ـ الموقف من الديمقراطية: كثير من
الناس، ينادي بالديمقراطية، ويُطالب بها على اعتبار أنها تنص على الحرية في
التعبير والنقد، ومراقبة الشعوب ومحاسبتهم لحكامهم، ومحاربة الديكتاتوريات، وأنها
مجموعة من الآليات تسهل تداول السلطة، وانتقالها من حاكم إلى آخر .. أو هي
الانتخابات .. ونحو ذلك .. وهذا فهم قاصر لحقيقة
الديمقراطية .. وهذا الحد من الفهم لا توجد معه مشكلة كبيرة .. سوى أنهم فهموا
الديمقراطية فهماً خاطئاً، وأن فهمهم الخاطئ هذا قد يكون سبباً لتمرير كثير من
الشر الذي تنص عليه الديمقراطية .. وهم لا يشعرون[[1]].
فإن قيل: أين يكمن شر الديمقراطية .. وما هو تحفظكم عليها؟
أقول: هذا سؤال كبير، قد أجبنا عنه بتوسع في كتاب لنا مستقل وكبير، أسميناه
" حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية "، أختصر الإجابة عنه
هنا في نقطتين:
أولهما: أن حقيقة الديمقراطية ـ كما هو معمول بها في الأنظمة الأكثر ديمقراطية في
العالم ـ تؤله الإنسان؛ فترفعه درجة فوق الخالق I .. فالإنسان ـ كما في الديمقراطية
ـ هو المالك الحقيقي لنفسه، وماله .. وبالتالي له كامل الحق في أن يتصرف في نفسه
وماله ـ كسباً وإنفاقاً ـ كيفما يشاء .. وإن كان هناك ضابط يُلجم شيئاً من تلك
الإباحية المطلقة، فهذا الضابط اللاجم يجب أن يأتي من جهة المشرع الإنسان، أو
الطاغوت .. وليس الله!
كما له أن يحكم نفسه
بالشرع أو القانون الذي يشاء .. فحكمه، وكلمته فوق حكم وكلمة الله .. بل لا قيمة
لحكم الله تعالى وكلمته، بجوار حكم وكلمة الإنسان .. وهذا كفر بواح .. وظلم أكبر
.. وشرك أكبر .. لا يمكن لأي مسلم، يقول ربي الله ـ لو تفطن لهذا المعنى
للديمقراطية ـ أن يرضى بها، فضلاً عن أن يُطالب بها .. لأن المطالبة بالديمقراطية
على أساس هذا المعنى الآنف الذكر يعني ـ قولاً واحداً ـ الخروج والمروق من دين
الله تعالى .. والدخول في دين الطاغوت والشيطان[[2]].
ثانيهما: أن الديمقراطية في حقيقتها .. ثوب كبير وفضفاض .. يسع جميع المتناقضات ..
الكل يمكن أن يرتديه، ويستظل بظله .. بما في ذلك عناصر الشر والباطل والخطر كلها
.. وهذا لا يصب في خدمة الأوطان وساكنيها .. وإنما يصب في خدمة أعداء الأوطان ..
إذ من اليسير عليهم أن يسربوا شرورهم وأحقادهم، وباطلهم .. وسمومهم .. وجواسيسهم
.. للبلاد .. تحت مسميات وعناوين وأحزاب وطنية رخيصة .. وثوب وطني رخيص .. باسم
الديمقراطية التي تكفل وتضمن تحقيق ذلك .. فالديمقراطية من هذا الوجه مطية الأعداء
للتدخل في شؤون الأوطان واستقلالها .. كما أنها تتنافى مع الحرص ـ الذي يتشدق به
بعض الوطنيين الديمقراطيين ـ على سلامة الأوطان[[3]].
فكما أن جسد الإنسان
لا نسمح أن تُلقَى فيه الأوساخ الضارة التي تؤذيه .. كذلك جسد الأوطان لا يجوز أن
نسمح للأوساخ والنفايات الضارة أن تُلقى فيه .. مهما كانت المبررات أو كانت
العناوين براقة .. فهذا ليس من الإسلام .. ولا الحس الوطني الصادق في شيء!
لذلك العدو الأجنبي
الخارجي .. مهما كلمته عن الصفات المثالية للنظام السياسي الذي تنشده .. تراه يقول
لك: هذا لا يكفي .. لا بد من أن تنص وتُضيف .. بأنك تريد نظاماً ديمقراطياً .. وهو
في كثير من الأحيان على استعداد أن يخوض حرباً صليبية استعمارية جديدة من أجل أن
تنص على أنك ديمقراطي، وتنشد نظاماً ديمقراطياً .. وما ذلك إلا للغرضين الآنفي
الذكر أعلاه!
صدق الله العظيم:) وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ
إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ
فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة:217.
وقال تعالى:) وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ
إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم (البقرة:109.
وقال تعالى:) وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء (النساء:89. فالحذر الحذر عبادَ الله .. فلا تستهوينكم زخرفة الشعارات حمالة
الأوجه والمضامين .. والتي قد تلقي بكم في التهلكة، وأنتم لا تشعرون!
فإن قيل: ما البديل عن
الديمقراطية .. إذ لا بديل عنها إلا الديكتاتورية .. والأنظمة المستبدة .. فهل
تريد أن تحكمنا بالديكتاتورية؟!
أقول: لا؛ ليس كما
تقولون .. وتزعمون .. وكأنه لا خيار للبشرية إلا أحد الشرين: إما الديمقراطية ..
وإما الديكتاتورية!
وجوابنا: لا هذا ولا
ذاك .. وإنما البديل عن الشرين معاً .. هو الإسلام .. هي الشورى التي استوعبت
حسنات الديمقراطية وزادت عليها .. هي الحرية كما في الإسلام، وقد تقدمت الإشارة
إليها.
[1]
فانظر مثلاً ماذا يقول القائمون على "
الجمعية الشرعية الرئيسية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية "
المصرية، في مقالة لهم تحت عنوان " رؤية الجمعية الشرعية في المستجدات
العصرية ": تقوم الديمقراطية على عدة مبادئ: منها التداول السلمي للسلطة عن
طريق الانتخابات، والتسليم بحكم الأغلبية مع احترام رأي الأقلية، والفصل بين
السلطات، وسيادة القانون، أما الهدف النهائي للديمقراطية فهو تحقيق مبادئ الحرية،
والعدل، والمساواة ا- هـ. قلت: هذا نموذج .. والنماذج التي فتنت بالديمقراطية،
وتفسرها تفسيراً خاطئاً كثيرة جداً .. ثم إذا كان الشيوخ والخواص العاملين بالكتاب
والسنة ـ كما يعرفون هؤلاء عن أنفسهم ـ هذا فهمهم للديمقراطية .. فما بالكم
بالعوام .. الذين يكررون ما يسمعونه من هؤلاء الخواص .. لذا من الخطأ أن يصدر حكم
واحد على كل من يستخدم كلمة " الديمقراطية " من دون التحري عن مقاصدهم
ومرادهم من استخدامهم لهذه الكلمة؟!
[2] وبالتالي من يريد أن يستشرف إصدار الأحكام على الديمقراطية
والديمقراطيين، عليه أن يحسن التفريق بين من يطلقها ويريد منها المعنى الأول
المشار إليه، والمحصور في آليات الديمقراطية أو بعضها .. ومن يطلقها ويريد منها
المعنى الثاني الكفري الشركي .. فلا يجعلهما سواء في الحكم .. فيحمل على الفريق
الأول من نصوص الوعيد، ما يصح أن يُحمَل على الفريق الثاني .. حيث هناك من يفعل
ذلك!
[3] لِسعة ثوب الديمقراطية؛ الكل يرتديه، ويتزين به .. ويدعيه .. بما
في ذلك أشد الأنظمة ديكتاتورية .. وأشد الطغاة استبداداً وفساداً .. وبالتالي من
حقنا أن نتحفظ من هذا المصطلح الذي يسع جميع المتناقضات .. وتستتر بظله جميع
الشرور!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق