الخميس، 12 ديسمبر 2013

بجماليون بين برنارد شو و توفيق الحكيم

بجماليون بين برنارد شو و توفيق الحكيم
بجماليون في القصة القصيرة
1- الأسطورة في المصادر اليونانية( انظر كتاب معجم الأساطير اليونانية و الرومانية لسهيل عثمان و آخرين)
كان بغماليون ملكا على قبرص، ونحاتا بارعا، قضى معظم حياته عزبا إلى أن صنع تمثالا عاجيا لامرأة جميلة، فوقع في غرام التمثال، لذلك دعا الآلهة أفروديت (آلهة الجمال والخصب عند اليونان) أن تبعث فيه الحياة، فاستجابت لدعائه، فكانت (جالاتيا) التي تزوجها وولدت له (بافوس).
إن أول من تحدث عن أسطورة بغماليون هو أوفيد الروماني في قصصه "المسخ" ثم تناولها شعراء وكتاب من مختلف الآداب، وخاصة من الإنكليز كالشاعر جون مارستون في قصيدته "نفخ الروح في صورة بيغماليون"
وقد كانت هذه الأسطورة موضوعا أثيرا في عصر النهضة، ثم في العصر الحديث فنجد مسرحية برناردشو التي تحمل عنوان الأسطورة نفسها "بغماليون" ومسرحية توفيق الحكيم التي حملت أيضا الاسم ذاته للأسطورة أيضا.
2- مسرحية بجماليون لبرنارد شو
ظهرت مسرحية (بغماليون) لبرناردشو عام (1912) وقد كان بطلها (هيجنر) عالما متخصصا في دراسة الأصوات، يعجب أثناء توقفه في المحطة بلهجة بائعة الزهور(أليزا) إذ إنها بلهجتها غير المدنية تتيح له الفرصة لدراسة الأصوات، ومعرفة مدى قدرته على تحويل اللهجة الريفية إلى لهجة مدنية، فيعرض عليها فكرة تحويلها إلى سيدة من المجتمع الراقي، تعجبها الفكرة فتوافق، و بهذا تستطيع الفتاة الظهور في المجتمع بوصفها دوقة أرستقراطية.
لكن عند (برناردشو) برزت معاناة الفتاة التي انتقلت بفضل العالم (هيجنر) من طبقة فقيرة إلى طبقة غنية، فعاشت صراعا بين القيم التي نشأت عليها، وبين قيم حياة جديدة، لا ترأف بالإنسان، إلى أن ينتهي هذا الصراع بهروب الفتاة مع رجل من طبقتها يعمل سائقا لسيارة أجرة.
باتت" إليزا" تكره تلك الحياة الزائفة و تحتقرها و تفضل عليها حياة الفقر و بيع الزهور.
فالمسرحية تلتقي بالأسطورة في هاجس تحويل المرأة من حال إلى حال عبر قدرات خاصة هي العلم عند (برنارد) و الآلهة في الأسطورة.
و إذا ما دخلنا أجواء المسرحية نجد أنها أجواء واقعية بعيدة عن المعاني الأسطورية إذ تنطق بهموم الإنسان و أزماته.
3- بجماليون عند توفيق الحكيم
يعترف توفيق الحكيم في مقدمة المسرحية بأن أول من كشف له عن روعة أسطورة بجماليون هو الفنان جان راوكس من خلال لوحة زيتية تدعى بجماليون و جالااتيا.
كما نجده يشير إلى الفيلم السنمائي المقتبس من مسرحية بجماليون لبرنارد شو.
إن التمثال الحجري الذي أبدعه بجماليون يتحول إلى امرأة بارعة الجمال بعد أن تضرع بجماليون لفينوس آلهة الحب عند الرومان كي تحول هذا التمثال الذي عشقه بجماليون إلى المرأة التي يردها ليكون جالاتيا، لكن جالاتيا تسأم من حياتها فتنطلق مع نرسيس(حارسها الوسيم) عبر الحقول في لهو بريء فيغضب بجماليون لشكه في أنها تخونه، هنا تتدخل الآلهة و تصلح بينهما بعد أن تؤكد براءة جالاتيا.
بعد مرور مدة من الزمن يكتشف بجماليون أن زوجته جالاتيا تعيش حياة عادية و تنأى عن المثال الرائع للجمال الذي كانت عليه حين نحتها، يزداد هذا الشعور عندما يراها تمسك بالمكنسة لتمسح الغبار فيتأكد بجماليون ان تمثاله فارق عالم الجمال الخالد و أصبح امرأة عادية لن تلبث إلا أن تهرم و تموت، لذلك يبتهل بجماليون مرة اخرى لآلهة فينوس لتعود جالاتيا مثالا كما كانت، فتستجيب فينوس فتستل الروح من جالاتيا لتعود تمثالا، و لكن بعد مدة يشعر بجماليون بالوحدة و يفتقد جالاتيا المرأة فيعود مرة ثالثة إلى الآلهة و يبتهل إليها لتعود جالاتيا امرأة و لكن الآلهة ترفض طلبه هذا فيعاني الفنان من صراع نفسي بين المرأة و التمثال فينتهي به الأمر إلى تحطيم التمثال ثم الموت حسرة.
لو تأملنا نقاط الإختلاف بين الأسطورة و مسرحية بجماليون لتوفيق الحكيم للاحظنا في يسر دور التخييل الفني في إصباغ الحياة على الأسطورة فالكاتب يطلق خياله ليتابع سيرة بجماليون بعد زواجه فلا يكتفي بما تقوله الأسطورة بأن( السعادة رفرفت على حياة بجماليون و جالاتيا) بل يتابع عبر خياله تفاصيل الحياة اليومية التي توتر العلاقة بين الرجل و المرأة.
كما نجد توفيق يغير بعض الأسماء الأسطورية، فتتحول أفروديت اليونانية التي وجدناها في الأسطورة اليونانية إلى فينوس الرومانية، كذلك أضاف توفيق شخصيتي نرسيس و إيسمين.
نخلص بعد هذا إلى القول- بحذر شديد- أن توفيق الحكيم يسقط صراعه النفسي الداخلي في هذه المسرحية ممثلا علاقته المتوترة بالمرأة ، حيث يجلها مصدر الشقاء فهي التي أدت إلى شقاء بجماليون و موته في النهاية، إن هذا الإسقاط يعكس مدى تأثر توفيق الحكيم بعواطفه الخاصة و نوازعه الداخلية و مشاعره المضطربة تجاه الجنس الآخر.
هناك بقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق