيه .. المالك له .. والقادر عليه، العالم بما ينفعه، وبما يضره .. له الأسماء الحسنى والصفات العليا .. فهو I خالق الخلق، ومالك الملك .. ورب العالمين .. وكما له الخلق والملك لا شريك له، كذلك له الحكم والشرع، والأمر، والنهي، لا شريك له .. فحكمه الكوني والشرعي، هو الذي يجب أن يمضي في خلقه، وبين عباده .. فكما أنه I في السماء إله فهو كذلك في الأرض إله .. وكما أنه I هو الرب الخالق، فهو كذلك الإله المعبود بحق، المطاع .. وعباده ليس لهم إلا أن يدخلوا في عبادته وطاعته، والتحاكم إلى شرعه دون أحدٍ سواه .. وإلا فهو الشرك، والعصيان .. والخروج من دائرة الإيمان والإسلام .. والدخول في عبادة الطواغيت والأصنام والأوثان.
وقال تعالى:) وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (الكهف:26. أي لا يُشرِك في حكمه الكوني والشرعي أحداً، فكما أنه لا شريك له في حكمه وتصريفه وتدبيره للأكوان .. يفعل ما يشاء، فلا يُسأل عما يفعل .. كذلك ليس له شريك في حكمه الشرعي؛ التحليل والتحريم .. ما يجوز وما لا يجوز .. الأمر والنهي، كما قال تعالى:) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (الأنبياء:23. وقال تعالى:) وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (الرعد:41.
وقال تعالى:) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ (يوسف:40. أي ليس الحكم لأحدٍ إلا لله .. نفي يعقبه أداة استثناء " إلا " يفيد الحصر والقصر ) أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ (؛ العبادة العامة الجامعة لكل ما يحبه الله تعالى من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، بما في ذلك عبادة الطاعة والتحاكم إلى حكمه وشرعه I.
وفي الحديث، فقد صح عن النبي r أنه قال:" إن الله هو الحَكَمُ، وإليه الحُكمُ "[[1]]. أي وإليه الحكم حصراً، وقصراً.
وقال تعالى:) أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (الأعراف:54. فكما له الخلق، فله الأمر .. والذي له الخلق، هو الذي له الحكم والأمر لا شريك له )  تَبَارَكَ اللّهُ (؛ أي تعاظم وتعالى شأنه I عن أن يكون له شريك في الخلق أو شريك في الحكم والأمر .. فكما ليس له شريك في الخلق، كذلك لا يجوز أن يكون له شريك في الحكم والأمر، وهو ) ربُّ العالمين (. 
وقال تعالى:) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (الزخرف: 84. فكما أن الله تعالى هو المعبود المطاع بحق في السماء، كذلك فهو المعبود المطاع بحق في الأرض .. وما الأرض في عالم السماء إلا كذرة في فلاة!
وقال تعالى في الذين يعدلون عن حكمه إلى حكم الطاغوت:) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً (النساء:60. فاعتبر القرآن إيمانهم زعماً لا حقيقة له في الصدور .. وذلك لعدولهم عن حكم الله I وعن التحاكم إلى شرعه .. إلى التحاكم إلى الطاغوت وشرعه؛ وكل حاكم لا يحكم بما أنزل الله .. أو شرعٍ غير شرع الله U فهو طاغوت .. يجب الكفر به والبراء منه كما قال تعالى) وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ (. 
وكذلك قوله تعالى:) وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ .. فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .. فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (المائدة:44-45-47. 
أما المخلوق الذي لا يخلق شيئاً، ولا يقدر على أن يخلق شيئاً .. كما أنه ـ على الحقيقة ـ لا يملك شيئاً، فهو عنه زائل لا محالة .. كما لا يملك لنفسه، ولا لغيره نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله .. وصفاته كلها قائمة على النقص، والعجز والضعف .. ومثل هذا أنّى له أن يكون إلهاً ورباً ومشرعاً مطاعاً في الأرض؛ له الأمر والنهي، والحكم من دون الله .. فيشرع للعباد ما يهوى ويشاء؛ يُحل لهم ما يراه حلالاً، ويحرم عليهم ما يراه حراماً .. ثم ما على الناس سوى الدخول في عبادته وطاعته من دون الله .. ففاقد الشيء لا يُعطيه .. ثم هو عمل غير صالح؛ هو من الشرك، والضلال المبين والعياذ بالله .. فيه امتهان لكرامة وعزة وحرية وآدمية الإنسان .. وأي امتهان أسوأ وأحط لآدمية الإنسان من أن يُساق مع القطيع إلى مزرعة العبودية للطغاة العبيد .. بعد أن أكرمه الله بالتوحيد .. والانعتاق من العبودية للعبيد؟! 
قال تعالى:) أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (الأعراف:191. سؤال تقريعي توبيخي يفيد التعجب؛ إذ كيف يُشركون مع الله تعالى في الحكم والتشريع أرباباً مخلوقة .. لا يخلقون شيئاً .. ولا يقدرون؟!
وقال تعالى:) أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ (؛ هل يستويان مثلاً لتصرفوا العبادة لمن لا يخلق، كما تصرفوها لمن يخلق .. وتتحاكموا إلى شرع وقانون من لا يخلق كما تتحاكموا إلى شرع وقانون من يخلق .. ) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (النحل:17. أفلا تعقلون .. أفلا تبصرون .. أفلا تتفكرون .. أليست لكم عقول ) أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (محمد:24.
وإنّ عجبي ليشتد من أناس يُؤمنون بالربوبية .. ثم هم يجحدون الألوهية!
يُؤمنون ويُسلمون بأن الله سبحانه وتعالى هو الرب الخالق، والمالك لهذا الكون، وما فيه من مخلوقات وآيات باهرات .. ثم هم يُجادلون في حقه I في التشريع، والتحليل والتحريم؟!
يُؤمنون ويُسَلّمون بأن له الخلق .. ثم تراهم يُجادلون فيمن له الأمر، والحق في الأمر؟!
يُؤمنون ويُسلّمون بحكمته البالغة فيما قد خلَق من عجائب المخلوقات في السماوات والأرض .. وبحسن تدبيره ورعايته لهذه المخلوقات .. ثم تراهم يجادلون ويُشككون بحكمته فيم قد شرَّع من شرائع، وأحكام ...؟!
قال تعالى:) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ . أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ . أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (النمل:69-64.
وقوله تعالى:[ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ]؛ أي أمألوه ومعبود ومطاع فيما يأمر ويُشرع، ويحلل، ويُحرم .. مع الله؟!
حقَّاً ) فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج:46.


[1]  رواه أبو داود، وغيره، صحيح الجامع: 1845.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق