ـ خصائص الشريعة الإسلامية: قد انفردت الشريعة الإسلامية بخصائص وصفات عظيمة، لا توجد في غيرها من
الشرائع الأرضية والوضعية .. منها:
1- أنها
ربانية المصدر: أي أن الشريعة
الإسلامية صادرة عن الله عز وجل؛ فهي منه I مصدراً ووحياً، وتنزيلاً، ومن
نبيه r تبليغاً وبياناً للناس أجمعين.
كما قال تعالى:) إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ
النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً (النساء:105. فالله I هو الذي أنزل الكتاب المتضمن للشريعة، وهو الذي يُري
ويُعلّم نبيه r كيف يحكم بين الناس بما أنزل الله
إليه.
وقال تعالى:) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (التغابن:8. والنور الذي أنزله الله تعالى هو كتابه، المتضمن لشرعه وأحكامه.
وقال تعالى:) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ ( من الكتاب المتضمن لشرعه وأحكامه،
) وَإِلَى الرَّسُولِ (؛ ليحكم بينكم بما أنزل الله إليه ) رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً (النساء:61.
وقال تعالى:) لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ
وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً (النساء:166. فإن كان الكفار يكذبونك يا محمد فيما أُنزِل إليك .. ويُشككون
في مصدر هذا الكتاب أنه ليس من عند الله .. فالله تعالى يشهد أن الذي أنزل إليك ـ
وهو القرآن الكريم ـ هو من عنده .. فهو منه I .. عالماً به، وبما فيه من أحكام
وشرائع .. والملائكة أيضاً يشهدون بأنه أنزل إليك من الله بالحق .. ) وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً (.
وقال تعالى:) وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
(المائدة:44.
وقال تعالى:) وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (المائدة:45.
وقال تعالى:) وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
(المائدة:47.
وقال تعالى:) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ
أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ
إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم
بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (المائدة:49.
وقال تعالى:) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن
لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (المائدة:67.
وقال تعالى:) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ( من آيات وشرائع وأحكام ) وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء ( ولا تتبعوا شرع أحدٍ من دونه ..
فتتخذونهم بذلك أولياء وأرباباً من دون الله ) قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (الأعراف:3.
وقال تعالى:) وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (؛ أي القرآن والسنة، فحتى السنة
وما تضمنته من أحكام وشرائع فهي منزلة من عند الله تعالى بوحي منه، ) وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ
عَظِيماً (النساء:113.
وغيرها كثير من الآيات
التي تدلل على هذه الخاصية العظيمة الفريدة للشريعة الإسلامية .. وهي أنها ربانية
المصدر .. وهذه جزئية سنعود إليها ـ إن شاء الله ـ بشيء من التوسع، عند الحديث عن
مصدر التشريع.
2- الكمال،
والاكتمال: أعني بالكمال؛ الكمال المطلق
الذي لا يعتريه أي نقص أو ضعفٍ، أو قصور .. والجمال المطلق، الذي يتنافى مع أدنى
درجات القبح .. فكل شعيرة أو شريعة من شرائع الإسلام لها صفة الكمال المطلق،
والجمال المطلق؛ لأنها مستمدة ممن له الكمال المطلق، والجمال المطلق في جميع
أسمائه الحسنى، وصفاته العليا .. والتي من مقتضاها أن لا يصدر عنه I إلا الكمال، والجمال.
قال تعالى:) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ
تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت:42.
قال ابن كثير في
التفسير: أي ليس للبطلان إليه سبيل لأنه منزل من رب العالمين، ولهذا
قال:[ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ]؛ أي حكيم في
أقواله وأفعاله حميد بمعنى محمود أي في جميع ما يأمر به، وينهى عنه الجميع محمودة
عواقبه وغاياته ا- هـ.
وقال تعالى:) أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ
لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً (النساء:82. أي لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً في نظمه، ومعانيه، وبلاغته ..
وأحكامه وشرائعه .. أما وأنه صادر عمّن له الكمال والجمال في جميع أسمائه الحسنى
وصفاته العليا .. فأنّى لهم أن يجدوا فيه شيئاً من ذلك الاختلاف!
وقال تعالى:) قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ
هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
ظَهِيراً (الإسراء:88. لأن هذا القرآن العظيم وما تضمنه من آيات وأحكام وشرائع .. له
صفة الكمال المطلق، والجمال المطلق؛ لأنه صادر عمّن له الكمال المطلق، والجمال
المطلق في جميع أسمائه الحسنى وصفاته العليا .. والأنس والجن ليسوا كذلك .. بل
صفاتهم مجبولة على القصور والضعف، والجهل .. ومن كان كذلك أنّى لهم [ أَن
يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ ] أو [ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ]البقرة:23.
ولو كان بعضهم لبعض نصيراً ومعيناً!
وقال تعالى:) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً
لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (المائدة:50. سؤال يُفيد التعجب، والتوبيخ، والتقريع .. هل يوجد من حكمه
وشرعه مثل أو أحسن من حكم وشرع الله تعالى ..؟!
هذا لا يمكن حدوثه أو
تصوره .. لسعة الفارق الكبير بين صفات المخلوق المجبولة على الضعف والجهل، والقصور
.. وبين صفات الخالق I العليا، التي لها الكمال، والمنزهة عن النقص أو
القصور، والمثيل .. كما قال تعالى:) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الشورى:11. فكما ليس لذاته وصفاته I مثيل أو شبيه .. كذلك ليس لأفعاله
.. مثيل أو شبيه.
قال تعالى:) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا
يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (غافر:20. لا يقضون بشيء؛ لسعة الفارق ـ الذي ليس له حد ـ بين صفات الخالق I العليا، والتي تتسم بالكمال
المطلق .. وبين صفات المخلوق التي تتسم ـ مهما بلغت من درجات القوة والعلم ـ
بالضعف، والعجز، والنقص، والقصور!
وفي الحديث، فقد صحَّ
عن النبي r أنه قال:" إن الله جميلٌ،
يُحبّ الجمال " مسلم. وهذا من مقتضاه ولوازمه أن لا يصدر عنه I إلا الجميل، والأجمل، والأحسن ..
وعليه فمن يرمي شعيرة أو شريعة من شرائع الإسلام بالقبح .. أو يصفها بأنها غير
جميلة .. فهو يناقض هذا الحديث، وغيره من الأحاديث والنصوص .. وبمناقضته لها يكفر
بالله العظيم، ويخرج من الدين، والعياذ بالله[[1]].
وأعني بالاكتمال؛ أي
أن الشريعة الإسلامية قد تمّت وكملت .. فليس فيها نقص .. لنبحث ما يتمم هذا النقص
من الشرائع الأخرى .. أو عن طريق الذوق، والوجد .. التي لها ـ على اختلاف مشاربها
ـ حكم الهوى، والجاهلية.
قال تعالى:) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً (المائدة:3.
وأيما إحداث في الدين
ما ليس فيه فهو رد، كما في الحديث، قال r:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌّ " متفق
عليه. وقال r:" من صنع أمراً على غير أمرنا فهو رد "[[2]].
وقال r:" شرُّ الأمور محدثاتها، وكلُّ بدعة ضلالة " مسلم.
وقال r:" شرُّ الأمور محدثاتُها، وكلُّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلُّ بدعةٍ
ضلالةٌ، وكلُّ ضلالةٍ في النار "[[3]].
3- الشمول، والاستيعاب: فالشريعة
الإسلامية شاملة لجميع مناحي وميادين حياة الإنسان الدينية التعبدية، والاقتصادية،
والسياسية، والاجتماعية، والأخلاقية وغيرها .. كما أنها تستوعب جميع متطلباته
وحاجياته المستجدة، فلا تدعه يحتاج إلى الشرائع الأخرى .. فحاشا الخالق وتنزه I عن أن يخلق العباد .. ثم يتركهم يحتاجون إلى شرع وحكم غيره.
قال تعالى:) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً
(؛ من غير غاية .. ولا شريعة تلتزمونها، توصلكم إلى هذه الغاية ) وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ . فَتَعَالَى
اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (المؤمنون :115-116.
قال تعالى:) وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً
لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل:89.
فقوله " لِّكُلِّ شَيْءٍ "؛ صيغة نكرة تفيد العموم؛ أي فيه كل شيء من
أمور الشريعة مما يحتاجه الناس في معاشهم، ومعادهم.
قال الشيخ ابن العثيمين رحمه الله: فما من شيءٍ
يحتاج الناس إليه في معادهم ومعاشهم إلا بينه الله تعالى في كتابه إما نصاً أو
إيماءً، وإما منطوقاً، وإما مفهوماً ا- هـ.
وكذلك قوله تعالى:) فَإِن تَنَازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (النساء:59.
فقوله [ فِي شَيْءٍ ]؛
صيغة نكرة تفيد العموم؛ أي أي شيء تتنازعون فيه من أمور الدين أو الدنيا .. [فَرُدُّوهُ
إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ]؛ أي إلى الكتاب، والسنة بعد وفاة النبي r .. والله تعالى إذ يأمرنا بأن نرد
النزاعات .. كل النزاعات .. إلى كتابه وسنة رسوله r .. ذلك لتضمن الكتاب والسنة
جواباً وحلاً لكل نزاع مهما كانت طبيعته، ونوعيته .. علم ذلك من علِم، وجهل ذلك من
جهل .. إذ حاشا الخالق I أن يأمرنا برد النزاعات إلى الكتاب والسنة، ثم لا
نجد جواباً ولا حلاً لتلك النزاعات!
وفي الحديث، فقد صح عن
النبي r أنه قال:" إنه ليس شيءٌ
يُقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به، وليس شيءٌ يُقربكم إلى النار إلا قد نهيتكم
عنه "[[4]].
وفي رواية:" ما
تركتُ شيئاً يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله،
ويقربكم إلى النار، إلا وقد نهيتكم عنه "[[5]].
وفي الأثر عن أبي ذر t قال:" ما ترك النبيُّ r طائراً يقلب جناحيه في السماء،
إلا ذكرَ لنا منه عِلماً ".
حتى المصالح المرسلة
المعتبرة، المطلقة، المسكوت عنها، التي لم يرد نص في إقرارها أو إلغائها على وجه التحديد
والتعيين .. قد أشارت إليها نصوص الشريعة إشارة عامة .. ليتنبه إليها العباد،
فيعملوا على تحصيلها .. فالإسلام جاء بتحقيق المصالح، وتكثيرها، ودفع المفاسد،
وتقليلها.
من الأدلة الجامعة
الدالة على ذلك ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ: قوله تعالى:) إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ (النحل:90. العدل في كل شيء .. والإحسان في كل شيء .. ما ذُكر منه بنصٍّ،
وما لم يُذكَر.
وقال تعالى:) وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى
الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة:2. فهذه آية عامّة لامّة، شاملة لكل ما فيه تعاون على البر والتقوى
.. والخير .. ما ورد فيه نص، وما لم يرد .. فالشرع قد أمر به .. وكل ما فيه تعاون
على الإثم والعدوان .. ما ورد فيه نص، وما لم يرد .. فالشرع قد نهى عنه.
وفي الحديث، فقد صح عن
النبي r أنه قال:" لا ضرر، ولا ضرار "[[6]]. فكل ما فيه ضرر في الدين، أو
النفس، أو المال .. فهو حرام .. فالحديث شامل للنهي عن جميع أنواع الضرر، ما ورد
فيه نص معين .. وما لم يرد.
وكذلك قوله r:" إن الله تعالى يحب إذا عمل
أحدكم عملاً أن يُتقنه "[[7]]. فقوله " عملاً "؛
صيغة نكرة تفيد العموم؛ أي أي عمل كان عملاً تعبدياً .. أم عملاً صناعياً .. أم
زراعياً .. أم تجارياً .. أي عمل مشروع .. ينبغي أن يُؤتى على وجه الاتقان والدقة
.. فالله تعالى يحب من عباده ذلك.
وكذلك قوله r:" المؤمن القوي خير وأحب إلى
الله من المؤمن الضعيف " مسلم. فالحديث عام وشامل لجميع ما يدخل من مفردات
ومعاني القوة؛ أي القوي في دينه، وإيمانه، والقوي في علمه، والقوي، في جسده،
والقوي في ماله .. القوي في كل شيء نافع .. فكل هذه الأنواع من القوة الحديث
يشملها ويحض عليها .. والمؤمن ينبغي أن يحرص على تحصيلها وتحقيقها.
وكذلك قوله تعالى في
الحديث القدسي:" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا
تظالموا " مسلم. فالحديث عام وشامل لجميع أنواع الظلم .. وجميع جزئياته مهما
دقت .. ما ورد فيه نص .. وما لم يرد فيه نص .. فهو جميعه محرم على الناس[[8]].
وغيرها كثير جداً من
النصوص العامة التي تحض على تحصيل المصالح سواء ما حدد منها بنص .. أو ما أرسل
وأطلق منها من غير تحديد .. وإني لأعجب من أناس من بني جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا
.. ويتوجهون لقبلتنا .. تراهم يشرّقون، ويُغرّبون .. وهم يبحثون عن القوانين
والشرائع ـ التي لها حكم الهوى والجاهلية ـ ليحكموا بها بلاد المسلمين .. ونحن في
رصيدنا من القيم .. والشرائع الربانيّة العظيمة ما يكفي الأمم كلها، وإلى يوم
القيامة!
والناس لجهلهم
بالشريعة ومقاصدها، إما أنهم يخرجون منها ما هو منها .. فتظهر وكأنها ناقصة عاجزة
عن تلبية متطلبات وحاجيات العصر .. وبالتالي لا بد من البحث عند الآخرين ما يتمم
هذا النقص والقصور .. وإما أنهم يُدخلون فيها ما ليس منها، وما ينافيها .. فينسبون
إلى الشريعة ما ليس من الشريعة .. فيُظهرونها وكأنها تقرر أموراً خاطئة لا يمكن
متابعتها فيها .. فينفرون الناس عن الشريعة، وعن التحاكم إلى الشريعة .. وكلا
الفريقين يُسيئون للشريعة الإسلامية، ولمقاصدها، وجمالها وكمالها!
قال ابن القيم رحمه
الله، في كتابه الطرق الحكمية: وهذا موضع مزلّة أقدام، ومَضَلَّة أفهام، وهو مقام
ضنك، ومعترك صعب، فرّط فيه طائفة؛ فعطلوا الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرأوا أهل
الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة إلى
غيرها، وسدوا على أنفسهم طرقاً صحيحة من طرق معرفة الحق، والتنفيذ له، وعطلوها مع
علمهم ـ وعلم غيرها ـ قطعاً أنها حق مطابق للواقع، ظناً منهم منافاتها لقواعد
الشرع، ولعمر الله إنها لم تنافِ ما جاء به الرسول، وإن نفت ما فهموه هم من شريعته
باجتهادهم، والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة الشريعة، وتقصير في معرفة
الواقع، وتنزيل أحدهما على الآخر.
فلما رأى ولاة الأمور
ذلك، وأن الناس لا يستقيم لهم أمر إلا بأمرٍ وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة،
أحدثوا من أوضاع سياستهم شراً طويلاً، وفساداً عريضاً، فتفاقم الأمر، وتعذر
استدراكه، وعزّ على العالِمين بحقائق الشرع تخليص النفس من ذلك، واستنقاذها من تلك
المهالك.
وأفرطت طائفة أخرى
قابلت هذه الطائفة، فسوغت من ذلك ـ أي من تلك الشرائع المحدثة الباطلة ـ ما ينافي
حكم الله ورسوله، وكلا الطائفتين أُتيَت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به
رسوله، وأنزل به كتابه.
فإن الله سبحانه أرسل
رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسموات، فإن
ظهرت إمارات العدل، وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثمَّ شرع الله ودينه، والله سبحانه
أعلم وأحكم، وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر
منها وأقوى دلالة، وأبين أمَارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها
بموجبها، بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده،
وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين، ليست مخالفة
له.
فلا يُقال: إن السياسة
العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه،
ونحن نسميها سياسة تبعاً لمصطلحكم، وإنما هي عدل الله ورسوله، ظهر بهذه الإمارات
والعلامات ا- هـ.
4- الثبات: فمن خصائص الشريعة الإسلامية الثبات .. فحلالها حلال إلى يوم القيامة،
وحرامها حرام إلى يوم القيامة .. لا يتغير مع الزمان ولا اختلاف المكان .. وذلك
لأنها صادرة عن العليم الخبير القدير I الذي يعلم ما كان، وما يكون، وما
سيكون .. وما ينفع عباده، وما يضرهم، .. مما ظهر وما بطن .. فلا مجال لأن يُقال:
كان هذا التشريع جيداً ونافعاً في زمانٍ .. ثم تبين عدم جدواه في زمنٍ آخر .. فهذا
لا يُقال في حق دين الله .. فما يُقال في حق العباد؛ الذين لا يُعرف لهم قرار ولا
ثبات على قانون أو تشريع، لما يعتريهم من صفات النقص والقصور والجهل .. لا يجوز أن
يُقال في حق العليم الخبير العليم بالنافع والضار في كل زمانٍ ومكان .. فهو من
الطعن بالله U، ونسبة العجز والقصور والجهل إليه
I .. وهذا عين الكفر البواح، قال
تعالى:) فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ
الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (النحل:74. وقال تعالى:) ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ
اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ (المائدة:97. وقال تعالى:) وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (المائدة:99. وقال تعالى:) وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (الإسراء:85.
وهذا بخلاف شرع من لا
يعلمون .. أو من لم يُؤتوا من العلم إلا قليلاً .. فهم ما يُحسّنونه اليوم يقبحونه
غداً، لما يرون في تحسينهم السابق من قصور وخطأ .. وما يُقبحونه اليوم يُحسنونه
غداً؛ لما يرون في تقبيحهم السابق من قصور وخطأ .. والشعوب المحكومة بقوانين هؤلاء
الذين لا يعلمون .. هم الذين يدفعون ضريبة جهل وجاهلية تلك القوانين والشرائع التي
تتسم بالتغيير المستمر .. وهم بالنسبة لأولئك الأرباب ـ الذين لا يعلمون، ولم يُؤتوا
من العلم إلا قليلاً ـ وقوانينهم وشرائعهم عبارة عن حقل تجارب تُجرّب عليهم مدى
صلاحية وسلامة تلك القوانين والشرائع!
5- واقعية،
تصدق العقل، والعقل يُصدقها: الشريعة الإسلامية
والعقل كل منهما يُصدق الآخر، ويدل عليه، من غير تدابر ولا تنافر .. ولا تصادم ..
إذ لا يوجد في الشريعة الإسلامية شيء غير واقعي لا يُصدقه العقل، ولا يُتابعه عليه
.. أو يوجد شيء في الشريعة الإسلامية .. يأتي العقل فيقول: لو لم يوجد هذا .. أو
لو وجد هذا بدلاً من هذا لكان خيراً وأحسن .. فهذا غير ممكن الحصول .. ولو حصل شيء
منه يكون هناك خلل يُلتمس إما من جهة النقل؛ بحيث يكون غير صحيح، وفي ثبوته عن
الشارع والشريعة مقال .. أو أن الخلل يكون في العقل ذاته؛ حيث يكون حينئذٍ ليس
عقلاً .. وإنما هوى .. واتباع الهوى فيما يُخالف النقل الصحيح هو ضلال في ضلال،
قال تعالى:) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ
وَكِيلاً (الفرقان:43.
لذا فإن الإسلام جاء
من أجل حماية مقاصد عدة، لا تستقيم الحياة إلا بها، منها " العقل "،
فالإسلام حريص جداً على حماية العقل، من أي مؤثرٍ يُؤثر عليه وعلى عطائه سلباً ..
ولو كان يوجد أدنى تنافر أو تدابر بين الشريعة والعقل .. لما حرص عليه الإسلام هذه
الحرص الشديد الذي لا تعرفه الشرائع والقوانين الأخرى .. ولما حماه من المؤثرات
التي تؤثر عليه وعلى عطاءاته سلباً!
ولهذا التوافق
والانسجام بين النقل الصحيح، والعقل السليم ـ الذي لا تعرفه الشرائع الأخرى على
اختلاف مشاربها ومنابتها ـ نجد نصوص الشريعة تستحث عقول المخاطَبين للنظر في صحة
الشريعة، وما يدعوهم إليه الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من
الإيمان والشرائع .. قال تعالى:) قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ (يونس:101. وقال تعالى:) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (فصلت:53. وقال تعالى:) أَفَلَا
يَعْقِلُونَ (يس:68. وقال تعالى:) وَمَثَلُ
الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء
وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (البقرة:171. فهم لا يعقلون .. لأنهم كفروا بالنقل وجحدوه .. وعارضوه
بأهوائهم .. إذ لو كانوا يعقلون، ولهم عقول .. لهدتهم عقولهم إلى الحق والإيمان ..
فالإيمان يهتدي إليه ويستفيد منه من كان له عقل وحسب، كما قال تعالى:) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الرعد:4.
والكفار يعترفون بهذه
الحقيقة يوم القيامة، بأنهم كانوا في دنياهم لا يعقلون:) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ
السَّعِيرِ (الملك:10.
فإن قيل: بما يديرون
شؤون دنياهم إن لم يكن لهم عقول ..؟
أقول: لهم أذهان ..
يعرفون من خلالها ظاهر الحياة الدنيا .. دون حقيقتها .. وحقيقة الغاية التي وجدت
لأجلها .. كما قال تعالى:) يَعْلَمُونَ
ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (الروم:7.
ومنه نعلم أن هذا
الصدام العنيف الذي شهدته النصرانية ممثلة بسلطة الكنيسة، وبين العقل، وعطاءاته
العلمية .. لا يعرفه الإسلام، ولا يقره .. بل كان على خلافه تماماً .. وبالتالي لا
يجوز أن يُجرَى على الإسلام وشرائعه، ما جرى على النصرانية وكنائسها وشرائعها، أو
ما قيل ويُقال في النصرانية وسلطتها الكنسيّة .. فنعادي بين الإسلام، وبين العقل
والعلم .. جرياً وراء العلمانية الغربية الداعية إلى فصل الدين ـ أي دين ـ عن
الدولة، والحكم والحياة!
6- اليسر،
والتيسير: من سمات وخصائص الشريعة
الإسلامية أنها قائمة على التيسير على العباد، ما لم يكن معصية .. قال تعالى:)
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (الشرح:5-6. فبعد العسر يسر، فالعسر لا يعقبه عسر، وإنما يعقبه يسر، وتيسير
.. والقاعدة تقول: إذا ضاقت اتسعت .. والضرورات تبيح المحظورات.
وفي الحديث فقد صح عن
النبي r أنه قال:" ادعوا النَّاس، وبَشِّروا ولا تُنفِّروا، ويَسِّروا ولا
تُعَسِّرُوا " مسلم.
وقال r:" عَلِّموا، ويَسِّرُوا ولا
تُعَسِّروا، وبَشِّروُا ولا تُنَفِّروا، وإذا غَضِبَ أحدُكم فليَسْكُت "[[9]].
وعن عائشة رضي الله
عنها، أنها قالت:" ما خُيِّرَ رسولُ الله r بين أمرين إلا أخذَ أيسرَهُما، ما
لم يكُن إثماً، كان أبعدَ الناسِ منه " متفق عليه. أي إذا كان إثماً، وفيه
معصية لله U كان r أبعد الناس منه .. إذ لا يجوز
حينئذٍ اقترافه، حتى لو جاء تحت عنوان ومسمى التيسير!
وقال r:" إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحبُّ
الرِّفقَ في الأمرِ كُلِّه " البخاري.
وقال r:" إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحبُّ
الرِّفقَ، ويُعطِي على الرفقِ ما لا يُعطي على العنفِ، ومَا لا يُعطي على ما سواهُ
" مسلم.
وقال r:" إنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في
شيءٍ إلا زانَهُ، ولا يُنزَعُ من شيءٍ إلا شانَه " مسلم.
وقال r:" مَن يُحرَمِ الرِّفقَ
يُحْرَمِ الخيرَ " مسلم. وغيرها كثير من النصوص التي تحض على الرفق ..
والتيسير .. واجتناب التشدد والغلو، والتعسير، والتنطع في الدين .. ومع ذلك يوجد
من الناس ـ لغاية في نفسه ـ من يحذر الناسَ من شدة هذا الدين، ومن العسر والتعسير
الذي سيصيبهم لو عملوا بأحكامه وشرائعه!
قال تعالى:) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا
فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (فصلت:26.
7- محفوظة: أي أن الشريعة الإسلامية محفوظة بحفظ الله تعالى لمصادرها .. فمهما عملت
أيادي التخريب، والتزوير، والتحريف عملها .. وشُنَّت الحروب على الإسلام وأهله،
وأُنفق في سبيل تلك الحروب الأموال الطائلة .. فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ..
بينما شريعة الإسلام ستبقى ـ بإذن الله ـ محفوظة بحفظ الله تعالى لها، كما قال
تعالى:) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن
سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (الأنفال:36. وقال تعالى:) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9. والذكر هنا الذي تكفل الله تعالى بحفظه شامل للكتاب والسنة .. ومن
تكفل الله بحفظه فلا ضيعة عليه.
وقال تعالى:) فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن
كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً (النساء:59. ومن لوازم رد التحاكم والمنازعات إلى الكتاب والسنة أن يكونا
محفوظين من أدنى تغيير أو تحريف .. إذ حاشا الخالق I أن يأمرنا برد النزاعات إلى شيء
ثم يكون هذا الشيء غير محفوط، ولا موجود!
وكذلك قوله تعالى:) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً (النساء:65. وتحكيم النبي r فيما شجر ويشجر بين الناس، يكون
في حياته إلى شخصه r .. وبعد وفاته يكون إلى سنته ..
وهذا من لوازمه أن تكون سنته r محفوظة من الزيادة أو النقصان ..
أو الاندثار!
ومن لوازم حفظ الله
تعالى لدينه، أن يحفظ الجماعة المؤمنة التي بها يحفظ الدين .. بحيث لا يخلو زمان
من وجودها .. لذا فقد جاء في الحديث، عن النبي r أنه قال:" لا تزال طائفة من
أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون
على الناس " مسلم.
وقال r:" لا تزال طائفة من أمتي
يُقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة " مسلم. وفي رواية:" لا تزال
عصابةٌ من أمتي يُقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى
تأتي الساعة " مسلم.
وقال r:" إن الله تعالى قد أجار
أمتي من أن تجتمع على ضلالة "[[12]]. إذ لا بد ـ مهما ساءت الأمور ـ
من أن تشذ فئة، يحفظ الله بها الحق، ويُظهره على يديها.
[1] فإن قيل: قد قدَّر الله تعالى في الوجود أشياء قبيحة .. فالله
تعالى خالق القبح والجمال .. وهذا يتنافى مع ما قدمت وذكرت؟
أقول: لا يتنافى، ولا يتناقض ولله الحمد .. فهذا القبيح لا
ينبغي أن تنظر إليه مستقلاً ومنفرداً .. بعيداً عن الأسباب والغايات من وجوده ..
وإنما تنظر إليه كجزء من اللوحة الكونية ككل .. فحينئذٍ تدرك بعض الأسرار والجمال
والعظمة .. وتعلم أن اللوحة العامة لا تكتمل، ولا تكون جميلة .. من دون هذا الجزء
القبيح!
فإن فاتتك الحكمة
.. ولم تقدر على رؤية الجمال في مجموع اللوحة .. فعليك بالإيمان، والتسليم.
[2] صحيح الجامع: 6369.
[3] صحيح سنن النسائي: 1487.
[4] السلسلة الصحيحة: 2866.
[5] عن كتاب مناسك الحج والعمرة، ص47، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني
رحمه الله.
[6] أخرجه أحمد وغيره، صحيح الجامع: 7517.
[7] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، صحيح الجامع: 1880.
[8] اعلم أن العدل، وكذلك الظلم منه ما يُدرك بالنص وهذا خاص
بالمؤمنين .. ومنه ما يُدرك بالعقل والفطرة والتجربة .. وهذا المؤمنون والكافرون
فيه شركاء .. وما يُدرك بالعقل والفطرة والتجربة يجب أن لا يتعارض مع ما يُدرك
بالنّص .. فإن تعارض؛ فحينئذٍ بطل اعتباره؛ إذ هو ليس من العقل في شيء .. كما أنه
ليس من العدل في شيء.
[9] روها أحمد، صحيح الجامع: 4027.
[10] رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم، السلسلة الصحيحة: 1283.
والغلو في الدين؛ هو كل ما زاد عن الحدّ المشروع.
[11] قال ابن حجر في "الفتح" 1/117: والمشادة بالتشديد
المغالبة، والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفقَ إلا عجز وانقطع
فيُغلب ا- هـ.
[12] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، رقم 82، وقال عنه الشيخ ناصر في
التخريج: حديث حسن.
[13] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، رقم 84، وقال عنه الشيخ ناصر في
التخريج: صحيح.
[14] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، رقم 85، وقال عنه الشيخ ناصر في
التخريج: إسناده جيد موقوف، رجاله رجال الشيخين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق