الأمراء والحكام في الاسلام : وهم الفريق الثاني من أولي الأمر؛ الذين تجب
طاعتهم بالمعروف، وبشرطه، كما تقدم ذلك في حق العلماء، وكما سنبين ـ إن شاء الله ـ
ذلك في حق الأمراء.
ـ كيفية اختيار الحاكم: العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة
تعاقدية قائمة على الرضى والموافقة بين الطرفين؛ بموجب هذا العقد يتم أداء كل طرف
منهما ما عليه من حقوق نحو الطرف المقابل .. وبالتالي لا بد من مشورة الناس،
والتماس رضاهم وموافقتهم في اختيار الحاكم الذي يريدونه، ويرتضونه لدينهم ودنياهم
.. وهو شرط لصحة ومضي العقد.
قال تعالى:) وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ (الشورى:38.
وقال تعالى:) وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ (آل
عمران:159. وكلما عظم الأمر كلما تعينت الشورى .. وتعين توسيع الشورى بين الناس ..
ولا أظن أن هناك ما هو أعظم وأخطر على الناس، من شأن من يحكمهم .. ويسوسهم ..
وبماذا سيسوسهم .. وبالتالي كلما توسعت مشورة الناس في اختيار الحاكم الذي يرتضونه
.. كلما كان ذلك أقرب لمقاصد الشريعة، والسياسة الشرعية.
وفي تاريخنا الإسلامي ما يدل على صحة ما أشرنا
إليه .. فخلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه حصلت بعد نوع انتخاب وتصويت .. فيم بين
الصحابة الستة الذين حددهم عمر رضي الله عنه .. إضافة إلى عبد الله بن عمر كعنصر
مرجح من دون أن يكون له الحق في الترشح للخلافة .. ومما أوصى به عمر رضي الله عنه
الصحابة ـ وهو وينازع على فراش الموت ـ:" فمن تأمّر منكم من غير مشورةٍ من
المسلمين فاضربوا عنقه "!
فحصلت تصفية فيم بين الصحابة الست .. فبعضهم
تنازل لصالح عثمان، وبعضهم الآخر تنازل لصالح علي رضي الله عنهما .. حتى آل الأمر
إلى عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما .. فقام عبد الرحمن بن عوف ـ
الذي فوض الأمر إليه في اختيار واحد منهما ـ يلتمس آراء ورغبة أهل وسكان المدينة
فيمن يريدون؛ هل يريدون علي بن أبي طالب، أم عثمان بن عفان .. فكان الناس يجتمعون
في تلك الأيام إلى عبد الرحمن يُشاورونه ويُناجونه، فلا يخلو به رجلٌ ذو رأي
فيعدلُ بعثمانَ أحداً، ولما جلس عبد الرحمن للمبايعة، حمد الله وأثنى عليه، وقال
في كلامه:" إني رأيت الناسَ يأبون إلا عثمان ". وفي رواية:" أما
بعد، يا علي، فإنّي نظرتُ في الناسِ فلم أرهم يعدلون بعثمانَ، فلا تجلعنَّ على
نفسك سبيلاً، ثم أخذ بيد عثمان فقال: نبايعك على سنة الله وسنة رسوله، وسنة
الخليفتين بعدَه، فبايعه عبد الرحمن بن عوف، وبايعه المهاجرون والأنصار[[1]].
فهذه صورة من صور الحكم التي تدل على أن
التصويت .. والانتخاب .. والترشّح .. والتماس رغبة وإرادة الناس فيمن يريدون من
الحكام .. لها أصولها في ديننا وتاريخنا الإسلامي .. وهي ليست بدعة من القول، وليست
هي من المحدثات كما يظن البعض .. وفي الحديث فقد صح عن النبي r أنه قال:" ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة، ولا تصعد إلى
السماء، ولا تجاوز رؤوسهم: رجلٌ أمَّ قوماً وهم له كارهون ..". وفي
روايةٍ:" أيما رجل أمَّ قوماً وهم له كارهون، لم تجزْ صلاته أُذنيه ".
فإذا كانت الصلاة أهم ركنٍ في الإسلام بعد شهادة التوحيد .. ينبغي أن يُراعى في
إمام الجماعة رغبة ورضى الناس .. فإذا أمهم إمام وهم لإمامته كارهون لا تُقبل
صلاته .. ولا تتجاوز صلاته شحمة أذنيه .. فما بالكم بإمامتهم في شؤون الحكم
والسياسة والحياة العامة لا شك أن مراعاة والتماس رغبة ومرضاة الناس يكون من باب
أولى.
وقال r:" خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم،
ويُصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم
.." مسلم. فدل حديث النبي صلى الله عليه وسلم على أن من العلامات التي
يُفرَّق فيها بين خيار أئمة الحكم من شرارهم .. هو بالنظر إلى مدى رضى الناس عن
أولئك الأئمة، وحبهم لهم .. أو سخطهم وبغضهم لهم .. وبالتالي فإن التماس الحكام
لمرضاة وحب الناس لهم، بخدمتهم، وحسن رعايتهم ـ فيم يرضي الله U ـ مطلب من مطالب الشريعة .. وهو من السياسة الشرعية .. وبالتالي
فإن فكرة فرض الحاكم على الناس بالقوة والإكراه، هي ليست من الإسلام في شيء ..
والإسلام منها براء!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق