الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

تعريف الفلسفة الحديثة




الفلسفة الحديثة
تعريف الفسلفة الحديثة مفهوم الفلسفة احديثة 
تنتمي الفلسفة الحديثة modern philosophy إلى حقبة تاريخية عرفت «بالعصر الحديث» شاعت فيه ثقافة عقلانية - ليبرالية، متحررة إلى حد ما من الثقافة الدينية التي سيطرت على مقاليد الحياة في العصور الوسطى، وأخذ جو من الديمقراطيات ينمو باطّراد، نابع من تزايد سلطة الدول على حساب سلطة الكنيسة. وقد اتسمت هذه الفلسفة بخصائص تختلف في جوانب عدة عما سبقتها من فلسفات، من أهمها: التحرر من السلطة، وانتقاد الفكر، والعناية البالغة بالعلم، فقد استقلت الذهنية الفلسفية عن أي سلطة إلا سلطة العقل ذاته، فانفصلت الفلسفة عن اللاهوت وانقضى عصر الفلسفة المدرسية، وبدت حقائق العقل متمايزة عن حقائق الدين. وشرع الفيلسوف الحديث ينقد الأساليب العرفية التي استخدمها أسلافه، فصارت طريقة الفلسفة طريقة نقدية يتناول أصحابها طبيعة الفكر ووسائله وينقبون عن حقيقة العلم والمعرفة بالكشف من عناصر تلك المعرفة ورسم حدود العلم، وتعيين شروطه وإمكاناته، فدار كثير من الجدل في المباحث الإبستمولوجية حول أدوات المعرفة ومصادرها والوقوف على حقيقة العلاقة بين الذات العارفة والموضوع، وامتد الجدل عند بعض المحدثين حول إمكان قيام المعرفة الصحيحة ونتائجها على المستوى الأنطولوجي (الوجودي) وحتى الأخلاقي.
ولئن تبلورت الفلسفة الحديثة أنساقاً فكرية شاملة أقامها أصحاب الاتجاه العقلي على العقل، وأقامها أصحاب الاتجاه التجريبي على التجربة، ابتداءً من القرن السابع عشر، إلا أن النظرة الحديثة كانت قد بدأت منذ عصر النهضة، فقد ساعد الجو الفكر المتحرر نسبياً، خاصة في إيطاليا، على دعم التمرد على العصر الوسيط واحتضار مدارسه الفكرية والتحرر من سلطة الكنيسة، فاستردت الفلسفة استقلالها، وقام مفكرون أحرار في فرنسا مثل «رابليه» Rabelais و«مونتيني» Montaigne، وظهر في إيطاليا علماء متحمسون يدعون إلى العودة إلى الواقع ومعاينة ظواهره، ونقاد يُحرّضون ضد المعتقدات والقيم السائدة وفي مقدمتهم «ميكافيللي»[ر] Machiavelli الذي أسّس بدعواته الحريات السياسية والعقلية، وطروحاته الجديدة عن السلطة، لتصور جديد عن العالم والإنسان، إضافة إلى انتقادات «إراسموس»[ر] Erasmus حول الانحرافات الكنسية وشرور رجال الدين، ونبذه لكل لاهوت أسست له الفلسفة المدرسية[ر: الفلسفة في العصر الوسيط].
بيد أن التأثير الحاسم في الفكر الحديث كان نهضة العالم العارمة التي شهدها القرن السابع عشر، ففيزياء «نيوتن»[ر] Newton ونظريات «كوبرنيكوس»[ر] Copernic و«غاليليه»[ر] Galilee الفلكية، أحدثت تغيراً جذرياً في التصور السائد عن الأهمية الكونية للإنسان التي خصها به اللاهوت المسيحي، ورفض ما يدعى «بالفرضية» المتصلة بالعالم في التفسيرات العلمية الحديثة، وتقليص دور التدخل الإلهي وجزئيات العالم، فما إن يخلق الله العالم - بحسب نيوتن - حتى تسير أشياؤه بذاتها تبعاً لقانون الجاذبية دون تدخل إلهي مستمر في كل حركة، إضافة إلى أن انتصارات العلم أحيت الكبرياء الإنساني والرضا بالذات، بعد أن كان مستحوذاً عليه مفهوم الإثم والشقاء الأزلي.
احتضنت الفلسفة الحديثة هذه الروح الجديدة، وركّز فلاسفتها اهتمامهم حول «مشكلة المعرفة»، فالنظر العقلي الذي تحرر من السلطة الدينية سرعان ما تحول باهتمامه حول «الذات» بوصفها مصدر كل معرفة. فجاء فلاسفة مثل بيكون[ر] Bacon وديكـارت[ر] Descartes ووضعا حقائق الدين خـارج إطـار التفكير النظري - العقلي، وعملا على تأسيس الفلسفة الحديثة على العقل وحده، فحاول كل منهما الاهتداء إلى أداة عقلية جديدة في البحث، فدعا «بيكون» إلى «أورغانون جديد» منطقه الاستقراء، سلّط فيه الضوء على عقم المنطق الصوري الأرسطي المتمثل بالقياس، واستبدل بفلسفة أرسطو[ر] Aristotle فلسفة أخرى استقرائية، تقوم على المنهج التجريبي الذي يقوم على الملاحظة والاختبار، تغدو الأداة الصحيحة لتقدم المعرفة بالطبيعة، ولذا فهو يطالب بضرورة التخلي عن الميتافيزيقا بدعوى أن الفلسفة الحقة هي التي تسعى إلى «إيضاح لغة الكون وتفسير كلمات الطبيعة».
أما ديكارت فقد بقيت الفلسفة عنده علماً بالمبادئ الأولى غايتها تحصيل علم بموضوعاتٍ شتى، وهذا يتطلب الكشف عن مبدأ أسمى يمكن أن تستنبط منه بالعقل وحده كل حقيقة من حقائق المعرفة، فرسم صورة للفلسفة العقلية الحديثة أناط فيها بالعقل الوظائف النظرية المتعمقة بالمعرفة والأهداف العملية الرامية إلى توفير أسباب السعادة للإنسان. فتغيرت النظرة إلى العقل على يده، فبعد أن كان العقل يدرك الوجود، غدا مكتفياً بذاته لا يخضع إلا لسلطانه، فهو الحكم الفصل والقانون الأوحد لا يؤمن بشيء أنه حق ما لم يعقله ويدرك ببداهة الفكر أنه كذلك. والعقل يتصور الأشياء على مثال أفكاره فينتقل من الفكر إلى الوجود، وبه وحده تقوم مبادئ المعرفة الصحيحة، فأثبت ديكارت بفكره وجود «الأنا» وانطلق منها نحو إثبات حقائق وجود الله والعالم الخارجي، فأعلى من شأن «الأنا أفكر» وركّز على تجربة العقل الفردية دون سواها، وجعل من اكتشاف الفكر لقيمته الذاتية الأصل في كل بحث فلسفي، فاحتفظت الفلسفة الحديثة على يديه بطابع فردي - ذاتي وادّعت لنفسها معرفة الحقائق المحسوس منها وما وراء المحسوس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق