الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: من أبرز
الخصائص والأسس والركائز والمقومات التي يقوم عليها الحكم في الدولة الإسلامية،
" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ".
فهو يمثل جهاز المناعة في جسد الأمة، والدولة الإسلامية.
إذ لا قيام ولا حياة ولا وجود للدولة الإسلامية
والمجتمع الإسلامي من دون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن دون أن تكون ثقافة
وعقيدة " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "، ثقافة الدولة والفرد سواء،
بل وثقافة المجتمع برمته.
فقد صح عن النبي r أنه قال:" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع
فبلسانه، فإن لم
يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعفُ الإيمان " مسلم.
فقوله " مَن "؛ من صيغ العموم؛ أي كل من رأى منكم منكراً وكان
قادراً على إنكاره يتعين عليه إنكاره، إذ لا يقتصر إنكار المنكر على فئة دون فئة،
أو شخص دون شخص .. فالجميع يجب عليهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، كل
بحسب استطاعته وموقعه.
وقال تعالى:) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (التوبة:71.
فلام التعريف في قوله ) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ ( تفيد العموم والاستغراق؛ أي كل المؤمنين والمؤمنات ) بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثقافة وسلوك وأخلاق جميع
المؤمنين والمؤمنات .. وإن كان يجوز أن تتخصص فئة من هؤلاء المؤمنين تكون مهمتها ووظيفتها
الأساسية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. والسهر على حماية المجتمع من التلوث
بالمنكرات، كما قال تعالى:)
وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (آل
عمران:104. هذه الأمة؛ اي الطائفة تتفرغ للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
كذلك من غايات ومقاصد قيام الدولة الإسلامية
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في قوله تعالى:) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ
أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا
عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج:41. فمن غايات
التمكين للمسلمين في الأرض أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر .. فإن لم يأمروا
بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر .. فوَّتوا الغاية التي لأجلها منَّ الله تعالى
عليهم بالتمكين والاستخلاف في الأرض.
والمعروف الذي أُمرنا أن نأمر به هو جميع ما
يحبه الله تعالى من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهو يشمل جميع شُعب وخصال
الإيمان التي أعلاها " لا إله إلا الله "، وأدناها إماطة الأذى عن
الطريق.
والمنكر الذي أمرنا أن ننهى عنه هو جميع ما
يبغضه الله تعالى ويسخطه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهو يشمل جميع
شُعب الكفر والفسوق والعصيان، والتي أعلاها الإشراك بالله تعالى ، وأدناها إلقاء
الأذى في الطريق.
فأمة الإسلام عُرفت خيريَّتها على غيرها من
الأمم وفضلها عليها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى:) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ (آل
عمران:110. فعلى قدر ما تحافظ الأمة على خاصية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
على قدر ما تُحافظ على خيريتها وتمايزها وفضلها على غيرها من الأمم والدول.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمام
الأمان في المجتمع، وهو بمثابة جهاز المناعة فيه؛ إذ هو الجهاز الذي يُطارد
المنكرات وآثارها الفتاكة في المجتمع كما تُطارد الكريات البيض في الدم الجراثيم
والفيروسات التي تُداهم الإنسان وتتسرب إلى داخل جسده .. وكما أن الإنسان لا يقوى
أن يعيش من دون جهاز مناعة يُقاوم الأمراض والجراثيم التي تُداهمه، كذلك المجتمعات
لا يمكن أن تعيش أو أن تسود وتبقى سليمة من الأمراض والانحرافات الضارة والقاتلة
.. من دون جهاز مناعة يتمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما في الحديث، فقد صح عن النبي r أنه قال:" مثلُ القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قومٍ
استهموا على سفينة في
البحر، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضُهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا
من الماء فمروا على من فوقهم فتأذوا به، فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون
فتؤذوننا، فقالوا ـ أي الذين في أسفلها ـ: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقاً
فاستقينا منه، ولم نؤذِ مَن فوقنا، فأخذ ـ أي أحدهم ـ فأساً فجعل ينقر أسفلَ
السفينة، فأتوه فقالوا مالك؟! قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن تركوهم وما
أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا وأُنجوا جميعاً " البخاري.
وهكذا مثل الآمرين بالمعروف النَّاهين عن المنكر القائمين على حدود الله
مع أهل المنكر والفسوق والفجور الذين يريدون أن ينشروا منكراتهم وضلالاتهم
وكفرياتهم وشرورهم في المجتمع وبين الناس ليفتنوهم عن دينهم، ويؤذوهم في معاشهم،
فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وهلك المجتمع ومن فيه، وإن أخذوا على أيديهم
بالضرب والزجر والمنع نجوا ونجوا جميعاً، وسلم المجتمع ـ ومن فيه ـ من الغرق
والهلاك، والدمار.
ومن حديث زينب بنت جحش رضي الله
عنها أنها قالت: يا رسول الله! أنَهلَكُ وفينا الصالحون؟ قال r:" نعم؛ إذا
كَثُرَ الخبَث " متفق عليه.
لا حرية في الدولة الإسلامية للمنكر والفسوق والعصيان والظلم؛ لأن ذلك
يعني أن تُعطى الحرية للتخريب والخبَث، والدمار والهلاك والفساد .. وهذا لا يستقيم
أبداً في دين الله تعالى، كما أنه لا يستقيم مع غايات ومقاصد الحكم في الدولة الإسلامية.
قال r:"
إن الناسَ إذا رأوا الظالمَ فلم يأخذوا على يديه ـ أي بالنهي والزجر والمنع ـ أوشك
أن يعمَّهُم الله بعقابٍ من عنده "[[1]].
وقال r:"
ما من رجلٍ يكونُ في قومٍ يُعمَلُ فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يُغيروا عليه، ولا
يُغيرون؛ إلا أصابهم الله منه بعقابٍ قبل أن يموتوا "[[2]].
وقال r:"
لا تزال أمتي بخير ما لم يفشِ فيهم ولدُ الزنا، فإذا فشا فيهم ولد
الزنا أوشك أن يعمهم اللهُ بعقاب "[[3]].
وقد لُعِن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيس ابن مريم عليهما
السلام؛ حيث كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، كما قال تعالى:) لُعِنَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ
عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (المائدة:78-79.
وهذا مثال ضُرِب للمسلمين؛ فإنهم إن وقعوا فيما
وقع فيه كفار بنوا إسرائيل .. فلا يتناهون عن منكر فعلوه .. فإنهم يُلعَنون كما
لُعِنوا .. ويحل بهم السخط والعذاب كما حل ببني إسرائيل من قبل .. فليس لهم كل
مُرَّة، ولنا كل حلوة!
وقد أخبرنا النبي r أن الساعة تقوم على شرار الخلق الذين من خصالهم أنهم لا يعرفون
معروفاً، ولا ينكرون منكراً، كما في الحديث:" فيبقى شرار الناس في خِفة الطير وأحلام
السباع، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً. فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا
تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان. وهم في ذلك دار رزقهم،
حسنٌ عيشهم، ثم يُنفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً، وأول من
يسمعه رجل يلوطُ حوضَ إبله ـ حرية شخصية على مبدأ ومذهب الديمقراطيين!! ـ قال:
فيصعق، ويصعق الناس ..." مسلم.
ومنه نعلم أن هؤلاء الذين يُمَنُّون ـ
نفاقاً ومداهنة ـ الشعوب والطوائف والفِرَق والأحزاب
بكل
أطيافها وانتماءاتها الباطلة .. بالحريات المطلقة ـ عملاً بشعار ومبدأ الديمقراطية
ـ بما في ذلك حرية الفساد والفجور والكفر والإلحاد .. والزندقة .. والمجاهرة
بالارتداد عن الدين .. إذا ما قامت دولة الإسلام على أيديهم ـ زعموا! ـ ثم هم مع
وزرهم الثقيل هذا يزعمون بأنهم مسلمون .. ومصلحون .. وأنهم يعملون من أجل مستقبل
الإسلام والمسلمين ومستقبل دولتهم المنشودة .. فهؤلاء يكذبون .. وهم يصطدمون
بعشرات النصوص المحكمة من كتاب الله وسنة رسوله r .. كما أنهم لم يفهموا مقاصد وغايات الإسلام بعد، والغاية من قيام
دولته في الأرض .. وعليهم أن يُعيدوا من جديد قراءتهم لبدهيات وأساسيات تعاليم هذا
الدين الحنيف .. قبل أن يُنظِّروا لمستقبل الإسلام ولمستقبل دولته المنشودة!
وهؤلاء حظهم من كتاب الله تعالى ـ إلا من رحم
الله منهم فتاب وأناب ـ قوله تعالى:) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ
مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ
وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ (التوبة:67.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق