الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

الشريعة الاسلامية تعريف مفهوم الحدود التعزير القصاص




تقوم الشريعة الإسلامية في مواجهتها لأحداث الحياة ووضعها الحلول لمشكلاتها على مبدأ ين متكاملين هما ثبات الأصول وتغير الفروع .
ففي جوانب الحياة التي لا تتغير تأتي الشريعة بالأحكام وفي الجوانب المتغيرة والتي تتأثر بتطور المجتمعات وتوسيع مناشطها ونمو معارفها تأتي الشريعة بمبادئ عامة وقواعد كلية قابلة لتعدد التطبيقات واختلاف الصور. وإذا طبقنا هذه القاعدة على نظام العقوبات نجد الشريعة قد جاءت بالنص القاطع على جرائم العقوبات الثابتة التي لا يخلو منها مجتمع والتي لا تتغير صورتها لصلتها بثبات الطبيعة العامة للإنسان .
أما غير تلك الجرائم فقد واجهتها بالنص على المبدأ العام القاضي بالتجريم وتركت العقوبة للسلطة المختصة في المجتمع لتحدد ما يناسب الحال وظروف المجرم ويساعد على كف الشر عن المجتمع
اولا الحدود: و هي العقوبات التي قصد بتثبيتها حفظ الضروريات الخمس التي عليها صلح حال البشر و سعادتهم وهذه الضروريات هي الدين و النفس و العقل و المال و النسل ونتطرق بإيجاز في حدود موضوعنا إلى الحد الذي قصد به حفظ المال وهو حد الســـرقة   و حـــد الحرابـــة ، قال تعالى:”والسارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكلا من الله” و هذه السرقة التي عرفها فقهاء الشريعة الإسلامية بقولهم هي أخد مكلف خفية مالا من حرز لا ملك له فيه و لا شبهة (1) وهي لا تختلف في شيء عن السرقة في مفهوم التشريع الوضعي، إلا أنه أمام شدة العقوبة المقررة لها شرعا و هي قطع اليد فقد أحيطت الواقعة الإجرامية بشروط من شأنها أن تضيق من نطاق إقامة الحد (2).
أما حد الحرابة (قطع الطريق) فقد جاء فيه قوله سبحانه وتعالى:”إنما جزاء الدين يحاربون الله ورسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا ويصلبوا أو تقطع أيديهم أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض دلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم”(3).
وقد شددت العقوبة على قاطع الطريق الذي يسعى في الأرض فسادا لأنه يؤثر على حركة الإنسان في تقدم الحياة و تحقيق الرفاه للمجتمع بما يحققه من إرهاب للتجار في نقل بضائعهم و أموالهم و التأثير على سيولة الاقتصاد و أثر دلك في بناء المجتمع.
ثانيا: التعازير: ولن الجرائم التي تنصب على المال و الجرائم الاقتصادية لم تنته بالحرابة    و السرقة بل تتعداها إلى جرائم ل احصر لها كالربا و الغش و التدليس و التهرب من الزكاة و الخراج و أكل أموال اليتامى و غيرهم بالباطل و تزوير العملة و التهريب      و الرشوة وغيرها   من الجرائم و قد فتحت الشريعة باب الاجتهاد من الاعتبار و التقدير    و ذلك في الجرائم غير المحددة، وقد شرع لها التعزيز وهو الردع و المنع لغة، و في الشرع تأديب على ذنب لا حد فيه. فإن للقاضي كما للمشرع أن يكيف لكل فعل لا يصل إلى حد الجرائم المنصوصة و كل فعل منهي عنه  وفقا لظروف كل قضية وتبعا لحالة المجرم فجعلت الشريعة للإمام أن ينظر باعتبــــار من خلال الزمان و المكان و العرف و البيئـــــــة
في هذا الفعل وأن تحدد العقوبة المناسبة في نطاق التعزيز الذي باشره الرسول صلى الله عليه و سلم وأصحابه من بعده في نطاق السياسة الشرعية و المصلحة التي يملكها ولي الأمر بمقتضى الإمامة لأن توليته منوطة بالمصلحة و بهذا النوع و في نطاق المبادئ العامة تحرك التشريع و تيسر التطبيق وتدبر عجلة الفقه الإسلامي في حيوية ومرونة امتازت بهــا الشريعة الإسلامية التي جعلها الله صالحة لكل زمان و مكان و التعزير يتناول الزجر و الغرامة و الحبس و القتل.

ثانيا القصاص :
وهو النوع الثاني من أنواع العقوبات في الإسلام والمقصود به ( أن يفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه فإن قتله قتل وإن قطع منه عضوا أو جرحه فعل به مثل ذلك إن أمكن ما يؤد إلى وفاة الجاني والنظر في ذلك يرجع إلى أهل الاختصاص .
-
أهم قواعد القصاص : وللقصاص عدة قواعد من أهمها :
1-
أن القصاص لا يستحق إلا في القتل العمد أو الجرح العمد أما الخطأ فلا يستحق فيه القصاص .قال الله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى )) وقال تعالى : ((والجروح قصاص ))
2-
أن جرائم الاعتداء على الأشخاص قد جعل الإسلام لإرادة المجني عليه أو أوليائه دورا أساسيا في منع وقوع العقاب على الجاني حيث قرر جواز العفو وأنه من حق المجني عليه بل ندبه إلى ذلك وأجزل له الثواب في الآخرة (( فمن تصدق به فهو كفارة له )) فله أن يعفو عنه إلى الدية أو مطلقا من غير عوض دنيوي .قال الله تعالى : ((وأن تعفوا أقرب للتقوى ))
3-
أن توقيع العقاب وتنفيذه تتولاه السلطة العامة،ولا يتولاه أولياء الدم .

الحكمة من القصاص : بالنظر في العقوبات الإسلامية عامة والقصاص على وجه الخصوص نجد أنها تتسم بسمتين متكاملتين .
الأولى : صرامة هذه العقوبات وشدتها ، وذلك للردع عن الجريمة ، ومحاصرتها بصرامة .
الثانية : التشديد في وسائل إثبات هذه الجرائم وبالتالي التقليل من فرص تنفيذ هذه العقوبات ، وحماية المتهمين بها وفي هذا السياق يأتي مبدأ درء الجرائم بالشبهات وتفسير أي شبهة في صالح المتهم ، وفتح باب التوبة واعتبارها مسقطة للحد في بعض الحدود ( كالحرابة ) وجواز العفو كما في القصاص ، بل الندب إليه والحث عليه .
ويأتي التكامل بين هذين العنصرين من حيث أنه يجمع بين محاصرة الإجرام وحماية المجتمع منه وصيانته حق الفرد المتهم وعدم أخذه بالظن والتهمة وكفل له أفضل الضمانات لعدالة الحكم عليه وإنفاذه من العقوبة ما أمكن .وبذلك يمتنع الناس – أو معظمهم على الأقل – عن هذه الجرائم لصرامة العقوبة – ولا تنفذ هذه العقوبات عمليا إلا في النادر وبذلك يتحقق الأمن العام ، وتصان حرمات الأفراد على حد السواء .

ثالثا : التعزير :
وهو عقوبة غير مقدرة تجب حقا لله أو لآدمي في كل معصية ( جريمة ) ليس فيها حد ولا كفارة . والتعزير هو أوسع أنواع العقوبات ، ذلك أن الجرائم التي حددت عقوبتها قليلة العدد أما ما عدى تلك الجرائم - جرائم الحدود والقصاص فهو داخل ضمن نطاق التعزيرات . والتعزيرات تمثل الجانب المرن من العقوبات بحيث يلائم الظروف المختلفة للمجتمع بما يحقق المصلحة العامة ويصلح المجرم ويكف شره.
وقد عرف الفقه الإسلامي أنواعا مختلفة من التعزيرات تتدرج من الوعظ والتوبيخ لتصل إلى الجلد مرورا بالعقوبات المالية والسجن وهذه التعزيرات متروكة للاجتهاد ضمن القواعد العامة للشريعة الإسلامية والمقاصد الكلية للإسلام بما يوازن بين حق المجتمع في الحماية من الإجرام وحق الفرد في تحصين حرياته ورعاية حرماته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق