- الأَمْنُ: لتعلقه بكثير من ركائز وأسس الحكم في
الدولة الإسلامية الآنفة الذكر؛ إذ لا يمكن للحكم ـ في أي دولة من الدول ـ أن تقوم
له قائمة في أي مجال من مجالات الحياة من غير أمن وأمان؛ فالمجتمع الذي تحكمه
الجريمة وتسيطر عليه العصابات الإجرامية التي تهدد الناس في أمنهم ومعاشهم وحياتهم
.. وتعتدي على حرماتهم المصونة .. من دون أن تجد القوة التي تردعها عن غيها
وإجرامها، وتأخذ على يد المجرمين منهم بالقصاص الشرعي العادل .. هو مجتمع لا يعرف
الاستقرار، ولا يصلح لأي عمل مثمر بناء .. بل لا يصلح للسكنة والإقامة فيه .. وهو
أقرب ما يكون إلى الغاب التي تسودها وتحكمها شريعة الأقوى والأشطر!
لذا نجد أن الإسلام شرَّع الحدود والقصاص التي
تردع المجرمين وأصحاب النفوس المريضة من الاعتداء على أمن وحرمات الآخرين ..
واعتبر ذلك فيه حياة للمجتمع والناس أجمعين، كما قال تعالى:) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي
الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة:179.
فإن قيل: كيف يكون في القصاص حياة، وقد يترتب
على تنفيذ الحد أو القصاص الشرعي موت أو بتر عضو من أعضاء الجاني المعتدي؟
أقول: بموت أو بتر هذا العضو من جسد المجرم
الجاني يكون سبباً في سلامة الآلاف من الناس من أن يُعتدى عليهم وعلى حرماتهم في
شيء .. فيكون بهذا الاعتبار حياة لهم .. وللجماعة، والمجتمع.
ويكون حياة كذلك باعتبار الازدهار الاقتصادي
والحضاري الذي يتحقق في المجتمع بسبب انعدام الجريمة، وفشو الأمن والأمان .. وما
كان ذلك ليكون لولا العمل بالحدود الشرعية، والأخذ على يد المجرم الجاني بالقصاص
العادل.
وقال تعالى في حد الحرابة بخصوص الذين يقطعون
الطريق على الناس، ويسطون على حرماتهم، ويتمنعون بقوة السلاح:) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ
يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ
يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة:33.
لذا لم يعرف التاريخ مجتمعاً آمناً يخلو من
الجرائم أكثر من المجتمع الإسلامي الذي تُطبق فيه الحدود الشرعية .. ولمن يُخالفنا
الرأي حول هذا الأمر، نقول له: أحصِ عدد الجرائم التي حصلت في عهد النبي r، وعهد الخلفاء الراشدين من بعده طيلة عقود حكمهم .. وعدد الجرائم
التي تحصل في أمريكا في يوم واحد فقط .. فستجد أن الجرائم التي تحصل في أمريكا في
يوم واحد ـ رغم ضخامة جهاز الرقابة فيها ـ أضعاف الجرائم التي حصلت في عدة عقود في
المجتمع الإسلامي!
لكن رغم أهمية " الأمن " في نهضة
وتقدم الدول والأمم .. وحياة الناس .. إلا أنه ينبغي التعامل معه باعتدال وعدل من
غير إفراط ولا تفريط .. وبصورة لا تؤثر سلباً على ركائز وأسس الحكم الآنفة الذكر!
إذ لا يجوز أن يكون الأمن ذريعة للسطو على حقوق
وأمن وحرمات وحريات الناس .. وترويعهم .. أو التجسس عليهم .. وعلى خصوصياتهم ..
وفرض الأحكام العرفية، وحالة الطوارئ .. كما يحصل ذلك في كثير من الدول المعاصرة
التي تهتم بأمن الحاكم ونظامه على حساب أمن الناس والمجتمع .. وهي عندما تتكلم عن
الأمن .. تعني أمن الحاكم وحكمه وعرشه، وحاشيته .. أكثر مما تعني أمن الناس
والمجتمعات .. فهذا المعنى الخاطئ لا نريده من حديثنا عن الأمن .. بل نسخطه ..
وننزه الإسلام منه.
قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا
كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا
يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ
مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (الحجرات:12.
عن معاوية t قال: سمعت رسولَ الله r يقول:" إنَّك إن اتبعتَ عوراتِ الناس أفسدتَهُم أو كِدتَ أن
تُفسدهم ".
وفي ذلك عِظة ـ لو كانوا يعقلون! ـ للأنظمة
الطاغية الفاسدة القائمة على التجسس وابتغاء الريبة في الناس؛ والتي تضع على كل
فرد من أفراد المجتمع جاسوساً يتجسس عليه ويتتبع عورته، وعلى الجاسوس من يتجسس
عليه وعلى أدائه التجسسي .. إلى أن يتحول المجتمع إلى سلسلة من الجواسيس .. الكل
يتجسس على الكل .. وكل ذلك بحجة الحفاظ على الأمن .. زعموا!
هذه هي أهم ركائز وأسس وقيم الحكم في الدولة
الإسلامية .. التي يجب أن تُطبَّق وتُراعى عند قيام دولة الإسلام، في أي بقعة من
بقاع الأرض، بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق