الرغبة:رغب في الشيء حرص عليه و طمع فيه، و رغب الشيء و فيه أراده و منه
الرغبة و هي النزوع التلقائي الداعي إلى غاية معلومة أو متخيلة. و تحت كل رغبة
نزعة كما أن تحت كل إرادة رغبة. و الرغبة بمعنى ما مرادفة للشوق. و الرغبة مقابلة للإرادة
لأن الإرادة تقتضي عدة شروط و هي:1.تنسيق النزعات.2.التفريق بين الذات المدركة و
الشيء المدرك.3.الشعور بجدوى الفعل و إنتاجيته.4.التفكير في الوسائل المؤدية إلى
تحقيق الغايات.
تحيل كلمة
رغبة في لسان العرب لابن منظور إلى المعاني التالية:
-
الرغبة: الحرص على الشيء والطمع فيه والرغبة (...) السؤال والطمع (...).
هأما الدلالة الفلسفية عند لالاند في معجمه الفلسفي فمضمونها أن الرغبة ميل
عفوي واع نحو غاية معلومة أو متخيلة (..) وضدها النفور aversion.
يبدو من تعريف لالاند أنه قارن الرغبة بالوعي، وبالغاية التي تكون واضحة أو
مضمرة، وأورد ضدها وهو النفور فالرغبة في أشياء لا تخلو من النفور من أشياء أخرى.
الرغبة والحاجة:
تحيل الحاجة على كل ما هو ضروري لبقاء الذات من مأكل وملبس ومسكن وغيره،
أما الرغبة فتحيل على نزوع وميل الذات إلى كل ما يجلب لها اللذة والاستمتاع سواء
أكانت هذه الذات تحتاجه عمليا وواقعيا أم لا، إذا كانت الحاجة تحيل إلى ما هو
ضروري لبقاء الإنسان، فهل يمكن الاكتفاء بها فقط؟
إن البقاء الذي يضمنه تحقيق الحاجات الأساسية ليس إلا الحد الأدنى من
الوجود والإنسان في هذا الجانب (البقاء) لا يتميز كثيرا عن باقي الكائنات الحية،
بل إن هناك عددا من الكائنات الحية التي طورت استراتيجيات للبقاء تتفوق كثيرا عن
تلك التي طورها الإنسان، فالسلاحف مثلا عمرت لملايين السنين ولا يبدو وافي الأفق
القريب أنها ستنقرض!
إن الإنسان يشترك مع باقي الحيوانات في الاعتماد على إشباع الحاجات
الأساسية (البيولوجية أساسا) لضمان البقاء، وإن كان يمتاز عنها بتعقد وتعدد حاجاته
ما بين اجتماعية و"نفسية" وبيولوجية، فإن هذا الامتياز هو امتياز نوع،
فكثير من الكائنات تميل إلى التجمع في شكل قطعان، ويحمي بعضها بعضا ويعتمد بعضها
على بعض، بل إن منها من تملك تقسيما للعمل ( النحل، النمل) وهي في هذا تشترك مع
الإنسان في نوع حاجاته لكن درجة تعقد الحاجات الإنسانية أكبر بكثير.
الرغبة والإرادة
يلتبس مفهوم الرغبة Désir مع مفاهيم أخرى، مثل مفهوم الحاجة Besoin غير أن الرغبة والحاجة ليستا عبارتان منفصلتان كلية، إحداهما عن
الأخرى، فهما قدرة يمتلكها كائن معين في الوجود فتتجلى على شكل غريزي صرف لدى
الحيوان فتعرف –القدرة- بالحاجة أي تلك الضرورة البيولوجية (مثل الأكل، النوم،
التناسل) والتي غايتها استمرار الكائن في الوجود، ولما كان الإنسان يشترك مع
الحيوان في هذا المعطى الحاجي، فإنه يمتاز عنه بتلك الكيفية التي يلبي بها حاجاته
وفق مجاله الاجتماعي والثقافي المتنوع والمتطور عبر التاريخ، فتكون الرغبة بذلك
تحويل الحاجة إلى ميل مرتبط بموضوع يفتقده الإنسان في وضعه الحاضر ويريد الحصول
عليه.
تحول المسافة إذن بين الذات الراغبة وموضوع رغبتها عائقا يستلزم عنصر الوعي
بصفته بعدا أساسيا في السلوك الإنساني، يعمل على تحديد وسائل كفيلة بتحقيق الرغبة،
هذا يجعلنا نعتبر أن الإنسان كائن واع برغباته، التي تدفعه إلى تلبيتها، حتى وأن
لم يعي تمام الوعي دوافعها الضمنية والمضمرة، واستنادا عليه يقر سبينوزا بأن
الإنسان لا يسعى إلى شيء، لا يريده ولا يشتهيه، ولا يرغب فيه لكونه يعتقده شيئا
طيبا، بل على العكس من ذلك يعتبره شيئا طيبا لكونه يسعى إليه ويشتهيه ويرغب فيه.
يظهر أن لكل فرد رغباته الخاصة به، مادام يسقط على الشيء المرغوب صفاتا
ذاتية تجعله مرغوبا لديه، فهل هذا معناه أن الرغبة مشروطة بالوعي كوحدة لقيمة
الشيء المرغوب؟
يمكن القول بأن الرغبة والوعي متلازمان، فلكي يتجلى الوعي بصفته توجها نحو
العالم الخارجي، ينبغي أن تحدد توجهه هذا رغبة ما.
لرغبة والسعادة
يختلف الناس في تمثلهم للسعادة، بين من يقصرها على حسن العيش، من حياة
مرفهة، وامتلاك للأموال والثروات، وتلبية كاملة للرغبات، وتشيع لها، وتحقيق للذة
والمتعة في مختلف أشكالها وتجلياتها، وهناك من يقصرها على حسن السيرة من حياة
كريمة ومعتدلة ومنسجمة، وقد نجد الاختلاف بين الأفراد، فالمريض يرى السعادة في
الصحة، والفقير يراها في المال، والوحيد يراها في الأنس والصداقة.
يظهر إذن أن التمثل الاجتماعي يهيمن عليه المعنى المادي، الذي يقترن بإرضاء
رغبات وشهوات الجسد، والاستمتاع باللذة والرغبة بكل أشكالها.
وفي لسان العرب نجد: سعد، السعد، بمعنى اليمن والخير، وسعد سعدا فهو سعيد،
وسعد فهو مسعود، وهو نقيض النحس والشقاوة، ويكتسب اليمن أي الخير دلالتين: الأولى
تشير إلى ما هو مادي محسوس، وتتمثل في الإرضاء والإشباع، أما الدلالة الثانية،
فتشير إلى ما هو عقلي، وتتمثل في التدبير.
تتحدد السعادة من الوجهة الفلسفية العامة كحالة إرضاء وإشباع وارتياح تام
للذات، يتسم بالقوة والثبات، ويتميز عن اللذة للحظيتها، وعن الفرح لحركيته، ويبدو
من هذا أن المسألة الفلسفية تتحدد عبر مستويين:
مستوى كيفي يتعلق بالطبيعة النظرية والماهوية للسعادة، هل هي مادية ترتبط
بكل ما يحقق الإرضاء المادي من رغبات، وامتلاك للخيرات والصحة والنفوذ.
مستوى مجرد يتعلق بكل ما يحقق اللذة العقلية، من معرفة وعلم، أم أنها
تتجاوز هذا وذاك لترتبط باللذة الروحية والوجدانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق