العلم الدنيوي: وهو
العلم الذي به تستقيم حياة الناس المادية من ملبس، ومأكل، ومشرب، ومسكن، ومركب،
وغير ذلك من الصناعات الحربية التي تقي المؤمنين بأس أعدائهم .. وهو علم لا يمكن
تجاهله، أو التهاون به، بل لا يمكن للدولة الإسلامية أن تقوم لها قائمة من دونه؛
لذا كثير منه ـ مما يدخل في حكم الضروريات ـ يكون تعلمه واجباً، وفرضاً كفائياً لا
بد من أن ينفر من المسلمين من يكفي الأمة حاجتها من تلك الضروريات، وإلا وقع الإثم
والحرج على الجميع ممن يقدرون على سد النقص في تلك المجالات من العلوم والفنون ثم
هم لا يفعلون.
هذا النوع من العلم هو الذي به تحافظ الدولة
الإسلامية على استقلالها، واكتفائها الذاتي، وتحفظ هيبتها ومكانتها بين الدول والأمم
التي لا تعترف إلا بالقوي، ولا تحترم إلا القوي، ولا وجود بينها إلا للقوي، كما
قال تعالى:) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ
قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ
وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا
تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا
تُظْلَمُونَ (الأنفال:60.
ولكي نتمكن من الإعداد ما استطعنا من قوة يستلزم العلم بجميع أنواع وأدوات القوة
المعاصرة المتاحة .. وجميع فنون القتال .. التي تكافئ قوة العدو ومهاراته .. والتي
تردعه وترهبه وتمنعه من التجرؤ على الاعتداء .. وإذا كان هذا الإعداد واجباً وهو
لا يمكن أن يتحقق إلا بالعلم بأدواته وأسبابه دل أن هذا النوع من العلم واجب كذلك؛
للقاعدة الشرعية التي تقول: مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وقال تعالى:) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ
وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ
وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ
قَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحديد:25.
فالدولة الإسلامية لا يمكن أن تقوم لها قائمة
إلا بالكتاب والحديد معاً .. ومتى أخذت بأحدهما دون الآخر، وقعت في التقصير
والتفريط، وحكمت على نفسها بالفشل والزوال .. وتجرأ عليها الأعداء.
الأمة التي تستورد مأكولاتها، وملبوساتها،
ومركوباتها، وآلياتها، ومصانعها .. وحاجياتها .. من الأمم الأخرى .. هي أمة
مستعمرة من تلك الأمم .. لا تملك قرارها، ولا حريتها إلا على قدر استغنائها عن تلك
الأمم!
وقد أُثر عن عمر بن الخطاب t أنه كتب إلى أهل الشام:" علموا أولادكم الكتابة، والسباحة،
والرمي، والفروسية، ومروهم فليثبوا على الخيل وثباً ".
وقوله r:" طلب العلمِ فريضةٌ على كلِّ مُسلمٍ "، يشمل هذا النوع
من العلم كذلك، والله تعالى أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق