الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

التخطيط والبرمجة في مواجهة الحياة بين السلبي والايجابي



التخطيط والبرمجة في مواجهة الحياة بين السلبي والايجابي

        منذ أن يولد الانسان إلى حين وفاته هناك مرحلة فاصلة تصنع الفروق بين البشر وهذه المرحلة الفاصلة ليست محكومة بسن معينة او فترة محددة، ألا وهي التساؤل عن سبب الخلق وبالتالي تحديد الهدف كفرد، فحين استخلف الله سبحانه وتعالى الإنسان على هذه الأرض، كان ذلك تكليفا منه للبشرية يستوجب منها التزاما وانضباطا لتحقيق هذا التكليف العظيم.
فالاصل في أهدافنا نحن كبشر عامة وكمسلمين بصفة خاصة، هو تحقيق أمر الله جل جلال، ولدمج هذا التكليف الرباني بالأهداف الدنيوية ذلك يحتاج الى همة عالية ووعي حقيقي بماهية هذا الدمج وأساليب تحقيقه في خضام معيقات وصعوباتها الحياة التي تتطلب منا ترسيخ مبادئ وتربية النفس واكتساب مرونة لنجتاز من خلال كل ذلك التحديات سواء على مستوى العالم الخارجي او عالمنا الداخلي ما بين النفس والسلوك، ومن هنا ننطلق الى التخطيط والبرمجة في مواجهة الحياة.
التخطيط للحية ليس بالامر الهين فهو يحتاج الى مرونة وعزيمة وتنفيذ، الا أن هناك محطة يتوجب علينا الوقوف عندها قبل المضي الى ما سواها وهي مسالة الثقة في النفس
        يقول بول هانام وجون سيلبي في كتابهما توّل زمام عقلك:" ان ثقتك بنفسك ومدى تفاؤلك يؤثران على كل شئ تفعله فالثقة بالنفس هي حجر أساس النجاح، ويتحدد اداؤك بما اذا كنت تشعر بمشاعر ايجابية تجاه نفسك أم لا، لذلك تحتاج لان تتعلم كيف تشعر بالتفاؤل ازاء المستقبل واحساسك بأهمية الآن في اللحظة الراهنة" كان ذلك نصا حرفيا من الكتاب. اذن الثقة بالنفس هي مسألة تأثر على سلوك الفرد وقدرته على العطاء.
        عدم الثقة بالنفس هو إحساس نفسي يترجم الى سلوك مادي على أرض الواقع، وغالبية سلوكياتنا نابعة من مبادئ تلقيناها أثناء طفولتنا برمجت عليها عقولنا حين كانت طرية ان جاز التعبير، اذن سلوكياتنا نابعة من فكر مكتسب والفكر له برمجة راسخة مكتسبة من سبعة مصادر كما يقسمها الدكتور الفقي رحمه الله وهي كالآتي: الوالدان، وهما مصدر اول برمجة تلقيناها، يليهما المحيط العائلي، فالمحيط الاجتماعي حيث يتلقى العقل ما يقوله الناس في هذا المحيط فيستمر في ربط ونسج المعلومات وترسيخها في ملفات على مستوى العقل اللاواعي، فتزداد بذلك البرمجة قوة، ثم المحيط المدرسي فالأصدقاء وتأتي في الرتبة السادسة وسائل الإعلام حيث اكد معهد الابحاث النفسي والفيزيولوجي في ـ نيوزيلاند ـ ان أكثر من 60 بالمائة من حالات الاكتئاب هي بسبب وسائل الاعلام، وأما المصدر السابع من لبرمجتنا الذاتية هو أنفسنا، فبعد كل هذة المراحل التي يمر بها النشأ يصبح قادرا على اضافة سلوكيات جديدة سلبية او ايجابية يقوم بربطها بالملفات والمعلومات السابقة لتصبح لديه برمجة راسخة وعميقة تصنع شخصيته. اذن من خلال ما قدمه لنا الدكتور ابراهيم الفقي نستنتج ان مسالة الثقة بالنفس هي مسالة تعزو الى نوعية الرسائل المتلقاة من خلال كل تلك المصادر، فكلما كانت الرسائل المستقبلة منقحة كلما كانت الملفات سليمة وبالتالي اعتقادات سليمة. ويقسم السيكولوجيون الثقة بالنفس الى نوعين الثقة المطلقة والتي تسمح لمن يتمتع بها بتجاوز معظم الصعاب وهي ناتجة عن خبرات واسعة، ثم النوع الثاني وهي الثقة المحدودةن حيث لا يتخطى صاحبها حدود معينة باعتباره واع بحدود قدراتهن كان هذا التقسيم السكولوجي اقتباسا من كتاب الدكتور والأستاذ الشفاقي.
ومن جملة الاسباب التي تؤدي الى زعزعة ثقة الفرد بنفسه، هي تحديد أهداف فوق طاقته الراهنة، ويؤكد على ذلك الكاتب دين كاننجهام في كتابه الحكمة الخالصة بقوله: " غالبا ما ينصحنا الناس بأن نحدد أهدافا عالية، وفي اغلب الحالاتن نميل لوضع أهداف صعبة أكثر من ميلنا لوضع أهداف سهلة. المشكلة هي انه اذا خرجنا عن المألوف بالنسبة لنا أو عانينا من الفشل المتكرر فان ثقتنا بأنفسنا ستتآكلن والحل المثالي هو أن تضع اهدافا تجعلك تبذل جهدا قويا لكنها قابلة للتحقيق، على سبيل المثال: يمكننا ان نؤدي 10 مرات من تمارين الضغط، فليس هناك داع لوضع هدف أن نؤدي 20 مرة، بل يجب أن نضع هدفا يمكننا تحقيقه، لنقل 11 مرةن أملا في ان تزيد ثقتنا بأنفسنا من نجاحنا في انجاز الهدف". كان ذلك مثالا يوضح به دين كاننجهام مسالة الأهداف غير المناسبة.
اضافة الى كل هذه الأسباب هناك ما يسمى بالقتلة الثلاثة " النقد، اللوم والمقارنة"، بالنسبة لمسألة النقد هناك خطا كبير يرتكبه الغالبية من الناس وهو عدم التفريق بين الشخص وسلوكه فنوجه انتقاداتنا بأسلوب هجومي على الشخص عينه وليس على السلوك أو الفكرة، وبذلك نتسبب في طعن قيمته كشخص وكانسان فيترك ذلك آثار سلبية على نفسية هذا الشخص، ثانيا اللومن فاللوم بشكل متكرر لشخص معين، يؤدي الى فتح ملف من ملفات الذاكرة عنوانه انا ضحية، وهنا نصل الى ضعف الشخصية، فالضحية لم تكن يوما في موقع قوة، اما القاتل الثالث فهو المقارنة وهنا اطرح مثالا على سبيل التفسير: لنعتبر شخصا معدل سرعته في القراءة هو 1000 ك/د يستطيع قراء كتاب عدد صفحاته 100 صفحة في مدة وجيزة نقدرها بساعة من الزمن، وآخر سرعته 300 ك/د لا يستطيع تجاوز نصف الكتاب، هنا لا يمكن لهذا الشخص مقارنة نفسه بالشخص الاول محاولا قراء الكتاب في ذات المدة أي ساعة، فالمقارنة هنا ستؤدي الى احباطه، فيجب اذن ان تكون المقارنة من ذات الصنف أو المجال او السن أو المستوى.
        ونتيجة لكل ما سبق يتعرض الشخص الى احباطات عنيفة ان تكررت هذه الرسائل، بالإضافة الى الرسائل والتعبيرات المنولوجية التي يوجهها الفرد الى ذاته، ففي النهاية تستقر كل هذه الرسائل في باحة التفكير فتخضع للتركيز ثم الى أحاسيس فتترجم الى سلوك، وسلوك يقدم نتيجة فإما نتيجة اجابية وإما سلبية، وبذلك يصنع الإنسان واقعه.
يعتبر ـ دين كاننجهام ـ أن سلوكنا أو انجازاتنا ليس هو ما يحدد ماهيتنا، حيث يقول حرفيا:" اذا كانت ثقتك بنفسك مبنية على أفعالك والنتائج المترتبة عليها ـ مثل الحصول على لقب أو مؤهل أو شريك حياة أو أي جائزة أخرى ـ فهي مبنية اذا على أساس غير ثابت، لأن لا أفكارك ولا ذكرياتك ولا أحاسيسك هي ثابتة، اذا فالثقة الحقيقية بالنفس مبنية على معرفتك بأنك مثلك مثل كل انسان عرضة للخطأ فريد من نوعك وتتغير بصفة دائمة" مقتطف من كتاب الحكمة الخالصة.
        كل ما سبق ذكره حول الثقة بالنفس لا يتجاوز حدود الأبحاث العلمية والنفسية، لكن ان تطرقنا الى هذا الموضوع من الجانب الديني نجد ان القرآن الكريم قسم النفس الى أقسام، النفس المطمئنة والنفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة إضافة إلى النفس الغافلة، فإذن هل يمكن ربط هذه التقسيمات بالتقسيمات السيكولوجية التي يقدمها العلماء؟ هل يمكن أن نعتبر مثلا أن التعبيرات المنولوجية السلبية بين المرء ونفسه مصدرها النفس اللوامة؟
هنا تتجلى مميزات هذا الدين العظيم، فرغم كثرة التعريفات والتقسيمات التي مدنا بها السيكولوجيون الا انها لا ترقى الى دقة وحكمة التقسيم والتعريف الرباني للنفس، فاذن ان كنا نسعى الى الثقة بالنفس، فاي نفس نسعى الى الثقة بها ان كانت أحوالنا النفسية متفاوتة تارة تتغلب عليك نفسك الامارة وتارة أخرى النفس اللوامة وهكذا. اذن ومن وجهة نظري المتواضعة فان الثقة الحقة هي تلك التي تستمدها من النور والعطاء الرباني، فثقتك بالله واعتقادك وارتباطك به وتشبثك بما يهبك اياه يعيك خالص الطمأنينة، وبذلك يكون قد منحك آليات ضبط هذه النفس المتجزئة الى أنفس عدة،فتتقدم في خطاك نحوه سبحانه، لا نحو تحقيق رغباتك ونزواتك في إشباع الذات بأهداف دنيوية فانية، فتجد عندها وبلا قصد أنك قد دمجت بين الأمر الرباني وملذات الحياة، فهذا هو الفرق بين الناجح المؤمن المتصل به جل جلاله، وبين الناجح من أجل النجاح واثبات الذات، ليصل في النهاية الى باب مغلق، فكم من الناجحين أو كم من المتميزين كان الانتحار هو خاتمتهم السوداء.
        كل منا لديه هدف يريد تحقيقه في هذه الحياة، وكل منا لديه مواهب خاصة، وكلما كان وعينا بهدفنا أكبر ووعينا بمواهبنا ومميزاتنا أكثر، كانت قابلية تحقيق هذا الهدف أكبر، ولكن يتخلل ذلك شروط أهمها التفكير الايجابي والتخطيط، فأما التفكير الايجابي هو خصلة يتمتع بها الأشخاص الناجحون ولكي لا أتفرع في هذا الموضوع الطويل الشعوب والذيول أقتصر على الاقتباس من كتاب ـ قوة التفكير ـ للدكتور الفقي رحمه الله حيث يحدد وصايا عشر أساسية للتفكير الايجابي، أولها الرغبة المشتعلة، ثانيا القرار القاطع ومعناه ان تقرر شيئا ثم تضعه في الفعل مباشرة، رغم كل المؤثرات السلبية المحيطة، ثالثا تحمل المسؤولية كاملة أي عدم لوم الظروف أو الأشياء او الأشخاص، بل التركيز على الهدف والتحلي بالصبر، رابعا الإدراك الواعي ويتمثل في إدراكك لقدراتك ومميزاتك وبالتالي استغلالها بشكل ايجابي، خامسا تحديد الأهداف وهي تنقسم إلى سبعة أركان، الركن الروحاني،الصحي، الشخصي، العائلي، الاجتماعي،المهني وأخيرا الركن المادي فان حقق الفرد التوازن بين هذه الأركان السبعة يكون بذلك قد حقق التوازن في حياته بشكل مثالي،سادسا التأكيدات المتضامنة وهي باختصار تحديد مميزاتك وايجابياتك وتدوينها وقراءتها مرارا وتكرارا بأحاسيس ايجابية، ثم تدوين سلبياتك أو ما تعتقده سلبيات وتقرأه بأحاسيس منفصلة محاولا فصله عنك، سابعا الوقت الايجابي ثامنا التنمية الذاتية أي تطوير قدراتك ومميزاتك، تاسعا السكون والتأمل اليومي وذلك بتخصيص مدة وجيزة من الزمن يوميا للتأمل في نفسك وفي خلق الله وآياته بعيدا عن مشاكل الحياة وضوضائها، وأخيرا الاهتمامات الشخصية والنشاطات اليومية فالعمل والراحة وجهان لعملة واحدة فان كنت تشعر بالتقدم والانجاز في العمل فان راحتك اليومية ونشاطاتك تجدد طاقتك للعمل.
أما فيما يتعلق بالتخطيط فهي مسألة تختلف من شخص الى آخر، لكن الأهم هو أن يرافق ذلك تفكير ايجابي وترتيب منطقي وواقعي للأهداف التي تنقسم دائما الى أهداف قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى وذلك ليستمتع الشخص بالانجاز على طول الطريق مستغلا كامل قدراته ووقته أفضل استغلال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق