الحريات السياسية والديمقراطية وعلاقتها بالتقدم والحداثة
الحريات
السياسية وعلاقتها بالتقدم والحداثة
رغم التطور المطرد للمنجز
البشري في مختلف مناحي الحياة لا تزال احد اهم واخطر القضايا الانسانية معلقة على
خط متباين بين تصاعد وهبوط.
حيث كانت الحرية ولا تزال
تلك المفردة الموغلة في القدم واشتقاقاتها المباشرة من البديهيات الملحة في جملة
احتياجات الانسان وابرز قضاياه الجوهرية والمصيرية.
حيث اصبحت الحريات
السياسية التي كفلتها المنظومات الدولية والسنن الاجتماعية اهم مقياس من مقاييس
تقدم الامم وازدهار الشعوب ثقافيا واقتصاديا وصحيا.
فيما يجمع اغلب المفكرين
والمنظرين بمختلف مناهلهم الفكرية
ان الحريات السياسية قضية بنيوية اساسية في بناء
ورقي المجتمعات والإفراد على حد سواء، وإحدى السبل الكفيلة لحفظ الحقوق وصيانة
الدول لتجنيبها الانزلاق في مهاوي التخلف والاستبداد.
لكن رغم نسبة المثالية
والأفضلية المعقولة لتلك الممارسة تشير التقارير المتوافرة حسب المنظمات الحقوقية
ان الحريات السياسية تشهد تراجعا مقلقا حول العالم.
وتعد من أكثر القضايا
المستعصية على التقدم لدى العديد من الشعوب والنظم الدولية خصوصا في مجال الممارسة
والتطبيق.
ويعد العراق من اكثر دول
المنطقة تقدما في هذا المجال بعد معاناة امتد على مدى عقود سادت فيها مظاهر انحسار
الحريات السياسية حتى عهد قريب، حيث رزح الشعب تحت براثن انظمة شمولية متوالية على
السلطة.
فقد عدت احدى المنظمات
الدولية المهتمة بشؤون الحريات ان العراق
يشهد تقدما ملموسا في مجال الحريات
والتعددية الحزبية مما افرز بوادر ايجابيا على المستويات المحورية في سجل البلاد،
فيما سجلت العديد من الدول تراجعا ملموسا في هذا المضمار.
حيث اعلنت منظمة حقوقية
أمريكية إن الحريات السياسية تقلصت في أنحاء العالم عام 2008 وذلك للسنة الثالثة
على التوالي مع نزول روسيا واليونان لمراتب أدنى في القائمة بسبب الاحداث السياسية
بهما وصعود العراق وماليزيا مع زيادة التعددية الحزبية.
لكن العراق الذي شهد سنوات
من الاضطرابات عقب الاطاحة بالنظام الديكتاتوري السابق صعد في القائمة نظرا
لتحسن الوضع الامني وزيادة المشاركة السياسية لمختلف اطياف الشعب. كما صعدت
ماليزيا بسبب قوة الدفع الجديدة التي نالتها المعارضة في الانتخابات العامة.
وذكرت المنظمة أن عدد
البلدان أو المناطق "الحرة" وهو 89 يتجاوز عدد البلدان أو المناطق
"غير الحرة" وعددها 42 لكن الحقوق السياسية والحريات المدنية تقلصت
بدرجة كبيرة لان حكومات في مناطق متفرقة من العالم قلدت "ثورات الالوان"
الاوروبية المناهضة للحكم الشمولي والتي حولت مسارها وأخمدت الديمقراطية.
وقد نظّر العديد من
المفكرين والعلماء من ذوي النظرة الثاقبة لمستقبل العراق الكثير من الاطروحات
الملمة بقضايا المجتمع والحريات المكفولة، حيث كان للامام الراحل محمد الشيرازي
رؤى قيمة حث من خلالها على ضرورة التعددية الحزبية والحريات السياسية حين يقول:
الحرية أصل يعطي للإنسان الحق في أن يختار أي شيء أو يقول أي كلام أو يفعل أي فعل
حسب إرادته كما تقر ر ذلك في العقل والشرع. فعلى الدولة القائمة أن تطلق كافة
الحريات للناس في كل الأبعاد من حرية العقيدة والرأي وإنشاء الأحزاب والمنظمات
وإصدار الصحف والجرائد والمجلات.
كما تتيح الحريات السياسية
الآلية والغطاء الشرعي الآمن للتنافس والمشاركة في قيادة المجتمعات واغتناء الساحة
المحلية والدولية بالأفكار والتنظيرات الهادفة الى خدمة الإنسان، وبروز الأكفأ
والأفضل.
من هذا المنطلق وللحفاظ
على هذا الانجاز المهم في ديمقراطية العراق الناشئة يترتب على الجميع السلطات
والااحزاب السياسية والمنظمات المدنية العمل على تقويم هذه التجربة الجديدة
واستثمارها عبر مسارات تشد من عضد هذه الممارسة ثقافيا واجتماعية والارتقاء
بالعراق الى مصافي الدول السباقة في هذا المنحى.
وهذا يدعو الجميع الى خلق
حالة من الوعي والادراك بضرورة الاستناد الى مبدأ تداول السلطة سلميا ونبذ دعاوى
الاحتكار، إضافة الى ترسيخ مبدأ التعددية والتنوع وثقافة الحوار والاعتدال في
الطرح السياسي والالتزام المطلق بعدم قبول عودة الانقلابات والثورات المسلحة التي
تقود الشعب الى الاستبداد حسب التجارب السابقة.
وكل ذلك يتم عبر تمكين
دولة المؤسسات القائمة على اطر الديمقراطية الدستورية والأحزاب ذات التوجه
الديمقراطي في بنيتها وأهدافها ووسائلها.
كما تبرز أهمية توسيع مبدأ
المشاركة في اتخاذ القرارات الآنية والمصيرية دون تهميش اي فئة او جهة وسيادة قوة
المنطق واستبعاد منطق القوة لحل المشاكل الداخلية والمنازعات الخارجية مع الدول
الأخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق