تعريف السياسة الشرعية: السياسة الشرعية في
الإسلام تعني ضبط وتوجيه السلوك البشري ـ سواء كان راعياً أم مرعياً ـ بمقاصد
وأحكام الشريعة.
ويُقال كذلك: هي إلزام الراعي والرعية
بعدل وتعاليم الإسلام .. فتكون السياسة الشرعية ـ من هذا الوجه ـ ملزمة للراعي
والرعية سواء.
ويُقال كذلك: هي ضبط علاقة الراعي
بالرعية، وعلاقة الرعية بالراعي، وما لكلِّ طرفٍ منهما من حقوق على الآخر، وما على
كل طرفٍ منهما من واجبات نحو الآخر .. من منظورٍ إسلامي.
ويُقال كذلك: هي سياسة الدنيا وقيادتها
بالدين.
ويُقال كذلك: هي قيادة الناس إلى مصالحهم
الدينية والدنيوية بأحكام الشريعة الإسلامية.
ويُقال كذلك: هي فهم الواقع، وتفسيره،
والتعامل معه من منظور إسلامي.
فكل
هذه التعاريف للسياسة الشرعية في الإسلام ممكنة وصحيحة، وهي متقاربة ومتشابهة في
المعنى والدلالات لا تنافر ولا تعارض فيم بينها، ولله الحمد.
فالسياسة
الشرعيّة معنية ـ بالدرجة الأولى ـ بحفظ المقاصد والمصالح التي جاء بها الإسلام،
وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعِرض أو النَّسل، والمال .. وهذا من لوازمه حفظ
الأرض، والوطن؛ لأن الوطن محضن آمن لتلك المقاصد كلها، تفقد تلك المقاصد وجودها
بفقدان الوطن الإسلامي الآمن الذي يحتضن تلك المقاصد، من هنا نص أهل العلم على أن
الجهاد في سبيل الله يتعين على الأمة لو أن العدو سطا واعتدى على شبر واحدٍ من
أرضها وأوطانها.
كما أن السياسة الشرعية معنية بتقديم المصالح
الأعم والأعظم ـ عند التعارض والتزاحم ـ على المصالح الأقل، والأخص .. وهذا يقتضي
ـ من المسلم السياسي ـ دراية تامة وضقيقة بفقه الواقع وتعقيداته، وبالنص الشرعي
وفقهه ودلالاته المطابق للواقع في آنٍ معاً .. والجهل بأحدهما مؤداه للجهل بالآخر،
والوقوع في أخطاء سياسية وشرعية فادحة، لا تُؤمَن عواقبها.
كما
يستدعي ـ من المسلم السياسي ـ القدرة العالية على الترجيح بين المصالح والمفاسد ـ
وفق ضوابط النقل والعقل ـ فيقدم أعظم المصالح على من دونها وذلك عند استحالة
التوفيق والجمع بينهما .. كما يدفع أكبر المفاسد والأضرار بارتكاب أقلها مفسدة
وضرراً .. وذلك عند استحالة دفعها معاً.
وعليه فنقول: كلما كان المرء مدركاً
وملماً للنصوص الشرعية وفقهها ودلالاتها .. وبخاصة منها النصوص المتعلقة بالعقيدة
والتوحيد .. وكذلك كان ملماً ومدركاً لواقعه ومشاكله، ودهاليزه، وما ظهر منه وما
بطن .. وبخاصة منه سبل المجرمين .. ومذاهبهم .. ومخططاتهم التي تستهدف الأمة في
دينها وحضارتها وأخلاقها وثرواتها .. وحاضرها ومستقبلها .. كلما كان عالماً
بالسياسة وأكثر سياسة ووعياً وإلماماً للسياسة ومتطلباتها ومشاكلها وتعقيداتها ..
والعكس كذلك كلما كان جاهلاً بهذا أو ذاك ـ أو بكلاهما معاً ـ كلما كان جاهلاً
بالسياسة .. وكثرت أخطاؤه السياسية .. مهما اشتغل بالسياسة .. وتكلم بالسياسة ..
وزعم أنه من السياسيين.
قال تعالى:) وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ
سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (الأنعام:55.
فمن لم يفقه تفصيل الآيات لم تستبن له سُبل المجرمين .. وصعب عليه معرفتها ..
وبالتالي التحذير منها .. ولربما تعامل مع الحق على أنه باطل، ومع الباطل على أنه
حق .. ومع الصديق على أنه عدو، ومع العدو على أنه صديق ... ومن لم تستبن له سُبل
المجرمين، ولم يحسن التمييز بين الحق من الباطل، ولا بين الصديق من العدو .. أنَّى
له أن يكون سياسياً واعياً .. أو صالحاً أصلاً للعمل السياسي .. فجاهل الشيء
كفاقده، لا يمكن أن يعطيه للآخرين!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق